اطبع هذه الصفحة


قمة كهذه فاقت قامتها القمم

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
عندما وقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله على منصة قمة الرياض وتحدث، تذكرت رجلاً أحبه التاريخ ومجده وتغنى بمواقفه وبصموده، رجلاً هابته القفار على اتساعها، تذكرت الأب الذي لو قدر له أن يعود إلينا - رحمه الله- ما كان ليسعه إلا أن يفتخر بابنه عبدالله..

أكان يعقل أن تكون قمة الرياض بهذا النجاح.. ولا أدري أهو الصدق والإخلاص ـ أم هي الحكمة وبعد النظر، أم إن الإنسان العربي الذي أنهكته الأوضاع المأساوية كان حاضرا هناك أمام قادة، كانوا هم أول من صفق وتفاعل لكلمة الافتتاح، كلمة ألبستنا ثوبا لائقا بنا كأمة لها تاريخ مشرق ونأمل أن يكون لها حاضر يفوقه إشراقا..

كلمة خادم الحرمين الملك عبدالله لم تأت اعتباطا ولا ارتجالا، كلمة حددت بدقة مواطن القوة ومواطن العلة في مجتمعاتنا العربية، كانت صريحة.. وواضحة.. وثابتة.. كانت مفاجئة لكل من سمعها سواء من القادة العرب أو من قادة العالم.. كلمة لا شك احتار فيها المحللون على اختلاف توجهاتهم..
أما أنا فقد أبكتني فرحا.. وكيف لا أفعل وقد جاءت بعد طول المخاض.. لقد جاءت كلماته حفظه الله شجاعة فلم يحمل الجامعة العربية ما لا تحتمل، لقد لام نفسه ولام غيره من قادة العالم العربي على فشل الجامعة في تحقيق الوحدة العربية في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية (وحدة عربية بين دول عربية متعددة) هذا هو الحلم العربي الذي أسست الجامعة ابتداء بسببه.

كلماته كانت تتحدث بلسان المواطن السعودي، والإنسان في فلسطين العربية، وفي السودان الحذر، والعراق المحتل، لقد أعلن للعالم أن الصومال جزء من عالمنا العربي، وأن جزر القمر في قلوبنا، وأننا على اتساع أرضنا واختلاف لهجاتنا نتوحد في آمالنا، وأحلامنا.. لقد جاءت كلماته لتوقظ ضمائر ظن البعض أنها ماتت وقبرت واندثرت، جاءت لتعلن أن أمثالي ليسوا بحالمين وأن الفرقة ليست قدرنا، وأن التخلف ليس مصيرنا، وأن الكرامة منحة المولى لنا، وأننا بفضل الله قادرون بعقولنا لا بعقول غيرنا على التفرقة بين الحق والباطل، وإننا لنحقق ذلك ما علينا إلا أن نتطهر من المخاوف والتوجس فلا يحمل الأخ لأخيه سوى المحبة والمودة ولا يتمنى له إلا الخير الذي يتمناه لنفسه..

وقف خادم الحرمين - حفظه الله - ليقول لقادة العالم العربي وللشعب السعودي وللشعوب العربية إنه مع اليأس مليء بالأمل ورغم أسباب التشاؤم متمسك بالتفاؤل،ورغم العسر يتطلع لليسر بحول الله، لقد دعا إلى استعادة الثقة في أنفسنا وفي بعضنا معلنا أن الثقة إذا عادت.. عادت معها المصداقية والأمل..عندها فقط لن نسمح لقوى من خارج المنطقة أن ترسم مستقبل المنطقة.. ولن يرتفع على أرض العرب سوى علم العروبة..

ما كان ابن عبدالعزيز إلا ليختم كلامه بآية من كتاب الله تصف الدواء لمعضلة استمرت ساكنة في وجدان الأمة العربية لعقود متتالية، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) كانت دعوته لتغيير النفوس لفتح صفحة جديدة.. وبداية لا تشوبها شائبة، كانت دعوته لتوحد القلوب والصفوف، توحد لا تتوقف مسيرته إلا وقد حققت للعالم العربي العزة والرخاء بإذن الله.. رجل كهذا فاقت قامته وهمته الرجال،..بارك الله لنا في خادم الحرمين وفي رجاله، وفي من وضع يده في يده وعاهد نفسه على إكمال المسيرة معه.

ولم تكن الترتيبات التي تمت داخل القاعة التي خصصت لاجتماعات القمة باهرة فقط، ولم يكن ذلك الترتيب وذاك التنظيم الذي فاق أمثاله في اجتماعات القمم واضحا من حيث الإمكانيات والتجهيزات فقط، بل إن الرياض بأسرها شمرت عن ساعدها احتفاء بالضيوف قادة الأمة العربية، ومع أني أشعر بنوع من الغبطة من أهل الرياض على الإجازة التي دامت لأربعة أيام - اللهم لا حسد - إلا أني شعرت أن من كان وراء عرضها كفكرة يتمتع بحنكة سياسية عالية، ويستحق الشكر والتقدير، فالرياض كالمصنع النشط يبدو للناظر أن كل أفراده يعملون على مدار الساعة، وحدث كهذا ما كان ليتم بالشكل الذي تم ولله الحمد لولا الإجراءات التي اتخذت داخل أروقة القمة وخارجها، كانت أيام رائعة تمنيت ألا أفارق جهاز التلفاز لمتابعتها، ولكن ما باليد حيلة فلم أكن من المحظوظين الذين احتفوا بهذه القمة وهم متمتعون بإجازة نزلت عليهم كما تنزل قطرات الندى- اللهم لا حسد - ولكني أحمد الله أن الإعلام كان سخيا معنا فنقلها لنا بكل حركاتها وسكناتها.

ومن هذا المنطلق أوجه النصح للباحثين المختصين في التاريخ الحديث للعمل الجاد على جمع كل ما من شأنه إعداد دراسة أكاديمية عن أسباب قمة الرياض، وأحداثها، والمواقف العالمية تجاهها، وقراراتها، ونقل نتائجها على أرض الواقع، والتي أعتقد أنها وبحول الله ستتفوق على معطياتها كافة، ويكفيني أنني ولأول مرة أشعر أن الإنسان العربي رجلا كان أم امرأة، انشغل بشكل أو بآخر بقمة عربية كما فعل بقمة الرياض وبكلمات قادتها وبقراراتها، والطريف في هذا الشأن الرسالة التي وصلتني عبر الجوال، فقد كانت حقا فريدة من نوعها، لقد كانت تحثني لتسخير جزء من دعائي لنجاح قمة الرياض، كما تحثني على تكرار إرسالها لغيري لعل الله سبحانه يكرمنا بنجاح القمة ومساعيها في توحيد الصفوف بين الشعوب العربية..

أما "إعلان الرياض" أول الثمار اليانعة لهذه القمة المباركة بإذن الله، فقد حمل لي هدايا فاقت توقعاتي وحتى أحلامي لقد شدد على أهمية تحصين الهوية العربية واعتبارها هوية وثقافة موحدة، وأكد أن تعزيز اللغة العربية في كل الميادين لا يتعارض مع تطلعنا كأمة لتطوير التعليم ومناهجه وعلى الاهتمام بالترجمة، ودعم البحث العلمي وتدعيمه،على اختلاف مراحله، النظامية والعليا، كما شدد على الاهتمام بالطفولة الواعدة، وأكد على أن السلام هو الخيار الاستراتيجي للأمة، ومن هنا أدعو لمنع أفلام الكرتون التي تزرع العنف في أفكار النشء، أفلام استوردت من الخارج، وعمدت واستهدفت برمجة أطفالنا على القبول بالعنف وسفك الدماء.
كما دعت هذه القمة إلى ترسيخ مبادئ إنسانية دعا لها ديننا الحنيف في تعاملنا مع غيرنا ومع أنفسنا، وعلى رفض كافة أسلحة الدمار الشامل بعيدا عن ازدواجية المعايير، لقد اختتم إعلان الرياض بتحذير القادة والأمة العربية على اختلاف شعوبها من أوضاع خطيرة تتطلع لاستباحة الأرض والموارد، وتسعى بهذا لانحسار الهوية العربية والانتماء العربي، لقد حمل إعلان الرياض الأمة بأسرها المسؤولية آباء وأمهات أبناء وبنات كشركاء في رسم مصيرنا وفي الحفاظ على هويتنا وثقافتنا وقيمنا وحقوقنا..مؤكدا أنها بإذن الله قادرة على توحيد الصفوف وتعزيز عملها المشترك لتحقيق ما تستحقه من أمن وكرامة ورخاء.. حقا قمة كهذه فاقت قامتها القمم.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط