اطبع هذه الصفحة


معلومة حركت المقاعد بمن حملت

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
مما لا شك فيه أن كثيرا من غير السعوديين وحتى من السعوديين يجهلون (أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الأولى على مستوى الدول العربية التي منحت أبناء المواطنة السعودية المرتبطة بزوج غير سعودي الحق في الحصول على الجنسية السعودية، فقد تحقق ذلك على أرض المملكة العربية السعودية، منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، وبالتحديد منذ عام 1374هـ 1954م) هذه المعلومة حركت المقاعد بمن حملت، هذا ما حدث عندما عرضت في اجتماع جمع نساء عربيات نافذات في أوطانهن ولهن اهتمام واضح بشأن المرأة وحقوقها، وبالتالي كان طبيعيا أن يشيد بعضهن بالنظام السعودي، كما كان طبيعيا أن يعجب بعضهن من وجوده وتطبيقه، أما الفئة التي لم تتمكن من إخفاء امتعاضها وغيرتها، فأعتقد أن لها الحق في أن تفعل، فقد نالت ابنة بلادي ما لم تنله هي ومثيلاتها في وطنها، فمع ما بذل أمثالها من جهد دائم في هذا المجال، بقي المقننون في بلادها يرفضون إقراره أو النظر فيه، مكتفين بوعود لأماني طال انتظارها، فهذا الحق الممنوح لأبناء المرأة السعودية المرتبطة بغير سعودي، ممنوع إلى لحظة كتابة هذه السطور في أغلب الدول العربية، فالمواطنة المرتبطة بغير مواطن - في المعظم - لا يمنح أبناؤها حق الحصول على جنسية أمهم، ومن تلك الدول أذكر على سبيل المثال، المملكة الأردنية الهاشمية، ولبنان، سوريا، ومملكة البحرين، والإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت، ودولة قطر، وليبيا، أما الدول العربية الثانية التي أقرت هذا النظام فهي على حد علمي " تونس " التي أقرته عام 1963م، أي بعد تنفيذ المملكة العربية السعودية لبنوده بما يزيد عن عشرة أعوام، و قد بقي حال الدول العربية دون إقراره إلى عام 2004م، أي إلى عامين تقريبا، حيث أقرته "مصر " و" المغرب " وهكذا يظهر لنا البون الشاسع بين الفترة الزمنية لإقراره وتنفيذه من قبل المملكة العربية السعودية، وبين إقرار غيرها من الدول العربية- القليلة - التي فعلت ذلك.

وقد تتبعت من باب التثبت كيفية تطبيق الجهات المختصة لهذه المواد على أرض الواقع، فوجدت أن هذا النظام يطبق، فأبناء الأم السعودية المتزوجة بغير سعودي يحصلون على جنسية والدتهم، أما الحالات التي تتأخر في إكمال إجراءاتها لأشهر، فقد فسر ذلك بكثرة المعاملات الدائرة داخل هذا النطاق، وبإهمال المعني بمراجعة المعاملة في الدوائر الرسمية، أو بتصرفات بعض الموظفين النابعة من إهمال - لا شك يستحقون اللوم عليه - ولقد تأكد لي هذا التطبيق بحديثي مع سعوديات ارتبطن بغير مواطنين، وكان منهن الأكاديمية، وسيدة المنزل، وحارسة الأمن، وطالبات في المراحل الجامعية، ولم أكتف بذلك فقد اتصلت بسعادة الأستاذ الدكتور "عبدالله بن عمر النجار" عميد القبول والتسجيل ،في جامعة الملك فيصل، مستفسرة عن مثل هذه الحالات، والذي تكرم بدوره بما أكد لي تطبيق هذا القانون، إذ بين أن الجامعة ووفقا للنظام السعودي، ضمت طلاباً وطالبات من أم سعودية وأب غير سعودي، كما بين سعادته أن عدداً من هؤلاء الطلاب - أي من أبناء مواطنة وأب غير سعودي - قدموا لإدارة القبول والتسجيل بالجامعة أوراقاً رسمية تشعرها بحصولهم على الجنسية السعودية.

وسأعمد بحول الله إلى عرض النظام على القارئ، فقد راعني ما تابعته لعدة أشهر من وسائل الإعلام على اختلافها من الجهل بهذا القانون السعودي، مع تفرده على مستوى الدول العربية، فأن يمنح أبناء المواطنة المرتبطة بغير مواطن هذا الحق قبل نصف قرن، ثم يأتي أفراد من هذه البلاد ومن خارجها ليعلنوا أن النظام السعودي أجحف هذه الفئة من مجتمعنا، لهو الظلم بعينه، ظلم حاولت جاهدة التغاضي عنه والانشغال بغيره إلا أني أعترف أني عجزت، وبالتالي سأعمد هنا لطرح الأنظمة بتواريخ إقرارها ،لعلها تكون شاهدة على ما أقول.

إن المملكة العربية السعودية التي ارتضت الإسلام دستورا، تضع نصب عينها توافق قراراتها وقوانينها وهدي الدين الإسلامي الذي جعل رعاية الأسرة من أهم أهداف المجتمعات الإسلامية، ومن هنا جاء إقرار النظام السعودي لهذا القانون، كما منح ابنة المواطنة المرتبطة بغير مواطن بطاقة ذات امتيازات خاصة.
ويطيب لي أن أتوجه بالشكر للأستاذ "إبراهيم بن محمد الصدعان، مدير عام فرع الأحوال المدنية بالمنطقة الشرقية" الذي قدم لي نص النظام وناقشني في بنوده.

لقد وافق مجلس الوزراء السعودي بقراره، رقم 4 وتاريخ 25/1/1374هـ، الموافق 22/9/1945م على قانون الجنسية العربية السعودية، واعتمد مضامينه من قبل المقام السامي، بتاريخ 22/2/74 13هـ، الموافق 19/10/1945م ومن مواد ذلك النظام أشير إلى التالي :
* ـ يجوز بقرار من وزير الداخلية منح الجنسية السعودية لمن ولد في المملكة لأب أجنبي وأم سعودية إذا توفرت فيه الشروط الآتية :
1- أن تكون لـه صفة الإقامة الدائمة في المملكة العربية السعودية عند بلوغه سن الرشد.
2- أن يكون حسن السيرة والسلوك ولم يسبق الحكم عليه بحكم جنائي، أو بعقوبة السجن لجريمة أخلاقية لمدة تزيد عن ستة شهور.
3- أن يكون ملما باللغة العربية.
4- أن يقدم خلال السنة، بعد بلوغه سن الرشد طلباً بمنحه الجنسية العربية السعودية.

يلاحظ في مواد هذا النظام السعودي أنه راعى حق الأبناء في الاختيار بين جنسية أمهم أو أبيهم، إذ لم يفرض عليهم جنسية والدتهم، كما لم يمنعهم من اختيارهم لجنسية والدهم، بل ولم يشترط النظام موافقة الأم والأب على حصول أبنائهم على الجنسية السعودية، فالخيار نابع من الأبناء وإلى الأبناء، تاركا للأبناء دون غيرهم المجال للاختيار بين جنسية أمهم السعودية أو جنسية أبيهم غير السعودي..

وجدير بالإشارة ومن ناحية أخرى أن النظام السعودي منح ابنة المواطنة التي ارتبطت بغير مواطن "بطاقة خاصة" في حال تقدمت خلال السنة بعد بلوغها سن الرشد بطلب للحصول عليها، هذه البطاقة تضمن لها مميزات خاصة، فمن خلالها يحق لها ما يحق للمواطنة السعودية من إتمام الدراسة النظامية والجامعية، كما تمكنها من الحصول على مكافأة مالية، تعادل المكافأة المخصصة للطالبة الجامعية السعودية، كما أن لها الحق الكامل في العلاج وهناك من يؤكد أنها تشمل حقها في التوظيف، إضافة إلى أنها في حين رغبت في الزواج من مواطن سعودي، تعفى وفقا للنظام من كل الإجراءات المتبعة نظاما في زواج المواطن بغير سعودية ،كما لم يفرض النظام عليها، كونها عاشت ونالت كافة الحقوق كالمواطنة من حيث التعليم النظامي والجامعي والعلاج، ما شمل نظاما المواطنة السعودية من وجوب الحصول على موافقة الدوائر الرسمية على ارتباطها بغير سعودي، إذ لها أن ترتبط بغير سعودي لو رغبت في ذلك.. وفي هذا الشأن مازحت إحدى طالباتي من أم سعودية وأب غير مواطن، قائلة: (أنت مخيرة للارتباط بابن خالك أو ابن عمك.. ويا ليتك تبرين أمك في هذا).

ويلاحظ أيضا أن النظام المعمول به في السعودية، قرر منذ ما يزيد على نصف قرن استقلال المواطنة عن زوجها في مسألة حساسة للغاية، ألا وهي انتماؤها الوطني.. بل إنها في حال إن تخلت وبمحض إرادتها عن الجنسية السعودية، إثر إسقاط الجنسية السعودية عن زوجها، فالنظام هنا يمكنها من استرجاع جنسيتها السعودية مجددا، إذا ما تم طلاقها.

وفي عام 1425هـ، الموافق 2004م وافق مجلس الشورى على مشروع قدم من قبل وزارة الداخلية، يتعلق بتعديل بعض مواد نظام الجنسية السعودية، تعديل راعى كذلك مصلحة المواطنة السعودية ،إذ قرر أن المرأة السعودية هي المتحكمة الأولى في قرار نزع أو إبقاء جنسيتها السعودية، إذ نص على أنها هي نفسها من تقرر بقاءها على الجنسية السعودية أو تخليها عنها، وأنها في هذه الحالة لا تكون إرادتها تابعة للرجل.. فالخيار دوما في مسألة الجنسية يرجع لها، وهذا هو حال من حصلت على جنسية بعد ارتباطها بزوج سعودي، إذ لا يحق للزوج على الإطلاق المطالبة بإسقاط جنسيتها التي حصلت عليها بزواجه منها.

ومع كل ما قيل من تميز هذا النظام وتفرده أطالب كعادتي بالمزيد، وأتقدم من خلال هذه السطور بأمل أوجهه لوزارة الداخلية، طالبة النظر فيما يلي: (إلزام الجهات المعنية بإيصال كتيب يحوي قوانين الجنسية السعودية، للمواطنة المرتبطة بغير سعودي، وذلك فور حصولها على موافقة الدولة على ارتباطها بغير مواطن، فالمميزات التي تقدم لها ولأبنائها وفقا للنظام السعودي تستحق هذا الإجراء، كما آمل إعفاء أسرة المواطنة المرتبطة بغير سعودي من تكاليف الإقامة المالية. سواء لأبنائها وبناتها أو لزوجها).

ولأني أعتقد أن تجربة المملكة العربية السعودية الرائدة في هذا الشأن تستحق الدراسة من قبل الدول العربية الشقيقة، أطالب أيضا بالقيام بإحصائية وطنية تشمل المعلومات التالية: (عدد الحاصلين على الجنسية من أبناء المواطنة المرتبطة بغير مواطن، وعدد الحاصلات على بطاقات خاصة لبناتهن، وعدد المستفيدين منهم من التعليم النظامي بجميع مراحله، والمنخرطين منهم في التعليم الجامعي مع بيان تخصصاتهم ذكورا وإناثا، وعدد الموظفين في القطاع العام والخاص منهم).

علما أني سعيت للقيام بهذه الإحصائية إلا أن أغلب الدوائر الرسمية لم تمكنّي من ذلك، أما سبب إصراري على تنفيذ إحصائية كهذه سواء نفذت بيدي أو بيد غيري فنابع من كون نتائجها ستبين للعالم - بحول الله - تميز النظام السعودي وتفرده في هذا الشأن على مستوى الوطن العربي، فنحن في عالم لا يفقه إلا لغة الأرقام.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط