اطبع هذه الصفحة


توجيهات من أجل حوار بين المسلمين والمسيحيين

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
إذا كان ما قاله البابا عن الإسلام عن علم منه بخطئه وافترائه فجريمة يحاسب عليها لا محالة، وإن كان عن جهل منه بديننا أو حتى بقرارات الفاتيكان السالفة فيفترض أن يعزل من منصبه...


استكمالاً لحديثي مع رأس الفاتيكان والقائم عليها البابا بنديكت السادس عشر الذي قام مؤخراً بتطاول سافر على ديننا وعلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، من خلال محاضرة له ألقاها في إحدى جامعات ألمانيا، والتي عمد بعدها لتوجيه عدد من العبارات المموهة بأسف غائب للعالم الذي اعتقد أنه يفتقد الإدراك السليم والوعي الراجح لأقوال اختصها باهتمامه فوجه بتدوينها مبتورة، ومن ثم قرأها ليسمعها العالم بأسره لا الحشد الأكاديمي الذي تزاحم ليتلقى عن رأس الفاتيكان العلم والحكمة!، حشد وجد نفسه أمام رجل تحركه مكامن نفسه كصقر من صقور الفاتيكان، رجل استعذب نقل كلام كاره حاقد لدين الإسلام عقيدة وشريعة، وله ولمن دافع عنه وصفق له، أذكر موقفاً للفاتيكان مناقضاً لموقفه الحالي والممثل برأسه، البابا بنديكت السادس عشر.
فعقب "مجمع الفاتيكان الثاني" الذي استمر بضع سنوات، ما بين عام 1962إلى عام 1965، أصدرت "أمانة سر الفاتيكان لشؤون غير المسيحيين" كتاباً باللغتين الفرنسية والإنجليزية، تحت عنوان "توجيهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين"، والملاحظ على هذا المصنف أن غالبية الفئة المستهدفة فيه يمكن تحديدها بالمسيحيين، ففي طبعته الفرنسية سنة 1970 م وفي الصفحتين 17 و18 منها وجه المسيحيين لتحديد أولوياتهم في هذا المجال، فأشار أن عليهم أولاً: (تغيير عقلية إخواننا المسيحيين... ومفاهيمهم عن الإسلام والمسلمين، والقائمة على الصور البالية الموروثة من الماضي والمشوهة بالأحكام المغرضة والافتراءات والبهتان على الإسلام).

والملاحظ هنا أن البابا بنديكت السادس عشر في تلك الفترة التي أخرج فيها هذا الكتاب عن سر الفاتيكان لم يكن إلا فرداً تابعاً له، يستوجب عليه ما يستوجب على غيره من الطاعة التامة لقراراتها، ولكن الأيام الماضية القريبة قدمت لنا مثالاً رائعاً لذلك المؤمن الكاثوليكي المطيع لمرجعياته الدينية، فها هو بعد أن أصبح رأس الكاثوليك ينقض قرارات أسلافه وينقل بنفسه عن سبق الإصرار والترصد صوراً بالية موروثة ومشوهة بأحكام مغرضة وافتراءات وبهتان على الإسلام عقيدة وشريعة!.

ويطيب لي هنا أن أنقل للقارئ الكريم بعض ما جاء في هذا الكتاب ليطيب خاطره ولتهنأ نفسه، فالله غالب على أمره، فلقد جاء في صفحته الواحدة والعشرين، ما يلي: (إن الإسلام يمكنه أن يساعدنا مثلا على تنقية إيماننا وتصفيته من عقيدة التشبيه، التي أبهمت علينا سر العظمة الإلهية، كما أننا يمكننا أن نكتسب من الإسلام إيمانا أكثر حيوية وقوة عن وجود الله الملازم لنا في حياتنا، وأن نحيي فينا معنى العبادة لله والاستسلام للإرادة الإلهية).. ولا شك أن هذه العبارات المنصفة عن سمو وتميز عقيدة الألوهية في الإسلام، تنقلنا دون تريث إلى التناقض الذي جاء به البابا بنديكت السادس عشر في هذا الشأن، فقد قرر في المحاضرة المعنية نفسها أنها عقيدة تناقض العقل، فإن فعل ذلك عن علم منه بخطئه وافترائه فجريمة يحاسب عليها لا محالة، وإن فعله عن جهل منه بديننا أو حتى بقرارات الفاتيكان السالفة فيفترض أن يعزل من منصبه إن كان ذلك ممكناً، إذ كيف له أن يكون على رأس الفاتيكان وهو أول العاصين لقراراتها؟، كيف يكون على رأس الفاتيكان وهو جاهل بدين يعتنقه حالياً أكثر من مليار مسلم؟.

إن ذلك الكتاب الذي صدر عن أمانة سر الفاتيكان، والمعنون بـ"توجيهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين" عرف الدين الإسلامي بقوله: (يجب أن نرى في الإسلام أنه دين مشحون بأعظم القيم سمواً واحتراماً، وهي عبادة الله، والثناء على عظمته، والخضوع لإرادته)، الإسلام جمع بين تعاليمه أعظم القيم سمواً واحتراما بشهادة الفاتيكان، وصف غاب تماماً.. أم غُيّب تماماً عن ذهن البابا بنديكت السادس عشر في محاضرته تلك؟!، ومن باب الأمانة يفترض أن أوجه شكرا خاصا لـ(مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) الذي وصلني منه صورة لمقال نشر في مجلة المجتمع، أعده الدكتور معروف الدواليبي تحت عنوان (وحدانية الله في الإسلام والمسيحية)، وذلك ضمن بعض الوثائق سبق أن تقدمت بطلبها، وهو المقال الذي حرك قلمي بما أنا بصدده هنا.

وإن كنت أميل لتزويد القارئ بما وقفت عليه في هذا الشأن من خلال اطلاعي على كتاب للمستشار محمد عزت الطهطاوي والذي جاء فيه: (لقد ظهر كتيب من سكرتارية الفاتيكان لغير المسيحيين، في عام 1967م تعلن فيه صراحة أن الفكرة التي كانوا يعلنونها عن الإسلام مشوهة وغير صحيحة، وأنهم أخذوا في تصحيح كثير من المفاهيم عنه في الوقت الحاضر، إذ اهتموا بما يلي:
نفي التعصب عن الإسلام، أو أنه انتشر بالسيف، أو أنه لا يحترم المرأة، ويعمدون لبيان الوجه الصحيح في كل هذه القضايا.
يتحدثون بدقة عن معنى الجهاد الإسلامي.
يعلنون أن الله الواحد الذي يعبده المسلمون، هو خالق السماوات والأرض، الذي يعبده المسيحيون).
وأود هنا الإشارة إلى أن هذه السطور التي استنبطها محمد عزت الطهطاوي كما أشار في هامش كتابه أخذت من مجلة (المسلمون)، هامش كهذا أثار في نفسي الحنين لصحيفة (المسلمون) السعودية التي غيبت عنا منذ سنوات، والتي أتطلع لإقبالها علينا مجدداً.
على أية حال ما نقلت لكم ما نقلت إلاّ لأني أفضل أن يأتي الرد على افتراءات البابا بنديكت السادس عشر على الإسلام كعقيدة وشريعة، ممن يوازيه مكانة في ديانته ومذهبه، فهو الرد - كما أرى - الذي سيكون أوقع عليه وعلى صدقه من أتباعه.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط