اطبع هذه الصفحة


لأننا نتجرع المرارة أقول..

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
خلال الأسبوع المنصرم اتصلت بكاتب من صحيفة الوطن، ممن أثق بغيرته الوطنية وبعد نظره، والتمست من قلمه الاهتمام بمصير طلاب وطالبات الثانوية العامة، فقضية كهذه تزداد خطورة يوما بعد يوم، إلا أنه أشار علي أن أتصدر للكتابة فيها، ولذا عزمت على أن أفعل، وأن كنت أعتقد يقينا - والله أعلم - أنه الأقدر على تثبيت زواياها وتقريب أبعادها.

إن الناظر في وضع التعليم الجامعي في الوطن ليدرك أننا وصلنا إلى مرحلة صحية متردية استلزمت بتر أعضائنا طمعا في صحة أبداننا، وعليه فحاجتنا كوطن للبحث عن الداء والوقوف على الدواء أمر عاجل غير آجل، فعجز الجامعات الوطنية عن استقطاب الراغبين في التعليم العالي المؤهلين لهذا النوع من التعليم أمر واضح وجلي، ولا يمكن أن يفسر بأن جامعاتنا الوطنية تسعى للبحث عن النوعية المتميزة من خريجي الثانوية العامة، أو أنها عزمت الأمر على ألا تضم بين قاعاتها من لا يسمن ولا يغني من جوع، أو أن الواجب تقديم المقعد الجامعي الوطني لمن يستحقه من أبنائنا الذين هم بطبيعة الحال مختلفون في قدراتهم، وبالتالي فجامعاتنا الوطنية لا يفترض منها أن تستقبل كل المقبلين عليها، كما لا يمكن قبول القول في أن الجامعات ومعاهد التعليم العالي الخاصة، قد تكون البديل المقبول لبعض الطلبة، فمعلوم يقينا أن أقساط تلك الجامعات والمعاهد مرتفعة للغاية وبشكل قد يصل إلى نصف ما يتقاضاه الموظف طوال العام، ثم ولو سمعنا هذا القول لجاز لنا أن نحاججه بقولنا إن سياسة البلاد، وسياسة التعليم العالي السعودي لا تتعامل مع طلابنا وطالباتنا بهذا المقياس، فهي لا ترفض طلبة الثانوية الحاصلين على درجة امتياز، ولا الطلبة الحاصلين على درجة جيد جدا، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ثم من يستطيع أن ينكر أن موجة الابتعاث الحالية تعد الأكثر نشاطا منذ عقود، بل الأكثر على الإطلاق - والله أعلم -؟ من بإمكانه إنكار أو تجاهل مساندة التعليم العالي للطلبة والطالبات من الحاصلين على الثانوية العامة، ممن رغبوا في الابتعاث ابتداء أو ممن تقدموا بطلب الالتحاق ببرنامج الابتعاث؟ من يستطيع أن يتجاهل استحداث وزارة التعليم العالي لإدارة شبه مستقلة للابتعاث، إدارة تصب اهتمامها لخدمة المبتعثين؟ ومن ناحية أخرى، أتساءل: هل يعقل أن يحصل الطلبة على قبول من جامعات عريقة عالميا، ثم يتم ابتعاثهم برعاية الوطن وبدعم التعليم العالي، ثم نقول إنهم غير مؤهلين للجلوس على مقاعدنا الجامعية؟ ثم هل نحن ـ الجيل المخضرم ـ نملك الإعلان عن نتائج شهاداتنا الثانوية، التي هي - على الأغلب - وبالمفهوم الحالي غير معترف بها في جامعاتنا الوطنية؟

الواقع إن ما أخشاه أن يوجه المبتعثون ولاءهم وامتنانهم تجاه الجامعات الخارجية التي أفسحت المجال ليكون حلمهم حقيقة، خاصة أن خيار الغربة كان بمثابة قول القائل (آخر العلاج الكي) هذا جزء مما انتهت إليه دراسة إحصائية أمريكية حديثة، اختارت خيار أبناء وبنات هذا الوطن المبتعثين للدراسة على أرضها موضوعاً للبحث، فقد انتهت إلى أن الرغبة لم تكن المحرك الأساسي لمغادرتهم الوطن، لقد غادرونا بعد أن عجزنا على ضمهم لأحضاننا، غادرونا وهم بعد في مقتبل العمر، شباب غض لا يفقه من الأمر شيئا.

وأحمد الله المولى الكريم أن وزارة التعليم العالي ألزمت المبتعثة بمحرم لا ليرفع عنها بعضاً من مرارة الغربة بل ليؤنس وحشتها أيضاً، أحمد المولى أنها تكفلت بكل مصاريف المحرم المترتبة على مرافقته للطالبة المبتعثة، أحمد الله أنها أغرته بحصوله على فرصة لإكمال دراسته إن رغب بذلك، وأحمده سبحانه أنها شجعت أبناءنا المبتعثين على الارتباط إذ تكفلت بمصاريف زوجته وأطفاله في حال مرافقتهم له.

إن الواجب اليوم يحتم علينا وضع النقاط على الحروف، ومحاولة إيجاد الحلول التي تغنينا عن التعايش مستقبلا مع هذه الأزمة، ولنا أن نتساءل ابتداء: أين كانت وزارة التخطيط منذ ما يقارب العقدين من الزمان، وهي التي تملك صلاحيات الاطلاع على إحصائيات وزارة الصحة؟. كان يكفيها جمع عدد مواليدنا المتزايد ما شاء الله - لتقف على حاجة البلاد إلى مزيد من المدارس والجامعات وكل المرافق العامة، فالإحصائيات الحالية تؤكد أن شباب البلاد من سن 15 إلى 25 تصل نسبتهم إلى حوالي 65% من السكان، وهذه النسبة بطبيعة الحال كانت كافية لتمهيد الطريق وصب الأساسات ورفع الأعمدة، لا أن تترك جامعاتنا مكبلة الأيدي عاجزة عن استيعاب أبناء هذا الوطن، جامعات أصبحت هي في الواجهة، فلا عذر مقبول يمكن أن نقبله من إدارتها لرفضها أبناءنا وبناتنا الذين حققوا درجات أهلتهم لدراسة أدق التخصصات وأصعبها وفي جامعات عالمية.. ولا أدري في الواقع من المظلوم في هذه الحالة هل هم أبناؤنا وبناتنا أم جامعاتنا أم وزارة التعليم العالي، لكني بالتأكيد أعتقد أن وزارة التخطيط عليها أن تتحمل الجزء الأعظم مما نحن نتجرع مرارته اليوم.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط