اطبع هذه الصفحة


كان يا ما كان في قديم الزمان

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
أحاول ألا أتابع نشرات الأخبار، ألا أتوقف عند عناوين الصحف، أحاول ألا أتحدث.. بل ألا أفكر، لأني لا أملك إزاء ما يحدث من مهازل إلا أن أقول (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) لقد أصبحنا نمجد هدر دمائنا، تفريج كرب أعدائنا، أصبحنا خبراء في حفر القبور ودفنها.

أليست تلك أطلال خطوطنا الحمراء التي ألفنا وجودها واحترامها، أين هي؟! لم يعد لها وجود بيننا، محوناها بأقدامنا، ويد الظالم والمظلوم في هذه الجريمة سواء، الدم الفلسطيني تلوث بيد أهله، والعراق لم تعد العراق التي عرفناها،بل أشد ظلما وجورا، ولبنان حلم لم يولد إلا ليقتل، والسودان إلى أين يسير، وإيران يخيل لنا تارة أنها تجيد اللعب،وتارة متهورة لا تقدر العواقب، والصومال تبكي وأفغانستان تنتحب، ومن التالي ؟ الله أعلم، والله خير حافظا.

أخجل عندما أنظر لأطفالي، عندما أفكر في يومهم وغدهم، عندما أرفع أكف الضراعة للمولى سبحانه أن يجعل حياتهم مليئة بالنجاح والتوفيق والرخاء، عندما أطمع بمزيد والمزيد من كرمه، وعندما أسعى لذلك وأحرص عليه، أخجل عندما أحمده سبحانه كوني لست من تلك الضفة ولا ذاك القطاع، ولست من الأرض المتناحرة، ولا من الشمال المحترق..نعم لم أختر يوما أن أكون من هنا، ولم تختر أخرى أن تكون من هناك، لم أختر أن أنام قريرة العين آمنة مطمئنة، ولم تختر هي أن تنام في أحضان من يهدد ويتوعد بتقطيع أجساد أولادها، قتل زوجها، وهدم سقف بيتها، وتشريد أسرتها، أخجل.. ولكني أحمد المولى أني هنا ولست هناك مكانها.

بالله عليكم ما نملك إزاء تلك الأوضاع، هل ننظر، هل نضع الحلول، ولمن ؟ لمن أعلن انتحاره، وهون على أعدائه الكثير من العناء، لمن جعل من أمته أضحوكة التاريخ، ومهزلة المهازل، لمن باع قضيته وشوه صورة نضاله، ثم ما الذي سيكتبه التاريخ عن هذا الانكسار ؟ وما الذي سندرسه لأبنائنا ؟ أم سنعمد للكذب وتجميل الحقائق ببطولات وهمية وانتصارات فلكلورية ؟ أم سنضع أنفسنا موضع المتهم المعترف بذنبه ؟ ثم هل نحن بعد هذا قادرون على مواجهة أخطائنا والاعتراف بها وإصلاحها ؟ أم إننا سنضع حمل هذا الانهزام على أكتاف أول من يصادفنا في صراعنا ؟ وعلى فرض أن هناك من حاك ودبر في الظلام، فكيف تمكنا من تمهيد الطريق له، وإمساك شمعدانه، ثم كيف أفسحنا له المجال ليمرح، ليرقص على جروحنا ويضحك من آلامنا؟ كيف استطعنا خيانة التاريخ والوطن والأمة؟

الدبلوماسية السعودية والعربية تحاول صنع المعجزات، فهل بعد ذلك كله ستلتزم الأطراف المتنازعة فيما بينها بما اتفق عليه فيما مضى، أو فيما قد يتفق عليه؟ أم إنها لن تتراجع عن غيها إلا بعد فوات الأوان؟

وبعد هذا كله، هل أصبحت كاتبة هذه السطور كمن طالب ويطالب بنسيان من نسي نفسه؟ هل أنا اليوم كمن همه انحصر في حراثة أرضه فبذرها وسقاها وحرسها، ومن ثم حصد خيراتها؟ هل أنا اليوم أطالب بترك هؤلاء المتنافرين لظلمهم واستبدادهم، أم إن من الحكمة أن نسدد بينهم ونقارب لعلهم إلى رشدهم يرجعون ؟ الحقيقة هذه الأسئلة كافة تكمن في نيات من صنع واحتضن تلك الفتن ورواها بكيده وسلاحه، من عمد لتمزيق وحدة صف وعدنا بها وحلمنا بها، أم إن المصالحة العربية التي نادت بها قمة الرياض أصبحت في حكم كان يا ما كان في قديم الزمان؟!

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط