اطبع هذه الصفحة


الإخوة الأعداء

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
كل ما آمل من القائمين على المؤسسات البحثية في بلادنا أن يوجهوا أبحاثهم لدراسة غيرنا ودراسة أنفسنا، لئلا نجد أبنائنا وأحفادنا قد تحولوا إلى الإخوة الأعداء..


رائع أن تستيقظ يوم العيد لتشارك في الفرحة مع الأهل والأصدقاء رائع أن تقضيه بين أهلك وعلى أرض بلادك، رائع ألا تشعر بالغربة في هذا اليوم، رائع أن تشعر أنك ما زلت كما كنت.. بل أشد ثباتا على مبادئ كنت وما زلت تعتقد أنها من المسلمات، والأروع أن تجد نفسك تمتلك القوة لتقول ما تؤمن به في محيط تدرك اختلافه معك..ومع هذا وذاك تعلم كما يعلم أن الاختلاف لا يعني الخصومة، وأن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يمكن أن يفرقنا، وأن التعصب كما هو حال التقولب لن يحققا المراد..

حال من السكون نعيشها في هذه البلاد الطيبة..فهل ستدوم ؟ وهل سنسعى لذلك ؟ أم أن ما هو ممكن اليوم هو غير ذلك غدا..؟! أسئلة تراودني وأنا أتابع ما حدث في العراق وفلسطين.. فقد كنت يوما أراهن على عدم مواجهة كل منهما لحرب أهليه، حرب تطلع لها البعض وخطط وسعى.. وها أنا أعترف أني بالغت في التمني، وأن ما كنت أراه ثابتا في القاع لا يعدو إلا سراباً سعيت كما سعى آخرون وراءه..لنواجه معا بأن خيبة الأمل لم ينطفئ لهيبها بعد.

ما زلت أذكر تعليقي على من ذكر أن بوادر الحرب الأهلية في العراق على الأبواب واضحة للعيان، لقد اتهمته بالسوداوية، وتمسكت بما آمنت به، وكيف لا أفعل ومعاناة الشعب العراقي لم توجه على يد صدام لفئة دون أخرى، ولا لطائفة دون غيرها، لقد اعتقدت كغيري أن عقوداً من الاضطهاد دامت على هذا الشعب كفيلة بتوحيد الصفوف وتحفيز الهمم نحو نفض احتلال تطلع بنهم لثروات أرض أغناها الله من فضله، وما زلت أذكر تعليقاً مماثلاً وجهته لمن قال إن هذه الحرب متحققة في فلسطين بعد فوز حماس في الانتخابات، عندها أجبت، أنها الانتخابات الأولى من نوعها في محيطنا العربي التي احترم، فمسألة الانتخابات لا تروق لي، وتجربتها في العالم سواء الغربي أو غيره - كما أؤمن - لم تحقق العدالة، إذ إن أصابع في الخفاء تحرك -على الأغلب- دفتها لصالح أفراد معدودين أفراد يملكون شراء الأصوات لخدمة مصالحهم، سواء الحزبية أو القبلية أو المادية، ولو قدر لك وتابعت أحدها فقد تعجب من قدرة من يملك المال على شراء الأصوات والذمم.. ولتظهر نتائجها في النهاية على أن ما بيع بثمن بخس هو رأي الأغلبية.

ولكني أتساءل ما الذي سأقوله لمن يحلو له تكرار أن هذه الحرب متحققة أيضا وبشكل أوسع على أرض لبنان، فتاريخ لبنان يتغنى بالحروب الأهلية، واللبنانيون اعتادوا سفك دماء أبنائهم..وهل سيسعفني الموقف الموحد للشعب اللبناني على اختلاف طوائفه الدينية وتوجهاته السياسية في الحرب الأخيرة.. بل على اختلافهم في رفضهم أو تأييدهم لهذه الحرب ابتداء، وهل سيسعفني إقبال رموزهم على اتفاق الطائف، وهل سيسعفني ما أراه فيهم من همم لا تزلزلها الحروب، ونفوس لا تقبل الانهزام، أم ما أراه هنا هو أيضا في حكم السراب، ثم هل العداء الواضح الذي حفز لرفع السلاح وقتل الأنفس في السودان وأفغانستان وغيرها من خصائص دول الشرق الأوسط والدول الإسلامية دون غيرها، أم أن أصابع خفيه تحرك دفة الأمور من وراء الكواليس في هذه البقاع دون غيرها، أم أني أغفلت ما يحدث في غيرها من الدول،من أوضاع لا تقل قتامة عما يحدث في محيطنا العربي والإسلامي، أم أن الحروب وسفك الدماء في هذا العالم هي القاعدة والسلام هو الاستثناء.؟!

أعترف بجهلي في تفسير هذه القضايا أو استيعابها، ولا أدري هل سيبقى في العمر بقية فأفهم ما لم أتمكن من فهمه ؟! فقد تعلمت كمسلمة أن للحرب آداباً، وأن الانتقام لم يكن يوما من مفرداته، وأن المصالح الشخصية ليست في قاموسه، وأن أهدافه أسمى وأعظم.. إما دفاعا عن الدين والوطن وإما دفاعا عن العرض والمال، لا أرض ولا مال تطلع بعضهم للاستيلاء عليهما، بل بهدف حمايتهما من غاصب محتل، ولا بهدف القضاء على المخالفين، فقد نظم ديني علاقتي بهم على اختلافهم معنا في المعتقد، ولم يرفض تعاملي معهم ولا علاقتي بهم، وفي الوقت نفسه لم يقبل ذوباني في محيطهم، ذوباناً أفقد معه خصائصي وانتمائي.. وكل ما آمل من القائمين على المؤسسات البحثية في بلادنا أن يوجهوا أبحاثهم لدراسة غيرنا ودراسة أنفسنا، لئلا نجد أبناءنا وأحفادنا قد تحولوا إلى الإخوة الأعداء..
اعذروني فقد اعتدت أن أتحدث معكم بصوتي الذي كثيرا ما أكبح جماحه، فما هو مسموح لي على هذه الصفحة غير متوفر في غيرها، ولا أدري إن كان هذا الكرم الحاتمي سيستمر أم أنه سيغير وجهته، ولا أعني أن ما أقول يستحق إعادة النظر، فما أقوله قد يفهم، إلا أنه بالكاد يحرك أو يتحرك، وما أراه جديراً بمشاركتكم قد يراه آخر مضيعة للوقت..إلا أني أشكركم فبين أيديكم يجد عقلي راحته وسكونه ولو لحين.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط