صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حجاج قرغيزيا

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
أنا لست من تلك البلاد التي تعيش اليوم كما كنا نعيش قبل قرن من الزمان، وأنا لست من تلك البلاد التي قيدت تحركات مواطنيها، فسياط الاحتلال ومنذ ما يزيد عن نصف قرن تمارس دورها ببراعة على رقاب أهلها، كما أني لست من البلاد التي تركت جلادها وتفرغت لقتل أبنائها

آمل ألا يكون يومنا هذا كغيره من الأيام، آمل أن نجد فيه فرحاً يعم البقاع المسلمة، يؤلف القلوب ويمسح الدموع ويداوي الجروح، آمل أن يجد فيه الطفل في فلسطين فرح الطفل السعودي، والطفل العراقي أمن ابننا في المملكة العربية السعودية، آمل أن نجد تماثلا في المشاعر في كل البلاد الإسلامية على الأقل في مثل هذا اليوم الكريم.. آمل أن نسعى لأن نفرح معا ونضحك معا، كما آمل أن نتذكر حالنا منذ قرن من الزمان، يوم كنا فقراء مشتتين مختلفين.. يوم كنا نخشى التوجه للحج أو للعمرة فقطاع الطرق متربصون، آمل أن نفكر كيف كان حال آبائنا وأجدادنا ورفاقهم مع الجوع والمرض وعدم الأمن، وفوق هذا وهذا كيف كان معظمهم أميين لا يفكون الخط، فهذا وذاك سيدفعنا لحمد الله، ولمد يد العون لإخوة لا يملكون ثمن الفرح ليفرحوا.. أو يفرحوا غيرهم.

عفوا.. قد يتهكم بعضهم من إثارتي هذا الموضوع في يوم عيد.. كعيدنا هذا، وقد يظن أني سوداوية المشاعر، من فئة لا تتوقف إلا عند النصف الفارغ من الكأس، والواقع أن ما يدفعني لأن أقتحم عليكم فرحتكم بكلام قد لا يمر على بعضكم مرور الكرام، هو إدراكي أني مغلفة بغلاف مميز من نعم زهدت بها ولم تزهد بي، نعم اعتدنا على وجودها بيننا فلم نعد نعي قدرها، أو على أقل تقدير لم نعد نتوقف لحمد المولى سبحانه على ما خصنا به دون إخوة لنا من المسلمين.. نِعم تعامل بعضنا معها بفوقية، فما نستحقه أكثر بكثير مما نلناه..أو مما نتطلع لنيله !!

ولا أعني مطلقا أننا نعتقد أننا محصنون من كل نقص، معاذ الله أن نفعل! ولو فعلت هذا فإني بهذا القول أخادع نفسي قبل غيري، نعم نحن نطمع للمزيد، ولكننا عندما نفعل ذلك نغض الطرف عما بين أيدينا من النعم، من الأمن الاجتماعي، ومن الاستقرار الاقتصادي. نعم هناك تلاعب واضح في سوق الأسهم، لا يختلف عليه اثنان، إلا أن محركي هذا التلاعب هم إخوة لنا من المضاربين صغارا كانوا أم كبارا، ثم نعم هناك ارتفاع في أسعار السلع، وبنسبة قد تكون زهيدة بالمقاييس العالمية إلا أنها تؤرق مضاجعنا وتشنج أطرافنا.. نعم قد أكون أول المطالبين بتخفيض كل تكاليف المعيشة لتصبح صفرا، وقد أشتكي لأن أحداً لم يكن بجواري ليسرح شعري ويغسل فمي، و لأني لم أجد أمامي بهلوانيا سخر نفسه ليضحكني، وقد أطالب بأكثر من ذلك، فأنا أنتمي للمملكة العربية السعودية، أنا لست من تلك البلاد التي تعيش اليوم كما كنا نعيش قبل قرن من الزمان، وأنا لست من تلك البلاد التي قيدت تحركات مواطنيها، فسياط الاحتلال ومنذ ما يزيد عن نصف قرن تمارس دورها ببراعة على رقاب أهلها، كما أني لست من البلاد التي تركت جلادها وتفرغت لقتل أبنائها، أنا من بلاد امتهنت تدليل أفرادها، أفراد تعاموا عما وضع على مائدتهم مما لذ وطاب، رافضين حتى تذوقه..

كلامي هذا قد يكون فيه بعض المبالغة..ولكني كتبت ما شعرت به فور اطلاعي على ضنك العيش الذي يتعامل معه مسلمو قرغيزيا يوميا، حيث الفقر وقلة الموارد، مقارنة بما نتمتع به نحن مواطنو هذه البلاد الخيرة من نعم، ضنك لم يمنع مسلمي قرغيزيا وأمثالهم في مشارق الأرض ومغاربها من النظر وبشغف العاشق لأرض الله المقدسة، ولأداء فريضة الحج، وبالتالي بذلوا -كغيرهم - كل غال ورخيص، فشدة معاناتهم وبذلهم كل ما يملكونه على قلته، يهون في سبيل أدائهم مناسك الحج.
تابعت بالأمس جوانب من قصة وصول 230 حاجاً قرغيزياً لهذه البلاد الطيبة ليلة الجمعة الماضية كضيوف مكرمين لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله وأطال عمره، وهم من فاتهم موسم الحج عام 1426هـ 2005م، لقد وقفت كغيري على حالتهم العام الماضي عند وصولهم للحدود التي تفصل بين المملكة الأردنية الهاشمية وبين البلاد، بعد شهور تحركوا خلالها عبر منافذ برية شديدة البرودة، حيث واجهوا الفقر والجوع والمرض، رحلة عمدوا من خلالها لدفن موتاهم ممن لم يملكوا القدرة الصحية لإكمال المسيرة لمكة المكرمة ،صبروا وتصابروا على أمل أن يمكنوا من النظر إلى الكعبة المشرفة، والصلاة في المسجد الحرام، هذا ما عرفناه عنهم من خلال تحقيقات أجرتها صحيفة المدينة، تحقيقات بدأت مع وصولهم لمكة كمعتمرين العام المنصرم، وآخر هذه التحقيقات ما دونته الصحيفة يوم أمس الجمعة، إذ زفت لنا خبر وصول هؤلاء الحجاج لجدة، كضيوف على خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، الذي وقف على حقيقة مفادها أن رحلتهم للحج العام الماضي استنفدت كل مدخراتهم التي استغرق جمع بعضهم لها قرابة الثمانين عاما.

ما زلت أذكر العام الماضي وهم يتجولون كمعتمرين وزوار لمكة والمدينة المنورة، ما زلت أذكر الحفاوة التي استقبلوا بها من قبل سكان مكة الخيرين، وكيف جند لرعايتهم والسهر على راحتهم رجال أكفاء من الداخلية، تنفيذا لتوجيهات سامية من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وكيف مكنوا من الرجوع إلى بلادهم بطائرة خاصة، استجابة ملكية لرجاء تقدم به نيابة عنهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز (أبو الوليد ) شفاه الله.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط