اطبع هذه الصفحة


عدو شيراك اللدود

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
لست بصدد الحديث عن تلك العملية الإرهابية التي جرت على أرضنا ضد آمنين فرنسيين إذ لم أفق من الذهول الذي أصابني من جرائها، فقد كنت أعتقد أن الإنسان السعودي وصله العلم الشرعي الذي يجرم قتل الآمنين على اختلاف أديانهم، وبالتالي كان من الصعب استقبال المبررات التي قد تطرح من هؤلاء القتلة.. و بالتالي فلا بد من تطبيق حد الحرابة على من ثبت الجرم عليه، ولا حكم غير حكم الله نقبله فيه وفي أمثاله.

إن موقف الرئيس الفرنسي شيراك من الجريمة المعنية، مشرف ولله الحمد، فقد أظهر كعادته في أغلب مواقفه السياسية تقديرا لائقا بنا حكومة وشعبا، مواقفه المشرفة والمتتالية دفعتني للحديث عن واحد ممن رشحوا أنفسهم كخليفة لشيراك.

كان لا بد وأنا أتحدث عن هذا الخليفة المترقب أن أذكر المتابع ببعض مواقف شيراك المشرفة تجاه قضايانا كعرب ومسلمين، فكثيرا ما أعلن موقفه المحايد بل المؤيد لحقوق فلسطين في الوجود والبقاء، يقين ظهر من مخالفته للبرتوكول الرئاسي عند استقباله لكثير من الرموز السياسية العربية ممن هم أقل منه مرتبة في السلك الدبلوماسي، إذ كثيرا ما نلاحظ عظم الحفاوة التي يحيطهم بها في استقبالهم وتوديعهم، وهو عندما كان يتعامل معهم من هذا المنظار الدبلوماسي يعلن للعالم تقديره الخاص لما تمثله تلك الشخصيات من قضايا وطنية وإقليمية، وما زلت أتذكر نشرة الأخبار التي نقلت غضبته التي أطلقها أثناء زيارته لفلسطين المحتلة، وبالذات أثناء تجواله في القدس الشريف، حيث تزاحم حوله عدد من الفلسطينيين طمعا في السلام عليه ،ومحاولته المستميتة والسعيدة في مصافحة كل منهم، وما زلت أذكر صرخته وملامحه المتجهمة في وجه أحد حراس جيش الاحتلال الصهيوني والمكلف بحمايته، عندما قام بدفع جموع الفلسطينيين الذين تزاحموا حوله للترحيب به، ما زلت أذكر وجهه وقد اكفهر وصرخ معنفا الحارس وطالبا منه التوقف عن تعنيفهم.

ومن منا لا يذكر للرئيس شيراك مواقفه الرافضة للسياسة الأمريكية البريطانية في العراق، بل ما زال وإلى اليوم ثابتاً على موقفه.. وقد صرح مؤخرا أن السياسة الأمريكية في العراق: (جعلت استقرار المنطقة بأكملها هشاً، وبات كل بلد قلقا على أمنه، وزعزعت سلامة العراق نفسه واستقلاله).

شيراك الإنسان حاول ولسنوات وكما أرى - والله أعلم - إنصاف قضايانا، أصاب مرات وأخطأ مرات، ولكني أعتقد أنه لم ينو التلاعب بمصائرنا ولا المخاطرة بها، ولا أعرف إن كانت فرنسا التي أنجبته ستنجب مثيله أم لا، إلا أني أخشى أن أيام شهر العسل التي دامت لسنوات بيننا وبين فرنسا في عهد شيراك قد تنتهي مع مغادرته الرئاسة الفرنسية، هذا إذا خلفه (نيقولا ساركوزي) وزير الداخلية الحالي، المعروف بولائه لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أن بعضهم قال إنه في حال فوزه سيتلقى أوامره من البيت الأبيض، فهو لا يكف عن مدح أمريكا ومداهنة الرئيس بوش، بل إن بعض الساسة الفرنسيين وصفه لولائه هذا بصفات مقززة أترفع عن نقلها إلى القارئ الفاضل، وبالمناسبة يجدر بي هنا نقل ما نشر على صفحات هذه الصحيفة خلال الأيام الماضية، من إن طابعا بريديا للكيان الصهيوني صدر أخيرا وهو يحمل صورة (نيقولا ساركوزي) ،والمضحك في هذا الأمر أن (نيقولا ساركوزي) هذا يحمل الجواز الفرنسي، وما زال إلى اللحظة مجرد مرشح للرئاسة، والذي يفترض حين فوزه بها تمثيله لمصالح بلاده فرنسا أولا وأخيرا، ثم إن المضحك أيضا في هذه المبادرة الفريدة من نوعها قول أحد مؤيديه من اليهود: (إن هذا الطابع ما هو إلا لفتة رمزية لتوثيق عرى الصداقة التي تربط بين فرنسيي إسرائيل و نيقولا ساركوزي) فولاء هؤلاء لن يوجه لبلادهم فرنسا بل لشخص ساركوزي!! وكيف لا يكونون كذلك وهو المؤيد للتعسف الصهيوني بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟ هذا الود والتأييد لشخصه لم يكن وليد اللحظة، ففي عام 2004 ـ وكما يذكر الخبر- وبعد فوزه برئاسة الاتحاد من أجل أغلبية شعبية، ورغم كونه وزيرا للداخلية نال حظوة استقبال رئيس وزراء الكيان الصهيوني شارون، وكذا تم استقباله من قبل رئيس الكيان الصهيوني (كاتساف)، ووزير داخليته، وصديقه الذي يوصف بالصديق الحميم له (نتنياهو)، بل لم يتورع (ساركوزي) في هذه الرحلة من ارتداء القلنسوة اليهودية لدى زيارته للقدس القديمة، وهو الذي حارب وجابه حق الفرنسيات المسلمات في ارتداء الحجاب الإسلامي في بلادهن، وهو على ما أظن من حرض ساسة فرنسا والرأي العام الفرنسي لدعم هذه السياسة مما أجبر شيراك على قبولها!!

وأخيرا يحق للقارئ أن يعرف أسباب هذه العلاقة المتميزة التي تربط (ساركوزي) بالصهاينة، فالعلاقات التي تربطه بذاك الكيان المحتل علاقات دم وولاء، فهو في عرف الفكر الديني اليهودي يهودي من الصميم فأمه يهودية من أصل بولوني، وغني عن البيان أن (اليهودي) في العرف الديني اليهودي هو من كانت أمه يهودية !! وبالتالي لم أكن لأعجب من الأوصاف التي وصف بها من قبلهم، ابتداء من وصف شارون الذي جاء فيه: (صديق إسرائيل) أو انتهاء بمديح الإعلام الإسرائيلي له بوصفه (عدو شيراك اللدود) الذي كثيرا ما أعلن مساندته للقضية الفلسطينية ولحق الفلسطينيين في الحياة والبقاء .


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط