اطبع هذه الصفحة


العداء للسعودية

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
أشعر بأن الواجب يحتم علي أن أوجه الشكر والامتنان للمواقع الإسلامية الإلكترونية، المتميزة في طرحها ومتابعتها للأحداث، فمع قلة رفقتي لها مقارنة بأبناء هذا الجيل إلا أنها كعادتها دوما سخية معطاءة سواء مع المقبلين أو المدبرين، مواقع كهذه لا تنأى بنفسها عن بيان خطط معلنة لمؤسسات غربية تهدف لإصابتنا في مقتل.
والعنوان الذي سطر أعلاه ليس من نتاج مخيلتي بل من خلال عرض تقرير أمريكي وصلني من خلال أحد تلك المواقع الإلكترونية، وهو التقرير الذي وضعت بنوده مؤسسة (راند) البحثية والتابعة للقوات الجوية الأمريكية، والخطير في هذه المؤسسة يكمن في كونها قادرة على تحريك السياسة الأمريكية الخارجية والداخلية، إذ غالبا ما تظهر آثارها على هذه السياسة، خصوصا التقرير الذي اعتمدته عام 2004م والذي دعت فيه إلى (إشعال الصراع بين السنة والشيعة)، و(العداء للسعودية). وغني عن البيان أن هناك من اعتمد تلك التوصيات وقام بتطبيقها، نجح في بعضها مع الأسف، والعراق الجريح يصرخ بهذا، وفشل في بعضها ولله الحمد والمنة.

على أية حال التقرير الأمريكي الذي عنون بـ(بناء شبكات مسلمة معتدلة) والذي نحن بصدد التحدث عنه هنا، صدر في 26مارس 2007م، وعرضه الدكتور "باسم خفاجي" في القاهرة، وهو مدير العلاقات العامة السابق بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير"، والمدير الحالي للمركز العربي للدراسات الإنسانية.

ولن أكون مبالغة لو قلت إن تقريراً كهذا يدفعنا دفعا للاهتمام بجوهر القضايا وترك القشور، خاصة في المملكة العربية السعودية، البلاد التي هي مطمع الكثيرين ممن قد يتعاملون اليوم معنا كأصدقاء وغدا قد نراهم طامعين في الحصول على نصيب من الكبش الثمين الذي عرفوه وعايشوه، واعتادوا تناول الطعام على مائدته كرما منه وحبا.

لا، لست مبالغة، ولا متوجسة، ولا متشائمة، وآمل ألا تكون نهايتي ونهاية قومي - حفظهم الله - كنهاية زرقاء اليمامة وقومها. فنحن على يقين بصدق الإحصاءات العالمية التي تؤكد خصوبة هذه الأرض وأهلها، فغناها وافر - ولله الحمد - ورجالها ونساؤها مباركون، إلى حد أصبح شبابنا بنين وبنات، هم معظم سكان البلاد، وبالتالي من الواجب علينا أن نهتم بهم وبفكرهم، ونحاول إيصال الحقائق لهم دون مواربة، ودون تحيز، نوضح لهم حقيقة ما نجده من تهديد من فئة إرهابية ليست منا فكرا وسلوكا، كما نوضح لهم في المقابل حقيقة الفكر النشط المنظم المدعوم من الخارج، فكر يعمل على توجيه ولاء هؤلاء الفتية والفتيات للغرب قلبا وقالبا، فالمؤسسات التعليمية والبحثية والإعلامية الخارجية تحاول جاهدة تغيير مفاهيم أبنائنا بحيث يزدرون كل ما هو موروث، ويجلون كل ما عداه من مفاهيم وأفكار وأنظمة اجتماعية، وحبذا لو تعارضت هذه المفاهيم والنظم المستوردة مع معطيات ديننا الإسلامي وتقاليدنا المتوارثة، وحتى أكون واضحة في حديثي أفيد القارئ بأن تجربتي والتي استقيتها منذ نعومة أظفاري ومن خلال مؤسسات تعليمية خارجية، تجعلني أجزم أن ذلك هو ما يراد لنا من البعض.

ولنرجع إلى خلاصة هذا التقرير الخطير، لقد حدد صفات المسلم المعتدل المستهدف بالدعم بالآتي: "الليبراليون الموالون للغرب، الذين لا يؤمنون بضرورة الالتزام بالشريعة الإسلامية، الرافضون للاحتكام للشريعة، المؤمنون بحرية المرأة في الاختيار والتعايش مع الرفيق- العشيق - وليس الزوج"، ولم يكتف التقرير بذلك بل حدد بعشر نقاط مقياسا يقاس من خلاله اعتدال المسلم المستهدف، فهو يروج لتيارين دينيين إسلاميين فقط هما: "التيار التقليدي" أي التيار المواطن البسيط الذي يكتفي بأداء الصلاة بصورة روتينية وليس له أدنى اهتمامات أخرى، و"التيار الديني الصوفي" الذي لا يضر مصالح أمريكا بشكل خاص، كما لا بد أن يكون أصحاب هذا التيار ممن يزورون الأضرحة، الشرط المعتمد لكل من هذين التيارين أن يكون كل منهما معارضا لكل ما يطرحه التيار الوهابي ولذا كان طبيعيا أن يحذر من "سطوة المال السعودي الوهابي" ولسنا بحاجة لبيان أن الدعوة الوهابية نابعة جملة وتفصيلا من المذهب الحنبلي، ولسنا في حاجة لبيان أننا لا نعرف الدعوة الإصلاحية للإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بالوهابية، ولسنا بحاجة أيضا لبيان أنهم عند ذكر "الوهابية" إنما يقصدون الإشارة إلى بلادنا المملكة العربية السعودية.

والغريب في هذا التقرير كما أشار الدكتور خفاجي في عرضه أن تقاريره السابقة كانت تزعم أنها تدعو لمساندة المسلمين المعتدلين، في حين جاء تقرير عام 2007م واضعا كل المسلمين في سلة واحدة، إذ دعا إلى التعامل مع المسلمين ككل لا الإسلاميين المتطرفين، فقد عبر عن ذلك بقوله "إعادة ضبط الإسلام" دون تفريق بين المتطرف المنبوذ حتى من قومه، وبين المعتدلين الذين هم الغالبية العظمى من المسلمين كما يطرح تقرير "راند" وضع فكرة الاستعانة بتجربة الحرب الباردة لضرب الشيوعية من الداخل، في التعامل المستقبلي مع العالم الإسلامي، عن طريق بناء أرضية من المسلمين أنفسهم من أعداء التيار الإسلامي، والاهتمام بالجانب الإعلامي مثل تجربة راديو (ليبرتي) الذي كان موجها لروسيا الشيوعية، وهنا أشار الدكتور خفاجي لما تنفقه الفضائية "الحرة" وراديو "سوا" من مبالغ تصل إلى(671) مليون دولار سنويا، تتكفل بدفعها وتوفيرها الإدارة الأمريكية، علما أن الدستور الأمريكي ينص صراحة على عدم تمويل الحكومة الأمريكية لأي مؤسسة إعلامية!

ولست هنا في موضع الفكاهة لأضحك أو لأضحككم على ما قد يعتبره بعضنا أضغاث أحلام، إذ حقيقة أخشى أن يضحكوا هم في النهاية لو عمدنا مع سبق الإصرار والترصد إلى إهمال توضيح الحقائق لأبنائنا وبناتنا، فالأفكار الغربية تروج عامدة تخدير عقولهم عن طريق تشويه مقدراتنا الدينية والوطنية، مستخدمة مصطلحات فارغة في مضامينها، فتلك ديموقراطية تدار عجلتها على أرضهم بأموال أصحاب المصالح، وتلك حرية هي أشبه بالإباحية الفوضوية من حرية العقلاء، وهذا دين ووطن يراد أن يفرغ من مضامينه لتحل بدلا منها مضامين غريبة موحشة.

إن ما أطلبه اليوم أوجهه للوطن "المملكة العربية السعودية" بشكل خاص، وللعالم العربي والإسلامي بشكل عام، ولكل المؤسسات الدينية والفكرية والإدارية والإعلامية، للنظر للقريب والبعيد من أيامنا، لنخطط لسنوات قد لا نكون سائرين على الأرض حينها، لنعيش لا ليومنا أو لغدنا القريب بل للبعيد، لننظر إلى عام 1450هـ 2030م.

أما صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير عسير، فقد أعلن الأسبوع المنصرم عن دراسة مستقبلية طموحة تم اعتمادها - ولله الحمد - للتنفيذ على أرض عسير في غضون ربع القرن القادم، الدراسة تهدف ليس فقط لتنمية أرض عسير وثرواتها، بل أيضا لتنمية الإنسان العسيري ذكرا كان أم امرأة، له دون غيره أطالب ومن منطلق رئاسته لمؤسسة الفكر العربي بالعمل على دعوة الدكتور "باسم خفاجي" وأمثاله ليكون ضمن أعضاء (مؤسسة الفكر العربي) خاصة أن له تجربة في خدمة المراكز البحثية الفكرية، كما أنه حاليا مدير" المركز العربي للدراسات الإنسانية" وإن كنت أتمنى أن يصلني ما يؤكد أنه حاليا يحمل عضوية المؤسسة.
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط