اطبع هذه الصفحة


لنتوقف عن محاربة أنفسنا ونتفرغ للعمل

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
وا عجباه!. فالنشاط الإنساني محرم إذا كان مصدره إسلامياً. وأكثر حرمة لو كان حاملاً الجواز السعودي. هذا التحريم لا تقننه علاقته بالإرهاب والعنف من عدمها، فقد طالبت هذه الحملة بالمضحك المبكي...

أتذكر دوما عندما أبدأ بالكتابة إليكم، نصيحة رجل أعتز بعقله، جاء فيها: (اكتبي ما ترينه مناسباً ما دام كلامك موثقاً)، عبارة على قصرها نزلت عليّ كالبلسم الشافي، والله الحمد.
أعتقد أنها الزاد الذي أتكئ عليه دوماً بعد الله، على أية حال ما سأقوله قد قيل من قبل، وقد يقال من بعد، ولكن ما الحيلة، فالجرح مازال ينزف، ونحن ما زلنا نكابر أو نحاول أن نكابر، فبدل من أن نوحد جبهاتنا كل في موقعه، ونحفز همم أبنائنا وبناتنا للعمل، يحارب بعضنا بعضا، نفرق شملنا، ونتفنن في ذلك، وكأننا في ميدان سباق نحن فيه الخصم والحكم.

لا أعرف إن كان سيتوقف أحدكم هنا، ولا أدري إن كان سيصل معي للمراد، ولكني أدرك أن الواجب تجاه ديني ووطني يحتم عليّ أن أحاول، وأستمر في المحاولة، فقد يعمد بعضنا مع الأسف للتقليل من خطورة الموروثات الثقافية المعادية للفكر الإسلامي على عمومه، كما سنجد أن من بيننا من يعتقد أن كره الغرب للفكر الإسلامي نابع من كارثة 11 سبتمبر، أو نابع من امتلاكنا لعصب الاقتصاد العالمي أو... أو، لكن الحقائق تلمح لغير ذلك من أسباب، أسباب مع استحالة تعميمها على المجتمع الغربي، إلاّ أن ذلك لا ينفي وجودها ومحاولتها التأثير على القرارات السياسية لقادة الغرب. ولا أدل على ذلك من تصريحات أدلى بها أحد الرموز الغربية، "نيكسون" رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، فبعد أن غادر البيت الأبيض، توجه لزيارة الاتحاد السوفيتي الشيوعي آنذاك، وعلى أرضه خاطب الجموع محاولاً استمالتهم للفكر الغربي، بقوله: "بالإمكان التعايش بين نظامي الحضارة الغربية الشيوعية والرأسمالية، ويمكن تجاوز ظروف العداء بينهما، بناء على حقيقة أن النظامين نتاج حضارة واحدة وثقافة واحدة، وأن العداء الحقيقي هو الكائن بين الغرب والإسلام"، وعلى إثر تفكك الاتحاد السوفيتي، وانتصار العالم الغربي الحر!، كما وعى الناس تصريح الأمين العام للحلف الأطلسي، والذي جاء فيه: "بعد انهيار الشيوعية أصبح العدو الظاهر للغرب هو الإسلام"، وكشفت تصريحات لمسؤولين في قسم الاستخبارات في حلف الأطلسي، أن "افتراض عداوة الإسلام كان دائماً عنصراً غير غائب في استراتيجية الحلف...".
هذه الوقائع نقلها إلينا الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين في تقديمه لكتاب الدكتور محمد بن عبدالله السلومي، المعنون بـ"القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب" كما أكد أن العامل الأهم في هذه العداوة عامل ثقافي، والقضية لا تقف عند كره أو حب بل على امتلاك الخصم القدرة على المواجهة الفكرية، وهنا تكمن المشكلة، فالثقة بمفرداتهم الروحية ضعيفة إذا ما قورنت بمعطيات الدين الإسلامي، وبالتالي فالثقة في صمودهم أمام أي مجابهة فكرية تكاد تكون معدومة، فالتجارب التاريخية كما يقول الشيخ صالح لا تشجعهم على مثل هذه الثقة.
وفي الأسبوع المنصرم تابعنا الحملة التي حمل لواءها السناتور الأمريكي الجنسية الصهيوني التوجه تشارلز شومير على المملكة العربية السعودية، بغية إعادة فتح ملف تم إغلاقه كما يبدو لعدم توفر الأدلة.

والملف الذي يراد فتحه مجددا أطلق شومير عليه (التمويل السعودي لجمعيات إسلامية متطرفة)، إذ لم ينل تقرير قدمه مكتب المحاسبة الأمريكي، للكونجرس، رضا شومير وحزبه، فقد وصف دور المملكة في مكافحة الإرهاب الدولي بالإيجابي، في حين لاحظ عليها أموراً - نجدها نحن كسعوديين من المسلمات التي لا نتطلع لغيرها - فقد ذكر أن المملكة العربية السعودية لا تشارك الولايات المتحدة في تعريف التطرف، كما أنها متمسكة بدعم الجماعات الإسلامية التي تعمل في الدعوة وفي الأنشطة الإنسانية، والتي لا علاقة لها بالإرهاب!، كما طالب الحكومة الأمريكية بمعاقبة السعودية على موقفها السياسي من الكيان الصهيوني!.
وا عجباه!. فالنشاط الإنساني محرم إذا كان مصدره إسلامياً. وأكثر حرمة لو كان حاملاً الجواز السعودي. هذا التحريم لا تقننه علاقته بالإرهاب والعنف من عدمها، فقد طالبت هذه الحملة بالمضحك المبكي، طالبت أن نصم آذاننا ونخدر مشاعرنا، ونمتنع عن مد يد العون لمن جاءنا يطلب الدواء والطعام والخيام، هذه الحملة الأمريكية تتحرك بكل الاتجاهات في محاولة بدت يائسة لإيقاف الدعم السعودي للمنظمات الإسلامية حتى ولو لم يكن لها صلة بالعنف والإرهاب، حتى ولو كانت السياسة آخر أولوياتها، هذه الحملة تعتقد وتحاول أن تعمم الفكرة القائلة "إن كل منظمة إسلامية متطرفة"، وللسناتور تشارلز شومير أقول: إن الدائرة التي تحاول أن تسير داخلها مفرغة!، فجهودك العظيمة حبذا لو توفرها لرعاية سكان نيويورك التي أنت تمثل أهلها في مجلس الشيوخ، أم إنك تمثل مصالح الكيان الصهيوني فيه؟!.

وهنا سأتوقف معكم عند بعض ما قاله بودهورتز (أحد المؤسسين لشبكة المحافظين الجدد في أمريكا)، لما لقوله من ارتباط بهذا التوجه العدواني لكل ما هو إسلامي وسعودي وعربي، فقد قال: "إن الأنظمة التي تستحق أن تقلع من جذورها ويجب أن تستبدل ليست محصورة بدول الشر العراق وإيران وكوريا الشمالية، على الأقل يجب أن يوسع المحور ليشمل سوريا ولبنان وليبيا، إضافة إلى بعض أصدقاء أمريكا مثل العائلة الحاكمة في السعودية وحتى حسني مبارك رئيس جمهورية مصر، إضافة إلى السلطة الفلسطينية سواء كان يحكمها عرفات أم أحد أتباعه. لا ينكر أحد أن البديل عن هذه الأنظمة ربما يكون أسوأ، وعدم أخذ الاحتمال بعين الاعتبار يعد من أبعد درجات السذاجة. هناك سياسة يمكن أن تسبق تلك العمليات، شريطة أن تملك الولايات المتحدة الإرادة لخوض الحرب العالمية الرابعة!، الحرب ضد الإسلام، وفرض ثقافة سياسية جديدة على الأطراف المهزومة". هذا ما نقله إلينا مايكل كزلينز بايبر في كتابه (كهنة الحرب الكبار) وبعد هذا وذاك لا أدري من أين يتأتى للبعض إنكار النية المبيتة ضدنا، كدين إسلامي وكوطن سعودي بشكل خاص، وكأمة إسلامية عربية بشكل عام؟.

وهنا يستحضرني قول الكاتب البريطاني روبرت فيسك: "نعرف جميعاً خطر التعصب الإسلامي، لكن أكبر تهديد للحرية في أمريكا قد يأتي من أنواع أخرى من الأصولية، كالأصولية اليهودية، واليمين المسيحي المتصهين"، فالخطر الذي على أمريكا الحذر منه الأصولية اليهودية، واليمين المسيحي المتصهين، واللذان ترعرعا بين يديها وشب طوقهما في أحضانها.

رائع أن يخترق هذا الصوت الحدود. رائع أن تصل أفكاره لأبعد مدى، والأروع أن نتدبر أقوالهم، ثم نحاول أن نفهم، والأكثر روعة أن نتوقف عن محاربة أنفسنا ونتفرغ للعمل.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط