اطبع هذه الصفحة


هذا ما عهدناه منكما..

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
الواقع أن الذهول سيصيبنا لو كان موقف هاتين الدولتين مغايرا لما أبدتاه من عدم المبالاة، أو كانت تبريراتهما مقنعة، أو لو أنهما أصدرتا استنكارا شديد اللهجة لتصرف الكيان الصهيوني الأهوج، هنا قد نعجب ! هنا قد نستنكر ! هنا قد نبحث عن تفسيرات وتحليلات !

من منا لم يتابع الغارة الصهيونية على سجن أريحا الأسبوع الماضي؟ ومن منا لم يشعر بالغثيان وهو يسمع بلير رئيس الوزراء البريطاني وهو يعلن للعالم عن تفهمه لمشاعر الظلم واليأس التي يشعر بها الفلسطينيون! مؤكدا أن الغارة التي شنها الكيان الصهيوني على سجن أريحا بعد انسحاب المراقبين البريطانيين والأمريكيين لم تكن نتيجة مؤامرة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل..!! هذا هو رئيس وزراء بريطانيا الدولة التي ما فتئت تحتال لتبرئة ساحتها مما يجري على أرض فلسطين المحتلة منذ أكثر من نصف قرن من الزمان.

أما ما صرحت به رايس وزيرة الخارجية الأمريكية فقد جاء متناسبا تماما مع سياسة الحكومة الأمريكية حيث قالت: (إن دور الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اقتصر على إطلاع الأطراف وكما ينص الاتفاق الموقع عام 2002م) موضحة : (أنه لم يعد بالإمكان بقاء المراقبين في مواقعهم في السجن، وأنهم سيرحلون) ومضيفة :(أنهم سلموا السلطة الفلسطينية رسالة مفادها أنه لم يعد بإمكانهم أن يتحملوا الوضع أكثر).!
إن ما ظهر لنا أنهم أطلعوا السلطة الفلسطينية على نيتهم الانسحاب دون تحديد للوقت، في حين أن الاتفاق على الوقت كان قد تم بين الدولتين والكيان الصهيوني بدليل أن جيش الكيان الصهيوني حاصر سجن أريحا قبل مغادرة المراقبين البريطانيين، إضافة إلى أن تصريح موفاز الذي أدلى به أثناء الغارة عبر راديو جيش إسرائيل أكد فيه هذا التواطؤ معلنا ومؤكدا على وجود تنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قبل تنفيذ العملية، وهو ما يفسر اختفاء المراقبين السريع من الموقع..

إن الرسائل التي وصلت للسلطة الفلسطينية لم تشر مطلقا للموعد المقرر لسحب المراقبين، هذا ما كشفه تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي أشار إلى أنه تلقى رسالتين من القنصلين الأمريكي والبريطاني تضمنتا رغبتهما في قيام السلطة بإجراء اتفاق جديد مع حكومة الكيان الصهيوني فيما يتعلق بسجن أريحا،كما طالبتا بمزيد من الترتيبات الأمنية القاضية بحماية مراقبيهما، وبينتا أنه في حالة عدم قيام السلطة بهذه الإجراءات فستسحبا المراقبين، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى علمنا عن امتناع القنصليتين عن دراسة اقتراح وصل لهما من قبل رئيس السلطة الفلسطينية ردا على طلبهما ذاك، يتضمن نقل سعدات ورفاقه من أريحا إلى رام الله، ليتحمل رئيس السلطة شخصيا مسؤوليتهم..!

على أية حالة لم يكن مستغربا هذا التصرف من دولتين تمرستا على ذلك، والأمة الإسلامية والعربية لم ولن تنسى ما حدث في عام 1948، وما قبلها، فضلوع حكومة الانتداب البريطاني لتمكين الصهاينة من أرض فلسطين لا شك فيه ولا يخفى على أحد منا، والاتفاق الذي تم بين حكومة الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية على استلام زمام الأمر الداخلي والخارجي في فلسطين لا يحتمل الشك، فقد أعلنت بريطانيا موعد انسحابها من فلسطين بيوم 15/مايو /1948م، وقبل ذلك الموعد بأشهر وبالتحديد في شهر فبراير من ذلك العام قامت بالانسحاب من المناطق اليهودية، مع حرصها على تقديم الدعم لليهود لكل ما من شأنه تدعيم تطلعات هؤلاء، فقدمت لهم الأسلحة والذخائر والمعدات الحربية المتطورة، كما تغاضت عن أفواج المتطوعين البريطانيين اليهود القادمين للمساندة، وفي الوقت نفسه استمرت تمارس سلطاتها على كل المناطق العربية الصرفة بدكتاتورية، فقواتها بقيت على حالها من التدخل العسكري والإداري لمنع العرب من الدفاع عن أنفسهم، ولنزع كل ما كان لديهم من أسلحة، والمنع من تسليحهم، أو مساندة العرب لهم، لقد كانت تمهد الطريق لأولئك وتحفر لهؤلاء..

لقد وقف الانتداب البريطاني من مجازر العصابات اليهودية ضد العرب كما وقف بالأمس القريب من غارة الكيان الصهيوني على سجن أريحا، هذه الحكومة البريطانية أفسحت بالأمس كما اليوم المجال للعصابات الصهيونية لتنفيذ كل المحرمات الدولية، ثم تابعت الأحداث عن بعد دون أي اهتمام.ألم تتم مذبحة دير ياسين في عهدها، هذه المذبحة التي انتهت بقتل اليهود لأهلها العرب عن بكرة أبيهم ومثلوا بجثثهم، ونكلوا بالشيوخ والأطفال والنساء ونسفوا البيوت على رؤوس سكانها،ألم يتابع ذلك الانتداب تجريد من بقي حيا من ثيابهم وسلخ أجسادهم بالسياط، ألم يركبوهم الحافلات المكشوفة التي سارت في شوارع المناطق اليهودية إمعانا في إذلالهم، هذه المجزرة أنموذج لما حدث لعرب فلسطين إبان الانتداب البريطاني، و بالذات قبيل انسحابه..!
كما أننا لم ولن نستنكر المواقف الأمريكية المساندة للحكومة البريطانية وللكيان الصهيوني سواء الحالية أم الآتية، ألم تكن الدولة الأولى التي اعترفت بالاحتلال الصهيوني، ألم تؤيد وتساند وعد بلفور والخاص بدعم الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين!
الواقع أن الذهول سيصيبنا لو كان موقف هاتين الدولتين مغايرا لما أبدتاه من عدم المبالاة، أو كانت تبريراتهما مقنعة، أو لو أنهما أصدرتا استنكارا شديد اللهجة لتصرف الكيان الصهيوني الأهوج، هنا قد نعجب ! هنا قد نستنكر ! هنا قد نبحث عن تفسيرات وتحليلات!
ولهاتين الدولتين وحلفائهما أقدم على طبق من فضة قول القائل الذي جاء فيه: (إنك قد تضلل بعض الناس كل الوقت، وقد تضلل كل الناس بعض الوقت، لكنك لن تتوصل إلى تضليل كل الناس كل الوقت).
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط