اطبع هذه الصفحة


هذا بؤس أبنائنا.. وذاك رغد عيشنا..!!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
يا ليتنا نقارن حالنا بالأمس بحالهم اليوم، ليتنا نفعل ذلك ونحن ننظر في اقتراحات ودراسات تتعلق بمالية البلاد العام المقبل وما يليها من أعوام.. وليتنا نحقق آمال خادم الحرمين الشريفين فينا وفي إداراتنا.. وليتنا نساير حرصه بحرص يوازيه

ما زلت أذكر ساعة تخرجي وما نالني من التدليل، ما زلت أذكر الاتصالات المتكررة من ديوان الخدمة المدنية، وخطابها الذي وصلني وأنا في حالة وضع، يعرض.. بل يطلب وبما يشبه الترجي الموافقة على انضمامي لسلك التعليم، وما زلت أذكر تأجيلي لهذا الخيار وإلى أجل غير مسمى، فقد كانت تطلعاتي آنذاك تنصب في اتجاه إكمال دراستي العليا.

كان هذا حالي وحال زميلاتي، نختار مما هو معروض أمامنا، ومما هو غير معروض، كانت الأبواب مشرعة تعمل على جذب المتخرجين والمتخرجات، المقبلين على العمل وغير المقبلين، وكانت الإغراءات والحوافز المادية كثيرة، ولم يكن الشاب الحاصل على الشهادة الجامعية آنذاك يأبه بما يسمى بالقطاع الخاص الذي- للأمانة- حاول جاهدا التميز أو مجاراة القطاع العام فلم يفلح، فقد كان ومع إفساح المجال أمامه للاستقدام وبدون أي شروط، يتطلع وبشغف للعمالة السعودية التي تتميز بانتمائها للمجتمع والأرض، ولم تكن الرواتب العالية التي تخصص لأصحاب المؤهلات البسيطة لتزيد من جاذبيته، فالإقبال عليه كان محدودا نسبيا، فالعمل في القطاع العام كان وما زال أضمن وأسلم لخريج التعليم الجامعي.

ومع توفير كل الضمانات المعنوية والمادية التي تطمئن المواطن العامل في القطاع العام، إلا أن ذلك لم يكن ليمنعه مطلقا من طلب المزيد، ولم يمنعه من الأخذ بعين الاعتبار الضرورة الملحة لأن يكون موقع العمل ضمن الحي الذي يقطن فيه !! وحبذا لو كان ملاصقا لجدار منزله!! وإن لم يكن ذلك متوفرا فلم يكن يتورع عن المطالبة بافتتاح مؤسسة حكومية تستوعب أبناء الحي بالجوار حتى لا يتحمل أحد منهم عناء التعامل مع المواصلات والوقوف عند الإشارات..!! هذا المسلسل من التدليل غير المبرر لم ينته بحصول خريج التعليم الجامعي على عمل يختاره ولا يفرض عليه، إذ ما أن تنقضي بضعة أشهر من عمله في القطاع العام حتى يستلم مكافأة مالية تصل لخمسين ألف ريال، نظير تنازله والعمل في القطاع العام..!! بل إن العاملين والعاملات في سلك التعليم كانوا ينالون مخصصات إجازتهم الصيفية كاملة - مقدما - وبالتحديد قبيل تمتعهم بإجازتهم السنوية والتي قد تصل لثلاثة أشهر..!! آمل ألا يكون هذا التدليل قد أفسدنا..!!
عفوا..لم أكتف بعد من التباهي بشباب عشته بكل أبعاده، إذ لا يمكن لي إلا أن أذكر هنا أن التعليم العالي في الجامعات والكليات الحكومية، لم يكن يوما يضيق بالمتهافتين عليه من خريجي وخريجات الثانوية ،بل إن معظم الأساتذة الأطباء والطبيبات المتميزين والمتميزات اليوم الذين نفخر بإنجازاتهم، كانوا من الحاصلين على درجات جيد جدا في الثانوية العامة!!

أما أنا فقد كنت فريدة زماني إذ حصلت في الثانوية العامة على نسبة لا تتعدى 88%، في حين حصلت من خلال المقابلة الشخصية قبيل انضمامي للتعليم الجامعي على تقدير ممتاز، والواقع أني أحمد المولى أني من زمن احتفى بي ودللني، زمن لم أخش فيه من الجهل، ولا من العنوسة، ولا من البطالة، ولا أدري ماذا سيكون حالي لو كنت ابنة اليوم بذاك التقدير الذي لم يعد يغني ولا يسمن من جوع؟! في زمن انتشر فيه الإحباط لطالب الثانوية، وللطالب الجامعي، وللحاصل على الشهادة الجامعية المقبل على الحياة العملية !! ففي كل الأحوال سيجد نفسه كمن قيل له (محلك سر) ففرص التعليم الجامعي والمهني لا تغطي احتياجات أبنائنا ولا نسبة محدودة منهم، ولو حالف أحدهم الحظ وأكمل دراسته الجامعية أو المهنية، فلن يجد مكانا يستقبل خدماته، فهو غير مؤهل عمليا للوظيفة، وسنوات شبابه التي قضاها متنقلا بين قاعات المحاضرات، مواصلا ليله بنهاره لا تكفي لتأهيله للحياة العملية التي تشترط الخبرة كأساس لتوظيف الطالب الجامعي أو المهني، ولو على فرض حالفه الحظ أيضا وتوظف فلن ينال مخصصات مالية تمكنه من تكوين أسرة، فالمقبل على جيبه أقل بكثير من المدبر.. والأسعار بشكل عام في تزايد.. هذا بؤس أبنائنا وذاك رغد عيشنا، والفرق بين الحالتين شاسع ،نعيم.. وجحيم مقيم.."

ولمعالي وزير المالية الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف، أوجه حديثي اليوم، فلقد أكرمنا الله وبارك بنا وذلك بفضله ومنه، وولاة الأمر فينا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله الذي أعلن مرارا وتكرارا رغبته وحرصه على شباب البلاد، فهم الوطن والوطن هم، وبما أننا كنا كشباب ندلل في زمن لم نكن نملك ما نملكه اليوم، في زمن لن يصل تعداد الشباب فيه إلى نصف ما وصل إليه اليوم، فالإحصائيات تؤكد أن نسبة الشباب وصلت إلى 65% من سكان البلاد، بل هناك من يؤكد أن هذه النسبة تعدت ذلك لتصل إلى 75%، وسواء وصلت إلى هذه النسبة أو إلى تلك، فالأمر خطير للغاية، ويستحق منا تجنيد كل قدراتنا لتفعيل الشباب وتشجيعهم، واستثمار نشاطهم وحماسهم، ولننظر إلى المستقبل القريب والبعيد ولنتخيل ماذا سيكون عليه حالنا لو تجاهلنا احتياجات هذا العدد الهائل من أبناء الوطن، لو تركناهم غير مفعلين ومحبطين ومكبلين..
ولمعالي الوزير أقول.. نحن ننتظر من معاليكم في ميزانية البلاد لعام 1428هـ وفي ما بعدها.. المزيد من المخصصات للتعليم النظامي والجامعي والعالي، والمزيد المزيد من الفرص الوظيفية لشباب البلاد وفي كل القطاعات، والمزيد من فرص الاستثمار لصغار وكبار المستثمرين، والمزيد من الخدمات في كافة القطاعات العامة، هذا حق البلاد على معاليكم حكومة وشعبا.
وثق يا معالي الوزير أننا لو حاولنا اليوم إنصافكم ولو مجاملة، فلن ينصفكم التاريخ لو عمدتم إلى قبول توصيات تطال همم أبنائنا وبناتنا بما نكره، توصيات تتحول بمساندتكم لقرارات تشعرهم بغربة وهم بيننا وفي أحضاننا..
ويا ليتنا نقارن حالنا بالأمس بحالهم اليوم، ليتنا نفعل ذلك ونحن ننظر في اقتراحات ودراسات تتعلق بمالية البلاد العام المقبل وما يليها من أعوام.. ليتنا نوقف أي استنزاف يهدر في غير محله، ونوجه مال البلاد لمن هو أهل له.. ليتنا لا نبخل على بقية الوزارات بما يمكنها من إتمام عملها كما يجب، وليتنا نحقق آمال خادم الحرمين الشريفين فينا وفي إداراتنا.. وليتنا نساير حرصه بحرص يوازيه..
وأخيرا يا ليتنا نعمل على أن تكون هذه الوزارة حجة لنا يوم القيامة لا علينا.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط