اطبع هذه الصفحة


قِمَمٌ وقيعان!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
تارة ضائعون، وتارة أخرى مستنفرون يترقبون الساعة الحاسمة، التي يتمكنون من خلالها التحرّك بحريّة في دائرة الضوء.. هذه هي حال بعض أبنائنا اليوم!
دائرة ستكون لهم - بحول الله- حال رحيلنا أو انهزامنا. أما الأولى فعلمها عند المولى سبحانه، وأما الثانية فهناك من مهّد الطريق لها بانهزامه من الداخل؛ فالإخلاص بالنسبة له عملة نادرة لا رواج لها، والصدق تجاوزٌ للحدود، والحِلم ضعف، أما السّفاهة فشطارة، والنفاق سياسة.. والتواضع لغة الأغبياء.. والحريّة تطاولٌ ووقاحة..!!
فئة على قلتها لا تسعى إلا لإثبات الذات ولو بطرق ملتوية؛ فالغاية تبرّر الوسيلة، وبالتالي فلا بأس لو عمد أحدهم لتصوير الحق باطلاً، مشوّها بفعله الوقائع..!! ما دام ذلك يحقق غايته المنشودة، والتي هي -على الأغلب- لا تتعدّى موطئ قدمه.
أمثال هؤلاء موجودون في مجتمعاتنا، لا ينحصر تواجدهم في محيط واحد، هم كَوَباءٍ قاتل لا بدّ من استئصاله قبل استفحاله، هذا إذا أردنا أن نصلح من أحوالنا ومستقبلنا، ونُورِث أبناءَنا أرضاً طيّبة بنفوس طاهرة تملك قوّة الروح والجسد..
وفي المقابل نجد - بحمد الله - قمماً من الرجال، ممن تاقت نفوسهم للمعالي، وترفّعت عن الصغائر، نذرت نفسها-طوعاً- لخدمة هذا الدين وأهله، عشقت الأرض كعشق الأرض لها، تجاوزت سفاهة السّفهاء، تجاوزاً احتارت معه عقول العقلاء؛ فلا هم بالضعفاء ولا هم بالجبناء، ولا هم ممن عرفوا أبجديّة النفاق، والمؤلم أنّ هؤلاء على نقائهم مُحَارَبون من جبهات خارجيّة وداخليّة، صَوّرت إخلاصَهم خيانة، وتفانيهم عمالة..!! وبين هؤلاء وأولئك فئة آثرت السلامة في القول والعمل، فما يعنيها بغدرٍ لا يلامس مالها وعِرضها، أو بفسادٍ تنامى بعيداً عن نطاقها!
وأمام هذه المعمعة الفكريّة، يتابع أبناؤنا بألم ما يجري على الساحة من سجال فكريّ عقيم، أو لامبالاة قاتلة، معتقدين - وهم في هذا على حق – أنه من الضعف بل من السّفه تجاهلنا لمعطياتهم الفكريّة والعمليّة، بدعوى قلّة تجاربهم؛ إذ كيف للخبرة أن تتحقق ونحن نرفض إمدادهم بأسبابها ومفاتيحها؟! ونحن لا نأبه بمعاناتهم النفسيّة والجسديّة، وهم يجاهدون ليجدوا لأنفسهم متنفساً يحققون من خلاله أحلامهم.. وأحلامنا فيهم.
ويا ليتنا مع ذلك كله نقف في وجه من عمد إلى تقديم القشور لهم، فبعضهم قد أدمن تعاطيها، ولم يعد يفرّق بينها وبين الجوهر، يا ليتنا نعترف بحاجتنا لهم، وبِعِظَم الدّور المُناط بهم، دون تعجيز أو تسفيه.. ليتنا نثق بهم؛ فهم- بعون الله- أهل للثقة..
ثم أليس من الحكمة أن نمهّد لهم الطريق، وهم في مقتبل العمر؛ ليقولوا لنا ما يريدون؟ ففي هذه السن يكونون أكثر ليناً، وأطوع نفساً، مقبلين علينا غير مدبرين، أليس من الحكمة أن نُصغي لهم، ونجتهد في ذلك قبل أن يجدوا متنفساً ممن جاء محمّلاً بثقافات دينيّة وإنسانيّة مغايرة لثقافتنا ومبادئنا، ساعياً بكل ما يملك من وسائل ماديّة أو معنويّة لبرمجة عقول غضّة لم تفرّق بعد بين الصواب والخطأ، وبين الحقّ والباطل؟
كفانا بحثاً عن مبرّرات لضياع أو فشل بعضهم، ولنناقشهم في أعراض هذا الفشل.. فهم أدرى به، ولنعرّج بعدها –وبشجاعة- لدراسة الأسباب الكامنة خلفه، ثم لنعترف بدورنا فيما انتهوا إليه من انسلاخ وتطبع، أو مغالاة وتمرّغ، لنفعل ذلك من أجلهم؛ فهم حُلم أمسنا، وأمل مستقبلنا، ومن الخِزي والعار أن نتهرب مما كنّا -ولو بشكل غير مباشر- سبباً فيه، ولنفعل هذا من أجلنا؛ قبل أن نضيع بضياعهم، فهم المستقبل الذي نطمح أن يكون أفضل من حاضرنا، بعون الله سبحانه وتعالى..

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط