اطبع هذه الصفحة


هل ما فات مات حقا ..؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
لا اعرف كيف اصف تصرفات بعض منظري الفكر الصهيوني أصفه بالغباء أم بالسذاجة أم بالسطحية أم بالتبجح والوقاحة ؟! .
إن شارون رضيع الفكر الصهيوني يعد نموذج غير متفرد لهذا المنحى، فالكذب وما يصاحبه من وقاحة وخديعة تعتبر من السمات اللصيقة به ككائن ، ففي مؤتمر( إيباك) الذي أنعقد في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا أطلق تصريحات قالت صحيفة يدعوت أحرنوت أنها سرية ، بين من خلالها انه لا يثق في معاهدات ووعود القادة العرب فقد جاء على لسانه :( إن توقيع الاتفاقات مع الرئيس بوش أكثر أمنا من توقيعها مع القادة العرب )! وكان من الطبيعي جراء وقوفنا على تصريحه هذا أن نضحك ،ولما لا نفعل فـ(شر الأمور ما يضحك) !؟
إن شارون الذي صرح بعدم ثقته بالمواثيق التي تعقد مع العرب نسي أننا لم نعد الأمة التي قال أحدهم عنها أنها لا تقرأ ، نحن أمة تجيد اقتناء الكتاب واستيعاب مفرداته، أمة استوعبت وتستوعب التاريخ القديم والحديث ، أمة تستوعب نصوص يهودية مقدسة تحرم التعاهد مع الآخر !! .
وكما قال الأستاذ جبر الهلول : ( دراسة المواثيق والعهود في الفكر السياسي اليهودي المعاصر تتطلب معرفة مرتكزات وثوابت هذا الفكر، ومعرفة العلاقة القائمة بين هذا الفكر والفكر الديني اليهودي ، وذلك من أجل معرفة مدى التزام اليهود المعاصرين بالعهود والمواثيق في ظل القرارات الدولية ، وفي ظل المفاوضات والاتفاقات العربية اليهودية الداعية إلى السلام بين الطرفين )

إن التفسير الصهيوني للسلام تفسيرا يناقض كل المواثيق العالمية التي دعت لإرجاع ولو بعض الحق للفلسطينيين ، إنهم يرون أنه لا قيمة لسلام إذا لم يجلب الخير كل الخير لهم دون غيرهم، فشمعون بيريس المتحمس لمشروع ( إسرائيل الكبرى) قال في محاضرة ألقاها في المعهد القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة عام 1992م : ( أن ما فات مات لا تنظروا إلى الخلف بل انظروا إلى الأمام .. لا داعي للنظر إلى الموضوع من الناحية التاريخية بل النظرة الجغرافية الواقعية هي العامل الأساسي .. وما دمنا قد فشلنا في إقامة السلام العادل علينا إن نبني السوق الكبير نبيع ونشتري لكسب المال ) كما قال : ( تريد إسرائيل عقد مفاوضات متعددة لأطراف تسعى لعقد صفقات عمل تكون مقدمة لإقامة سوق شرق أوسطية جديدة )..
وهكذا أعتبر أن المنفذ الاقتصادي الطريق الأمثل لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي ، مقررا أن حل النزاع لإحلال السلام لا يكمن في المباحثات التي تتعلق بالأراضي العربية والفلسطينية المحتلة والمستوطنات والقدس وعودة اللاجئين وغيرها من موضوعات جوهرية ، فهذه القضايا ليست حاضرة في ذهن الساسة الصهاينة ولن تكون ، فهدفهم الأساسي من المباحثات الحالية والمستقبلية مع العرب لا يخرج عن السعي لسيطرتهم على أهم الموارد العربية ، وهذه المطامع الاقتصادية بالإمكان استنباط أهم حدودها من قول بيريس : ( لقد اصبح واضحا الان أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية أضحت المعيار الأساسي للديمقراطية الناجحة في الشرق الأوسط حيث يوجد 60% من المصادر النفطية العالمية ، كما أن الشرق الأوسط يمثل سوقا هائلة محتملة ).
بل انه يتطلع بنفس جشعه لجعل إسرائيل كيان محوري وملتقى الطرق البرية والساحلية في منطقة الشرق الأوسط ، يتطلع لجعل أنابيب النفط والغاز المطروحة تتدفق من الخليج لتصب في موانئ الكيان الصهيوني، ولذا كله يطالب بتجاهل التاريخ إذا كان يحمل في طياته ما لا يتناسب وطموحاتهم ، فتقديم الأرض مقابل السلام غير مطروحة حاليا كمبدأ ، ولذا نجده يقول : (علينا أن نعرف كيف ومتى نتجاهل التاريخ ، فنحن لا نستطيع أن نسمح للماضي صياغة تصورات راسخة يمكن أن تفشل قدراتنا على بناء طرق جديدة في التفكير والتصرف )!! علينا أن نعرف كيف ومتى نتجاهل التاريخ !! يدعو بيريس هنا لنسيان الصراعات الماضية نسيان القدس، الأرض، العرض، نسيان دماء أبنائنا ، ونسيان التاريخ وما تحمله لنا المواثيق والعهود الدولية التي وقفت باستحياء عند حق المسلوب، فهو بمطالباته تلك يفترض عدم نظرنا في مضامين تلك المواثيق والتفرغ لجمع الفتات التي تعطى لنا من موائد اللئام.
بل أنه يقول : (ما من قوة على وجه البسيطة تستطيع أن تحملنا على مغادرة هذه الأرض ) وهذا القول توارثه أبا عن جد ، فقد قال بن غوريون : ( إن الأمر لا يمكن في الإبقاء على الوضع القائم ، فنحن في حاجة إلى دولة حركية مهيأ للتوسع ) كما قال : ( لا معنى لإسرائيل بدون قدس ولا معنى للقدس بدون هيكل ) في حين قال موشي ديان : ( لقد عدنا واستولينا اليوم على القدس ولن نتخلى عنها ، إن هذا اعظم يوم في التاريخ اليهودي ، اليوم القدس وغدا يثرب )!! أما شامير فيقول : ( ربما يستطيعون إقناعي بعد موتي بأن حدود إسرائيل يجب أن تعود للوراء )
لقد مللنا سماع عقد معاهدات سلام بين العرب وهذا الكيان، وعن اجتماعات تتم وتنفض دون طائل يذكر ، والسبب لا يعدوا كونهم قادرين وعن جدارة إيجاد الأسباب أو افتعالها .. لنقض العهد أو اتفاق ما عقد منذ البداية لغاية في نفس يعقوب !!
لقد فسر التلمودين موقف الديانة اليهودية من هذه القضية بالذات ، بقولهم : ( إن العهد إذا ابرم يحب أن يبرم بين طرفين متكافئين ، ولما كان الأممي لا يساوي اليهودي فانه لا يحق لليهودي إبرام عهد مع الاممي ، وحتى لو ابرم عهدا بظرف ما فهو في حل منه عندما يزول السبب ،إذ من الوجهة الشرعية يمكن لليهودي أن يبرم معاهده عندما يكون ضعيفا ، ويجب أن يلغيها عندما يكون قويا ) !!
وصدق هؤلاء كل الصدق في تفسيرهم هذا ، فقد قال سبحانه وتعالى في خيانتهم للعهد: (أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) البقرة : 100
و السؤال المطروح ..
من منا عليه أن يشك في نوايا الآخر ..؟ ثم هل ما فات مات حقا !؟

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط