اطبع هذه الصفحة


موسم الأحزان

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
تمر الأيام وتنتهي ليبدأ غيرها وينتهي، وتبقى أحلامنا تتبدل كالفصول، صيف فخريف فشتاء فربيع، تارة نبكي وتارة نضحك، تارة نسرح وتارة نبوح، تارة نجد ونعمل وتارة أخرى نكسل أو نتكاسل، الخير والشر أمامنا يتصارعان.. يتناحران.. يتقاتلان، ونحن ما زلنا نسير على طريق معلوم و آخر مجهول.

لم ولن نكون قادرين - لو أردنا - على أن نحول هذا العالم إلى عالم فاضل، لأنه وباختصار ليس بفاضل، ولم يخلق ليكون، ولسنا قادرين على أن نساير تحولاته لأننا لم نخلق لذلك ولن نكون، نحب الحياة بنورها وظلامها، بفرحها وبدموعها، لأنها باقية بذلك كله، قد نفزع من تغيير القوالب بألفاظ منتقاة، تخفي في باطنها ما لا تظهر، ولكننا في الوقت نفسه نتجنب الوقوف أمام مرآة لا تعرف إلا وجه الحقيقة، فأمامها قد ننهزم، ومن ثم قد ننزوي خلفها أو أمامها.

نتساءل دوما: هل للسعادة وصف؟ وهل هناك من هو سعيد بالمطلق؟ هل النجاح سعادة؟ هل الصحة سعادة؟ هل حب الناس سعادة؟ وهل إسعادهم سعادة؟ وهل الغنى سعادة؟ قد نجد الرضا في ذلك كله أو في بعضه، أما السعادة بالمطلق فلم تعرفها هذه الحياة.

لسنوات أدمنا النظر في أحوال الناس وفيما تخفيه ابتساماتهم وضحكاتهم، فوجدنا سخاء في المشاعر والأحاسيس وفقرا، تكاملا وتجاذبا.. تضاربا وتنافرا.. حبا وكراهية.. نصرة وخذلانا.. نجاحا وفشلا.. التقاء وافتراقا، هناك طفل صغير لم تقبله أمه لأنه بزعمها مشروع رجل، وتدليل الرجال يضعفهم، وهناك فتاة شابة لن تسمع مديح والديها، لأن المديح يفسدها، هناك جدران تخفي خلفها نفوساً لم تعرف الحب ولم تتعلمه ولم تفهمه، هناك من هجر صفحات تحمل السكينة وراحة البال، أو تجاوز آياتها المباركة على عجل، فلا هو تدبر ولا هو اتعظ، وهكذا ظل جامد الفؤاد والروح والجسد، باحثا في طريقه عما لا سبيل إليه، سعادة كاملة لحياة كاملة !! سعادة لم يذقها بشر قبله ولا جان.

حياتنا على ما فيها كريمة سخية، معطاءة جوادة، تقبل تارة وتدبر تارة، تضحك تارة وتنوح تارة، ولكنها لا تشوح بوجهها بالمطلق، سخرت لنا كل مفرداتها وأدواتها، فيها ما يغرينا لنقع في حبائلها، تعمد لتمهيد الطريق فنرى من خلاله الحق حقا، نقبل عليه.. نلتصق به.. ونحيا له.

لا أعرف لِمَ علينا أن نرقص على أنغام لا تستسيغها آذاننا؟ ولِمَ يتوجب علينا أن نصفق لمصطلحات بعيدة عن مفاهيمنا؟ ولِمَ علينا أن نذوب ونضمحل؟ ولِمَ علينا أن نتقوقع في زاوية من زواياها؟ ولِمَ علينا أن نكسو حضارتها وتراثنا ومستقبلنا بكساء قاتم؟ ثم لما علينا ألا نخطط للغد القريب والبعيد؟ لِمَ لا نحتضن شباب هذا الوطن الذي أدمن البكاء في موسم الأحزان؟! لِمَ لا نضع الحلول والخطط على أرض الواقع لمن أراد إكمال مسيرته العلمية من أبنائنا وبناتنا، أو لمن أراد منهم البدء في حياته المهنية أو الأسرية؟ لِمَ نحن عاجزون مع عظم ميزانيتنا وسخائها عن تحقيق أحلامهم وأحلامنا فيهم؟ لِمَ تثاقلت أقدامنا فلم تعد تتحرك إلا في مكانها؟ ولِمَ امتهنا البكاء على الإطلال.. على أفكار عمدنا إلى تنظيرها وبروزتها؟ لِمَ صمتنا؟ لِمَ قتلنا مستقبل هذا الوطن بأيدينا؟ لِمَ تشاغلنا بشباب ولى؟ لِمَ ساهمنا من حيث ندري أو من حيث لا ندري بتحطيم فلذات أكبادنا؟ لِمَ عجزنا عن مد يد العون لهم؟ لِمَ دعمنا موسم الأحزان بكل مقوماته؟ وأخيرا لِمَ كانت إجازة نهاية العام موسما للأحزان لا للأفراح؟
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط