اطبع هذه الصفحة


تكييف المبادرة السعودية على القياس الصهيوني

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
هل سنقبل أن تشوه مبادرة 2002 للسلام، بتحفظات غير مدروسة العواقب يخطط لها عدو لا يفهم إلا لغة المصالح..عدو يتطلع لبترولنا وأسواقنا ومواردنا البشرية، ولأمن يتحرك من خلاله بحرية

الصحف مكتظة بالأخبار المفجعة، فهناك حرب عصابات وأخرى حرب كلامية، أما تلك فحرب تكتلات، أما ما نراه في قعر بيتنا فحرب جهال لا يفقهون من الأمر شيئا، حروب نستنشق غبارها شئنا أم أبينا، أردنا أم أريد لنا، هذا هو حالنا بالأمس واليوم، أما غدا فلا ندري ما سيكون عليه حال أبنائنا..!
ما زلت إلى اليوم أتابع بذاكرتي تلك المسيرات التي حدثت في لبنان إبان حرب 1967م، وتلك الهتافات التي لم يكن لها معنى لطفلة لم تتعلم بعد إمساك القلم، لقد أفزعها صراخهم أكثر مما أفزعتها قنابل صهيون التي أمطرت على لبنان بشكل متوال! ما زلت أذكر أجسادنا التي أقحمت في الأقبية، ما زلت أذكر النوافذ التي أظلمت بأمر حكومي..

إن القضية الفلسطينية هي القلب وما عداها يهون، وهذا هو الواقع مهما حاول بعضنا التملص بحجج واهية لا أساس لها، ومهما حاول آخر جلبنا لساحات أخرى دامية من جسدنا، فالداء والدواء لشرق أوسط مستقر يبدأ منها وإليها، وما دامت فلسطين محتلة وأهلها مشردين، فلا أمل لاستقرار سياسي أو اقتصادي أو حتى اجتماعي سواء في المنطقة الشرق أوسطية أو حتى في العالم، واقع علينا نحن وغيرنا التعامل معه بجدية ما دمنا جميعا راغبين في حياة أفضل لأبنائنا..
ولهذا استوقفني ما أعلنه رئيس وزراء الكيان الصهيوني "إيهود أولمرت" مؤخرا من استعداده إجراء اتصالات مع الدول العربية المؤيدة لخطة السلام العربية التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002م.، فقد صرح أمام ممثلين عن الصحف الإسرائيلية في فلسطين المحتلة: (سأجري بسرور اتصالات مع هذه الدول التي أيدت المبادرة السعودية، من أجل تعزيز موقع المعتدلين المؤيدين لحل النزاع بالتفاوض ليس بالعنف)

والحق أني بحاجة لمفسر لتبرير الذي أعلنه هنا إذ قال: (من أجل تعزيز موقع المعتدلين المؤيدين لحل النزاع بالتفاوض وليس بالعنف) فقد كان الأجدى له أن يقول لو كان يعنيه حقا تطبيق المبادرة العربية لعام 2002م: (من أجل تعزيز تطلعاتنا لسلام عادل وشامل لكلا الطرفين الفلسطيني والصهيوني).!
على أية حال علينا ألا نستبق الأحداث ولنترك المجال للأطراف العربية المعنية بهذا الحوار إقناع من لا يمكن إقناعه إلا بلغة المصالح التي لا يجب أن تنصب إلا في جعبته، فالعدالة لا تحمل في مفهومه كفتين، ولو كانت فلا يمكن لكفته إلا أن ترجح على ما دونها، فهي مصابة بالعمى لا ترى إلا الظلام، تتخبط هنا وهناك، وتدور حول نفسها.. لتبدأ دوما من حيث انتهت..

ولذلك الرجل الذي عاش معظم حياته في قفص طائر، لا تتعدى مساحته بضعة أمتار، أوجه سؤالي.. لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فيصل بن عبد العزيز العالم بخبايا الأمور، للسياسي المخضرم، الذي قضى جل حياته في خدمة السياسة الخارجية للوطن، للأمير الطائر حفظه الله، أقول.. هل هناك أمل أن نزور فلسطين ونصلي في الأقصى الشريف..؟ وإن كان ذلك ممكنا، فهل في القريب العاجل ؟ ثم هل سيعم السلام على الورق أم على الأرض وحول الحدود ؟ وهل ستعود الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى حدود (4) يونيو 1967م ؟ وهل سيعود اللاجئون وأولادهم مكرمين معززين لديارهم وأملاكهم ؟ وهل سيدرس العالم أبناءه تضاريس وحدود دولة فلسطين ؟ وهل سنقوم بفتح سفارة المملكة العربية السعودية في القدس الشريف؟ وهل ستنتعش غزة اقتصاديا بسبب انفتاح حدودها مع جيرانها ؟ وهل ستقفل المفاعلات النووية التي ضاقت بها أرض فلسطين المحتلة بسبب صهيون.. وأخيرا هل ستطبق مبادرة المملكة العربية السعودية للسلام عام 2002م كاملة ؟

ثم هل يتمتع بوش وأولمرت ببعد النظر، وسعة الأفق، وهل سيعترفان أننا الأكثر، وأن معدلات الإنجاب عند بني يعرب في ازدياد، وأن قضيتنا لم ولن تموت، وأننا باقون على عهدنا مع الأقصى، وأننا مع اختلافنا كعرب ومسلمين نبقى إخوة تجمعنا الملمات، وأن لا سبيل للحياة إلا بالسلام، وأن لا سلام إلا بقبول الرأي العربي، وأن ما هو مطروح في المبادرة العربية فيه كثير من التنازلات بالنسبة لنا، ولأننا نتمتع بالحكمة فلم نطلب المستحيل، وأن ما قدم على طاولة الجامعة العربية من مبادرة سعودية عام 2002م، نال القبول من الأطراف العربية وغير العربية وبالتالي اكتسبت المبادرة الشرعية المطلوبة لدعمها وتطبيقها، وأنها في واقعها ومضامينها تحقق غاية الأمل لبضعة ملايين من الصهاينة يتطلعون في أحلامهم للعيش في أمان نفسي لم يتذوقوا طعمه ولم يدركوا كنهه..
أم إن أقوال أولمرت وتصريحاته من باب اللعب بالبيضة والحجر، وإنها من قبيل ما أشارت إليه صحيفة "معاريف" الصهيونية من أن: (بوش طلب من أولمرت تلطيف تصريحاته بالنسبة للمبادرة العربية، وترك مجال لقبولها، من أجل إعداد الرأي العام وإعطاء فرصة للأمريكيين لتكييف المبادرة على قياس إسرائيل، موضحة أن أحد الخيارات التي تدرس هي قبول إسرائيل بالمبادرة مع تحفظات..).
ثم هل تلك التحفظات التي ستغير المبادرة لتتناسب والقياس الصهيوني، تعني نسف المبادرة من أساسها فلا يبقى منها إلا اسمها.. ومصدرها، وهل سنقبل أن تشوه مبادرة 2002 للسلام، بتحفظات غير مدروسة العواقب يخطط لها عدو لا يفهم إلا لغة المصالح..عدو يتطلع لبترولنا وأسواقنا ومواردنا البشرية، ولأمن يتحرك من خلاله بحرية، عدو مفتقد لكل ذلك، عدو يعلم أن العالم سئم من دوران حكوماته المتتالية حول نفسها.. فتارة باكية وتارة شاكية.. عدو يعلم أن العالم أدرك.. أنه كمن ضرب وبكى وسبق واشتكى..
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط