اطبع هذه الصفحة


أوضاع وجودها متحقق وتعميمها منعدم

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
ليتنا نسعى لجمع الكلمة، ونترك من لن يفضلنا على مصالحه الخاصة المقدمة لديه، حتى على مصالح حلفائه، فمن السذاجة التقرب إليه وإفساح المجال له لمحاربتنا بأيدي من ترعرع في أحضاننا...

هناك أمور لا أستطيع السكوت عنها فضلا عن إخفائها، ومنها انتمائي وحبي لهذا الدين ثم هذا الوطن حكومة وشعبا، فاعتقادي بأننا متميزون -بشكل عام- يرجع لكلمة التوحيد التي اختيرت لتكون شعار بلادي، ولذلك الدستور الإلهي الذي أعيش بظله، ثم لأولئك الرجال الذين عاهدوا على تطبيق دينه سبحانه وشريعته، حالة عامة أعيشها على هذه الأرض وأجد نفسي قد استكانت لها وفيها.. وأدعو المولى سبحانه أن تنتهي حياتي وأنا في هذا الحوض المستكين.
ومع ذلك فلست أدعي الكمال- إلا لدين الله - إذ يرد منا الخطأ والنسيان كغيرنا من البشر، ويرد علينا التعصب الأعمى الذي ينسينا كلمة الله ودينه فنقع في المحظور، بل قد ندافع عنه بكل ما أوتينا من صلابة رأي، ونجند له البلاغة كلها إذا استطعنا، وهنا لن تكون غايتنا الوصول للحق بل لنصرة رأي ألفناه واعتدنا عليه، ولا بأس في سعينا سعيا حثيثا للبحث عن فتوى تنتصر لذاك الرأي، ولا بأس من التغاضي عن حقوق غيرنا وواجباتنا تجاه هذا الغير. أوضاع اجتماعية يحاول بعضنا تمكينها، سواء وجدت لأصلها نصا شرعيا داعما أم لم تجد. فالأمر سيان، فلا عبرة بالنص الشرعي من عدمه. التقاليد هي الحاكمة في أحوالنا، هذه الأحوال الاجتماعية البائسة لا يمكن أن ننكرها، ولكننا أيضا لا يمكن أن نعممها، فوجودها متحقق ولكن تعميمها منعدم، ولله الحمد والمنة.

كما نجد بعضنا قد تعصب لكل ما هو مخالف، بل حتى لما هو معلوم بالضرورة، فهو الرافض لكل موروث ولو كان ذا أصل شرعي، بل ولو كان الإجماع إطاره العام، فتجده يتضاحك بسخرية الجاهل لعظمة دين الله، وهو الذي تربى في كنفه، ويفترض أنه مدرك لسموه وتفرده، المدافع عنه، بل هناك من لا يجد في تطاوله على علماء أفاضل حرجاً، ويصر على ذلك ويتمادى فيه، وبلغة لا تصل إلا للقدح المذموم، ويتناسى أن العلماء هم ورثة الأنبياء وأن القدح فيهم محرم شرعا، خاصة ممن أجمع منهم على علمه وصلاحه.

وبما أني لا أفهم هؤلاء وهؤلاء، أتساءل: هل سأفيق يوما لأجد حال هذا البعض قد تغير؟ هل ستتوقف نصرتنا للرأي دون دليل شرعي؟. وهل سنحترم كبيرنا ونجله كما هو لائق به وبنا؟. وهل سنحفظ له حقه من الاحترام والتقدير؟. وهل سنثق بعلمائنا ونفوض أمر ديننا لهم، فهم أهل الفتوى والأقدر عليها؟. وهل سنسمع منهم ونسمعهم تاركين الرأي الأخير لهم؟. ثم هل سنتذكر أن مآلنا إلى ما تحت الثرى؟. حيث لا رفيق مؤنسا ولا نسيب، وأن ذلك الزائر قادم لا محال، وأن قدومه عادة يكون دون إنذار مسبق، وأنه لم يعتد استئذان أمثالنا، وأنه مأمور لا يملك إلا طاعة مولاه ومولانا، وأن وحشته ستلاقي أرواحنا وأجسادنا شئنا أم أبينا، إلا من رحم ربي.

ولأني لا أفهم هؤلاء وهؤلاء أتساءل أيضا: هل سيملك أبناؤنا القوة لقول الحق أم إن الرياء سمة عصرنا وعصرهم؟ وهل تمكن الرياء من وجداننا ليصبح اللغة المفهومة والمقبولة لفئة لا يستهان بها في مجتمعنا؟ وهل الحب والولاء حروف تسطر، وكلام يقال؟ أم جوهر متمكن في الصدور يظهر في الأفعال قبل الأقوال؟ ثم هل سيقاوم أبناؤنا تلك الجلود التي تتبدل كجلود الأفاعي بتبدل الفصول؟ أم سيختارون البعد عن الجحور؟ ثم هل سيملكون الدهاء للقضاء على سمومها؟ أم إنها ستتمكن منهم فتقضي عليهم؟ ثم هل سنجد في جعبتنا من الإجابات ما يريح نفوسهم، التي ما تفتأ تتساءل عن الأخلاق والكمال الإنساني، وعن أسباب هذا التناقض الذي جد في قلب الموازين؟ أم سنستسلم ونرفع الراية، ونخضع لتيار لا يقبل إلا هلاكنا وهلاك قيمنا؟ وهل سنكف عن جلد الذات ونكتفي بمحاسبة أنفسنا؟ وهل سنفعل ذلك قبل تطلعنا لمحاسبة من حولنا؟ وهل سيستوعب كل منا ظله الذي يلازمه أم إن ذلك من المحال؟.

ويا ليتنا نتوقف ونتدبر المثل القائل (العاقل من اتعظ بغيره..) ثم ننظر من حولنا، إذ سنجد الفرقة الداخلية هي سياسة ذاك الدخيل وحلفائه، الذي أدرك أن الفرقة إذا اتسع نطاقها في قوم فلن تخلف خلفها إلا هلاكهم، ليتنا نسعى لجمع الكلمة، ونترك من لن يفضلنا على مصالحه الخاصة المقدمة لديه، حتى على مصالح حلفائه، فمن السذاجة التقرب إليه، وإفساح المجال له لمحاربتنا بأيدي من ترعرع في أحضاننا، فالقوة في الاتحاد لا في الفرقة، أما خلافاتنا - إن وجدت - فعلاجها يكمن خلف الأبواب لا على الملأ، ثم إن صمتنا قد يكون حكمة وتفكرا، والجهر قد يكون قاعا مظلما لا قرار له.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط