اطبع هذه الصفحة


سياسة الابتزاز

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
"سياسة الابتزاز" وصف لن ينطبق بأي حال من الأحوال على دولة أو جماعة أو كيان، أكثر من انطباقه على الكيان الصهيوني المحتل،كيان ما فتئ على امتهان سياسة الابتزاز كلما وجد لذلك سبيلا، ومن أهم الأهداف التي يتمحور حولها هذا الابتزاز يكمن في محاولته إضعاف النفوذ السياسي والقدرة العسكرية لكل الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فهو يعمل جاهداً على إضعاف قدرات الضغط السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية، والمواجهة الحاسمة لكل صفقة سياسية أو عسكرية تدار بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية في السر أو العلن.. ومن جهة أخرى يسعى هذا الكيان المحتل كعادته إلى مضاعفة ما يصله من المساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية وحتى السياسية، كلما وصل لمسامعه محادثات أمريكية تطرقت لعقد صفقات كان أحد أطرافها المملكة العربية السعودية.

سياسة الابتزاز هذه سمعناها مجددا من خلال أخبار تتناقلها وسائل الإعلام هذه الأيام، أخبار تتحدث عن ضغوطات مارسها الكيان الصهيوني ضد الإدارة الأمريكية بهدف عرقلة صفقة أسلحة يفترض أن تحصل المملكة العربية السعودية من خلالها على أسلحة بمواصفات متطورة، أسلحة تسير بعضها بالأقمار الصناعية، والمضحك هنا أن الكيان الصهيوني الرافض لصفقة الأسلحة هذه، حصل بدوره على مثلها منذ التسعينات، كما قام باستخدامها في حربه الأخيرة على لبنان.

سياسة الابتزاز تلك أوضحها مؤخرا مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية فوفقا لما ورد في إحدى الصحف المحلية، جاء على لسانه: (لا يبدو أن الأمر سينتهي دون حصول الإسرائيليين على شيء)!! كما أكد مسؤول آخر في وزارة الدفاع الأمريكية تلك المطامع بقوله: (إن إسرائيل عبرت عن القلق من أن هذا الاقتراح - يعني صفقة التسلح السعودية - يمكن أن يؤثر على تفوقها العسكري النوعي) وعليه تدار حاليا المناقشات بين الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية التي تتعلق بمضاعفة المساعدات العسكرية من خلال صفقة جديدة تهدف لتطييب خاطر الابنة المدللة، المتطلعة بشغف لزيادة الدعم الأمريكي لجيشها بما يقارب ثلاثة مليارات دولار..! زيادة يتكفل بتوفيرها دافع الضرائب الأمريكي.

إلا أنه من المؤسف أن نجد أن الإدارة الأمريكية وقد استجابت للضغوطات الصهيونية تؤجل إبلاغ الكونجرس رسميا بمضامين هذه الصفقة إلى نهاية شهر أبريل الحالي، والذي سيقرر بدوره إتمامها من عدمه، وأنا في هذه الحالة لا أخفي تطلعي وبنوع من الثقة لمجلس النواب الأمريكي ولرئيسته نانسي بيولوسي، التي أظهرت خلال نشاطها الأيام الماضية ما يدعوني للتمسك بالمفردتين التاليتين (لعل.. وعسى).

وإن كنت كغيري أؤمن أن طلب الكيان الصهيوني تأجيل صفقة كهذه ليس غريبا، فقد اعتدنا هذا التدخل منه كما اعتاده العالم، بل إن مرور هذه الصفقة دون عرقلة لمجرياتها تدار بأيدي اللوبي الصهيوني في أمريكا وبتوجيهات من ساسة الكيان الصهيوني، يعد أمر غريبا يدعو للتفكير والتأمل، فعدم حدوث مثل هذا التدخل إثر أي نشاط سياسي أو عسكري أو حتى اقتصادي يحدث بين المملكة العربية السعودية وأمريكا، يكون خروجا على المألوف، على أية حال لم يعد لتحركات هذا الكيان أو سكونه قيمة تذكر، فالقافلة ستسير- بحول الله - تاركة خلفها إزعاجاً أدمنت على سماعه لسنوات، وبالتالي لم يعد يترك الأثر الذي أريد منه ولله الحمد والمنة.
ولا شك أننا نذكر ما حدث في 28 أكتوبر 1981م، من تصويت تم داخل أروقة مجلس الشيوخ الأمريكي والذي انتهى بأكثرية 52 صوتاًً مؤيدا لقرار بيع طائرات" الأواكس" للسعودية مقابل 48صوتاً رافضاً لتلك الصفقة، علما بأن من أهم المميزات التي تمتاز بها طائرات "الأواكس" قدرتها على رصد التحركات التي قد تجري على الحدود الإقليمية لمالكيها، وبالتالي كان مفهوما لدينا رفض هذا الكيان الذي يدعي سعيه للسلام امتلاك المملكة العربية السعودية لمثلها، فمن شأن ذلك رصد أي تحرك صهيوني يحاول الاقتراب من حدود المملكة.

لقد كان وما زال طبيعيا ومنطقيا أن تستثمر المملكة العربية السعودية جزءاً هاماً من مداخلها النفطية في تسليح البلاد، وسياسة كهذه لا تعني بالضرورة الرغبة في افتعال الحروب أو المشاركة فيها، خاصة لدولة كالمملكة العربية السعودية التي عرف التاريخ عنها عدم تدخلها في شؤون الآخرين، وعدم سماحها للآخرين بأي تدخل في شؤونها الخاصة، وبالتالي كان من الحكمة والواجب تحصين الحدود بما يكفل أمنها وأمن مقدراتها ومواطنيها والمقيمين فيها.. بل إن عدم نهجها لهذا النهج يضعها في موطن التساؤل من قبل مواطنيها، ومحبيها،إذ ليس من الحكمة أن تترك أرض كالمملكة العربية السعودية الغنية بتراثها الإسلامي، وموقعها الجغرافي المترامي، وغناها بالثروات الطبيعية الحيوية، دون حماية ممن تسول له نفسه اختلاس النظر في مقدراتها ومكتسباتها، وليس من الحكمة ترك الأبواب مشرعة لكل من تسول له نفسه الانقضاض عليها، كما ليس من الحكمة أن يدفع الولاء الأمريكي للسياسة الصهيونية دولة هامة عربيا وإسلاميا كالمملكة العربية السعودية للبحث عن حلفاء آخرين شرق العالم أو غربه، حلفاء تعقد معهم تحالفات سياسية وعسكرية واقتصادية، حلفاء يتطلعون للتعاون معها، فقد عرف عنها الوفاء والثبات والصدق، وتحالفات كهذه فيها مصلحة لكلا الطرفيين.

آمل من الإدارة الأمريكية إدراك أن المملكة يتوجب عليها تجاه مواطنيها عمل كل ما يمكن لضمان أمنهم وأمن أبنائهم ومقدراتهم الوطنية.. ومن هنا لا أفهم نجاح سياسة الابتزاز الصهيوني.. لا في تقديم مزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية فحسب، بل في زعزعة مصالحها مع دولة بحجم المملكة العربية السعودية.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط