اطبع هذه الصفحة


عتاب المحب

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
المعاناة التي أنا بصددها اليوم أفردت الصحف الوطنية مساحات للحديث عنها، والصحيفة التي بين يديك واحدة من تلك الصحف، ومع ذلك أجد نفسي ملزمة للتطرق لبعض الحيثيات المرتبطة بها، فقد لامست عن قرب معاناة بعض أبطالها ممن تكرموا بالاتصال بي كغيري من الكتاب الأفاضل، لذا تحركت باتجاه الكتابة عن خريجي "دبلوم اللغة الإنجليزية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" والبالغ عددهم حوالي (1500) بين طالب وطالبة.

لقد تساءلت وعلى مدى أسبوعين عن الدافع وراء استمرار أصحاب الشأن بالاتصال بي وبغيري من الكتاب، لا شك أن الأمل ما زال حيا في تلك النفوس الشابة في إمكانية إصدار قرار يمسح معاناتهم ويشد من أزرهم، لقد أوصلوا ما أصابهم لديوان المظالم، الذي حكم بدوره- مرتين - بإرجاع الرسوم التي دفعت للجامعة وبتعويض مالي لكل طالب، حكم تم إلغاؤه مؤخرا من المحكمة نفسها.

إن الحكم السابق كان مرضيا ومقنعا للكثيرين من المعنيين من أبنائنا وبناتنا على بساطة مردوده، هذا إذا ما قارناه بجهد استمر لسنوات، وحلم بمستقبل مناسب توقف مع استلامهم شهادة الدبلوم، قناعة كهذه أظهرت مدى حاجة هؤلاء الأبناء لمساندة كل من بيده تقديم المساعدة، ابتداء بمعالي مدير الجامعة نفسها، أو بمعالي وزير التعليم العالي وانتهاء بمعالي الشيخ رئيس ديوان المظالم.

ولكني هنا أود أن أوجه عتاباً من محب غيور لجامعة كانت وما زالت قبلة المتخصصين في التعليم الشرعي، جامعة تعدت قيمتها العلمية حدود الوطن لتصبح قبلة للكثيرين من طلبة العلم الشرعي داخل البلاد وخارجها، جامعة يفترض إلا يصدر منها مثل هذا الفعل، تصرف كان الأجدر بها أن تنأى بنفسها وطاقمها الإداري والمالي عن مثله، إذ كيف لها أن تنشر في صحف محلية إعلانات مدفوعة الثمن، عن دبلوم للغة الإنجليزية، مع حرصها على بيان ومن خلال هذا الإعلان عن مميزاته التي فاقت خيال البسطاء من أبنائنا، فوفق الإعلان، شهادة الدبلوم هذه معتمدة ومصنفة من "وزارة الخدمة المدنية"، وعلى المرتبة السادسة، كما حرص الإعلان أيضا على بيان عدم اشتراطه لقبول المتقدم تاريخاً معيناً لتخرجه من الثانوية العامة، ولا على حصوله فيها على نسبة مئوية معينة، كما بين وبوضوح أن المتخرج مؤهل إما للعمل في مجال تعليم اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية - المدارس الخاصة - أو للعمل كمترجم، أو إداري.

كان طبيعيا أن يقبل هذا العدد وأكثر منه على دبلوم يتمتع بمصداقية عالية، فقد احتضنته وضمنت شهادته جامعة" الإمام محمد بن سعود الإسلامية " على اختلاف فروعها، لقد كانت الدراسة فيه بالنسبة للكثيرين من أبنائنا وبناتنا فرصة للحياة الكريمة.. وللحصول على عمل جيد، ولتكوين أسرة خاصة، وللاستقرار، ولذا اندفع بعضهم لفراق أسرته ممنيا نفسه بالعودة لهم مظفرا بدبلوم معتمد، ومرخص للانخراط في الحياة العملية.. واستدان آخرون.. وعمل من عمل ولو بحمل البضائع، صبرهم هذا استمر سنتين، ومازال هذا الصبر كساءهم الذي يقتاتون منه، بعد إيمانهم بالله سبحانه، وبعد يقينهم بعدالة قضيتهم.

ولا أعلم كيف استطاعت جامعة عريقة كجامعة " الإمام محمد بن سعود الإسلامية " قبول مثل هذا الفعل على نفسها، كيف استطاعت أن تعد ولا تفي بعهدها، كيف استطاعت أن تغامر بثقة الكثيرين بها، ثم كيف ينام من أوصى، ومن قرر، ومن نفذ ذاك الإعلان، ولو قيل إن الجامعة لم تقصر فيما قدمته من علم، وبالتالي فقد قامت بنصف واجبها تجاه طلبة وطالبات الدبلوم، وبقي عليها أن ترجع تعويضا يعادل الرسوم التي استقبلتها من 1500 من أبناء وبنات هذا الوطن، ممن توافدوا على مختلف فروعها طمعا في نيل مؤهل مرخص للعمل، ختم بختم جامعة" الإمام محمد بن سعود الإسلامية".

ولو قيل لي إن الحكم صدر من ديوان المظالم بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة نفسها لمرتين متتاليتين والقاضي بإعادة الرسوم وتعويض مالي، والاكتفاء بتعويض يماثل ما دفعه الطلبة، على اعتبار أن (إعادة الرسوم تستلزم إعادة الحال على ما كانت عليه قبل التعاقد، فهذا لا يتأتى بل يستحيل تحقيقه لكون المتحصل عليه من قبل الدارسين علما استقر في الأذهان ومهارات اكتسبت، ولكونها أمورا يستحيل ردها، ومن ثم يمتنع معه فسخ العقد ويتعين فحسب - التعويض بمقدار ما دفع من رسوم -)!!

هنا أستميح القائل العذر وأقول له.. (ماذا سيكون حاله لو توجه مطمئنا لتناول الطعام مع أسرته في مطعم تابع إعلاناته في الصحف بشغف، إعلانات أكدت تميزه فيما يقدم من طعام و فيما يقدم من خدماته، أتساءل هنا ماذا سيفعل لو أصيب هو وأسرته بتسمم من جراء طعام قدم لهم على مائدة ذلك المطعم، ماذا سيفعل لو سكن هو وأفراد أسرته العناية المركزة لأيام، ماذا سيفعل لو أن هذا التسمم هدد حياتهم؟، فهل يمكن أن يقبل عندها قول قائل إن العقد الذي انعقد بدخوله وأسرته للمطعم تحقق باستمتاعهم وتناولهم للطعام، أو تحقق بسبب استقرار الطعام في أمعائهم، وما هو موقفه من الحكم برد المطعم تعويضا يعادل ثمن الوجبة التي قدمت لهم)!! ماذا سيفعل لو كان الحكم صادرا من المحكمة لا يلزم المطعم مطلقا بتعويض مادي عن الخسائر النفسية والمادية التي لامسته وأسرته. فهل سيلام لو حاول مجددا طرح القضية أمام المحكمة؟! بل كلما سمح النظام بذلك؟! شبابنا هؤلاء فقدوا وأسرهم الأمل- ولا حول ولا قوة إلا بالله - في اعتماد شهاداتهم، وفي إكمال دراستهم الجامعية، لقد ترك بعضهم تعليمه الجامعي رغبة منه في الحصول على عمل كريم بشهادة الدبلوم المذكور. وهم اليوم يتجرعون ثمن ثقتهم بمن كان وما زال أهلا للثقة.. مع عظم ما وقع منه من خطأ.

آمل أن نسمع بقرار ملكي كريم من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للتعليم يفسح المجال لهم بالعمل، أو بإكمال دراساتهم الجامعية، أو على الأقل تعويضهم تعويضا مجديا في زمن تطلب من مجلس الشورى استدعاء معالي وزير التجارة لمناقشته في غلاء الأسعار، آمل عند النظر في إقرار تعويض هؤلاء الأبناء النظر في أن ما دفع منذ خمس سنوات لا يعادل قيمته الشرائية الحالية، وأن ما دفع لم يكن في متناول جميع الطلبة.. فقد استدان بعضهم في حين باع الآخر مقتنياته..

وأخيرا أقول لجامعة الإمام "محمد بن سعود الإسلامية" حسنات الأبرار سيئات المقربين".

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط