اطبع هذه الصفحة


أرض يسودها السلام..أم غارقة في الدماء؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
فليبق العراق دون إعمار وليبق الوجود الأمريكي كمحتل في العراق، ولا أعرف هل سيبقى لبنان أيضا دون أعمار، ويبقي جيش بقيادة أمريكية في خاصرة لبنان كما هو في خاصرة العراق، وبحجة القضاء على الإرهاب

منذ ما يزيد عن سبعين عاماً كتب الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله، لرئيس الولايات المتحدة "روزفلت" فكان مما قال: ( إن مطامع اليهود ليست فلسطين وحدها، فإن ما أعدوه من العدد يدل على أنهم يبيتون العدوان على ما جاورها من البلدان العربية).. وكأني به يقولها بالأمس القريب، فأطماع هؤلاء لا تحدها حدود فلسطين ولا حدود ما حولها، فهي وكما تزعم (دولة بلا حدود) وستبقى كذلك حتى تتحقق المعادلة الصعبة بوجود (إسرائيل الكبرى)، ولأن ذلك محال في الوقت الحاضر فمعطيات الواقع على الأرض، تنبئ بأن العرب والمسلمين ما زالوا متمسكين بالتراب تمسكهم بنقاء العرض، وبالتالي فترسيم حدود ذلك الكيان مؤجل إلى أجل غير مسمى.

والغريب في هذا الشأن أن مؤتمر "هرتزيليا الرابع" الذي انعقد عام 2003م، والذي خرج بتوصيات فاضحة لسياسات هذا الكيان ،كان منها ما ذكره "إيهود أولمرت" نائب رئيس الوزراء - آنذاك - ما يلي: ( أود أن أتحدث.. حول استعمال بعض المفردات، فمن الصعب جدا تبني استخدام مفردات عاطفية - !!- فاستعمال عبارة "دولة إسرائيل الكبرى" لم يعد مناسباً الآن -!!-.. يجب أن نكون واقعيين، وفي الظروف الحالية يجب الامتناع عن بعض الأمور)! لقد أكد على كون مصطلح "دولة إسرائيل الكبرى" من المفردات العاطفية التي تلامس عواطفهم كصهاينة، وأنه مع ذلك لم يعد مناسباً في الوقت الحالي، وأن احتمال مناسبتها للأوضاع غدا وارد ومتحقق، فأولمرت لم يقل إن استخدامها لم يعد مناسبا على الإطلاق، بل حدد ذلك بالوقت الحالي، ثم أعاد توضيح فكرته مرة أخرى فأشار إلى أن عليهم أن يكونوا واقعيين فيمتنعوا في الوقت الحالي - فقط - عن بعض الأمور..

الصهاينة خائفون لا شك في ذلك، خوفهم من الموت، وخوفهم من الهزيمة ولو الأدبية أمر واقع لا مراء فيه ولا جدال، خوفهم هذا يجعلهم يتحركون بمحاذاة دائرة مغلقة لا قرار لها، فالكوابيس تقض مضاجعهم والمسكنات لا تفي بالغرض، والموت يطرق أبوابهم دون طارق، والرعب متحقق اعترفوا أم لم يفعلوا، أما الخوف على نصف يهود العالم الذين استوطنوا الأرض المحتلة فحقيقة أكبر من أن تغيب بأي حال من الأحوال، هم لا يريدون أن يعيشوا بيننا بل يريدون أن يعيشوا على أرضنا، عندها سيقولون للعالم إن أرضنا كانت أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض..!!

(هناك حقيقة يجب عدم تجاهلها وهي أن الجنرالات السياسيين يعنون تماما ما يقولون حين يتحدثون عن "الجزء الثاني من 1948م" ربما يعتقدون بأنه في ظل الظروف المناسبة المتمثلة في التصعيد الإقليمي يكون تنفيذنا خيار الترحيل، أي التهجير الجماعي للسكان..) هذا ما أكدته الكاتبة الإسرائيلية "تانيا راينهارت" بل أضافت أن (الطريقة الوحيدة لجعل هذا الترحيل ممكنا هي القيام به تحت مظلة حرب إقليمية شاملة، وتشير بعض الدلائل حاليا إلى أن إسرائيل قد استعدت لمثل هذه الحرب، وتنتظر موافقة الولايات المتحدة عليها)!! والموافقة حصلت عليها مؤخرا بامتياز!!

كما أشارت الكاتبة نفسها إلى أنه منذ: (صيف 2001م نوقشت بصراحة في وسائل الإعلام الإسرائيلية خطط مهاجمة سوريا تحت غطاء حرب أمريكية على العراق، ومن ذلك ما نشرته "هآرتس" في 9 يوليو، عام 2002م، من أن ضابطاً رفيع المستوى من مركز القيادة العامة، يراقب دمشق، قال إن سوريا وحلفاءها يحاولون إيقاع إسرائيل في "كمين استراتيجي" وعلى إسرائيل أن تتفادى هذا الأمر عبر نصب كمين من صنعها، في شروط تناسبها، يمكن خلق مثل هذه الشروط أثناء أو قبيل نهاية هجوم أمريكي على العراق)!! من فمك ندينك يا صهيون..ألم ينصب كميناً في شروط ظنها مناسبة له، كمين انقلب على رأسه، وسيبقى هذا حاله ما دام هذا الكيان يحارب شعوباً دفعت الكثير وما زالت مستعدة للمزيد في سبيل تحرير الأرض والماء وحتى الهواء.

بل إن عدم إعادة إعمار الولايات المتحدة للعراق لم يكن بسبب العمليات الإرهابية كما تزعم أمريكا وحلفاؤها، بل من المرجح أن السبب خلف هذا التباطؤ رغبة صهيونية مبيتة وضحت على لسان الجنرال "شاؤول موفاز" وزير الدفاع السابق للكيان الصهيوني، والذي قال في مؤتمر هرتزيليا الرابع: (لا بد أن نذكر أن إعادة إعمار العراق ونهاية الاحتلال الأمريكي في المنطقة قد يؤديان إلى تقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة، ونفوذها هذا هام لنا لأنه يجعل بعض المجموعات أقل تطرفا، ووضع كهذا قد تكون له تلميحات على قدرة "إسرائيل " الردعية.) فلتبق العراق دون إعمار وليبق الوجود الأمريكي كمحتل في العراق، ولا أعرف هل سيبقى لبنان أيضا دون إعمار، ويبقي جيش بقيادة أمريكية في خاصرة لبنان كما هو في خاصرة العراق، وبحجة القضاء على الإرهاب..

وهنا تحضرني عبارة جاءت على لسان الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، عبارة يفترض أنها وصلت لأصحابها منذ زمن بعيد، إذ نقلها الكولونيل "وليم إدي " سفير الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية عام 1945م، فقد جاء على لسانه يرحمه الله: (على أمريكا وبريطانيا الاختيار بين أرض عربية وعالم عربي يسودهما السلام والهدوء، وأرض يهودية غارقة في الدم).. أرض يسودها السلام أم أرض غارقة في الدماء.. والخيار ليس لنا بل للعالم بأسره بعد الله..

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط