اطبع هذه الصفحة


أربعة شباب

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
أربعة شباب لا أكثر استطاعوا أن يؤسسوا حركة، واستطاعوا كسب دعم ورعاية الأوساط السياسية والاقتصادية والإعلامية، أربعة شباب لم يكونوا يملكون الخبرة أو العلم الضروريين لتفعيل حركتهم، فالزاد الذي استندوا إليه في ذلك كان الحماس، هؤلاء هم نواة الحركة الاستيطانية (أور - الحركة من أجل المهمات الوطنية في أرض إسرائيل).

ويلاحظ على هذه الحركة أن مؤسسيها يزعمون أن حركتهم ليست حركة سياسية، إلا أن تقريراً نشر في صحيفة (يديعوت أحرونوت) عام 2005، يفند زعمهم هذا، فقد أشار إلى أن الشبان الأربعة الذين أسسوا الحركة هم خريجو وحدات قتالية في الجيش الإسرائيلي، إنهم ينتمون إلى التيار اليميني المتطرف في الساحة السياسية للكيان الصهيوني.

لكن الذي استوقفني في هذه الحركة حديثة العهد نسبياً لأتحدث عنها اليوم، هو ما استطاعت أن تحققه خلال فترة تواجدها القصيرة على الساحة الصهيونية، فقد أصبحت في الأعوام الأخيرة من أكثر الجهات تأثيرا في مجال التخطيط والبناء الاستيطاني في الكيان الصهيوني، كما أصبحت الجهة التي تنفرد بالسيطرة الكاملة على عمليات الاستيطان في النقب والجليل، كما استطاعت ومع أيامها الأولى أن تجمع حولها مؤيدين فاعلين في الكيان الصهيوني، أمثال شارون وزير البنية التحتية آنذاك، فمنذ سنوات وفي منزل أحد رجال الأعمال وأثناء اجتماع خصص للقاء شارون بعدد من رجال الأعمال من ممولي الكيان الصهيوني، كان لقاؤهم بشارون الذي في بداية الاجتماع تنحى جانبا ليجالس ويستمع لطموح هؤلاء الشباب الأربعة، والذين عمدوا ليبينوا له أنهم فور خروجهم من الخدمة العسكرية قاموا بدراسة الأوضاع السكانية في كل من النقب والجليل - والتي بطبيعة الحال يسكنهما العرب - وشرحوا له أنهم انتهوا إلى ضرورة وجود استيطان صهيوني في كليهما، فالنقب والجليل يشكلان 80% من احتياطي الأراضي داخل حدود إسرائيل المحتلة لعام 1967.

هؤلاء الشباب الأربعة تمكنوا من التأثير على شارون، لدرجة أنه قال لمضيفه في إشارة منه إلى رجال الإعمال الذي كان الهدف الأساسي من الاجتماع هو لقاءهم: (لا أعرف ما الذي سينجم عن لقاء أصحاب رؤوس الأموال هنا، إلا أني عقدت هذا المساء أهم صفقة مع هؤلاء الشبان الأربعة)!! كانت صفقة انعقدت بينهم وبين شارون وزير البنية التحتية، إلا أنها لم تتوقف عنده، فقد استقطبت هذه الحركة اهتمام ورعاية شمعون بيريس، وبنيامين نتنياهو وغيرهما من رجال السياسة، وكذلك نالوا رعاية عدد كبير من رجال الأعمال وعلى رأسهم ستيف فرتهايمر أكثرهم نفوذاً، كما أن هذه الحركة وهي التي تفتقر إلى الخبرة، حصلت عام 2002 على عقد من وزارة الإسكان الصهيونية لبناء مجمعات سكنية داخل الخط الأخضر، وفي الأيام القليلة الماضية دشنت الحركة أعمال البنية التحتية لمستوطنة صهيونية جديدة في صحراء النقب، أطلق عليها (غفعات بار) والتكلفة الإجمالية لهذا التوجه الاستيطاني في النقب، جند له وبمشاركة أمريكية 600مليون دولار.

هذه العمليات الاستيطانية لم تكن لتنجح دون ترحيل العرب من قراهم وأراضيهم إما بإقناعهم بالرحيل أو بهدم السلطات لبيوتهم أو هدمها للإحياء كاملة إذا استلزم الأمر، وهذا الترحيل القسري لا يخجل الكيان الصهيوني من الاعتراف به، واضعاً نصب عينه تقديم تبريرات قولبها لتكون قانونية أمام الرأي العالمي.

لقد نجح هؤلاء الشباب مع كونهم من اليمين المتشدد في استقطاب الدعم الداخلي والخارجي!! لقد نجحوا مع كونهم لا يملكون من مقومات النجاح إلا الحماس، لقد وجدوا من السلطة السياسية والمالية والإعلامية من يستمع لهم ويمدهم بالدعم المادي والمعنوي، لقد فتحوا في مستوطنات النقب والجليل مدارس ورياض أطفال، كما سعى أفراد هذه الحركة وبهدف توفير فرص وظيفية جيدة للسكان لإقناع الكثير من أصحاب الشركات لفتح فروع لها في تلك المستوطنات، كما حاولوا إقناع أصحاب المصانع فتح فروع فيها أو بالقرب منها، وهم فوق هذا استطاعوا الحصول على تمويل أجنبي لتحقيق غاياتهم الاستيطانية.

وأنا هنا لا أناقش الغاية من هذه الحركة ولا مكامن ضعف أو قوة أفرادها، ولكن ما أثار استغرابي هو الدعم الذي وجهه الكيان الصهيوني لها؟! وعلى أية أسس قدم دعمه هذا؟! إن مؤسسي هذه الحركة اليمينية المتشددة لم يملكوا العلم ولا الخبرة. ومع هذا استطاعوا أن يحققوا ما أرادوا، وأن يبنوا أسسهم من فراغ، ودون أرض ثابتة استندوا عليها.

وأتساءل هل بالإمكان أن نتعلم الدروس من أعدائنا، هل سيجد أبناؤنا الدعم الذي يستحقونه، شباب لا نقبل أن تكون أهدافه وفق رؤيا صهيونية غاصبة، شباب يستحق أن يستمع إليه، وأن يقرب، وأن يمهد له الطريق ليبني على أسس واضحة ومدروسة، لعله يذكرنا يوماً بخير، لعله يقدم لوطنه بعض مما عجزنا أن ننجز.. إما تكاسلا، أو تهاونا، أو دلالا.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط