اطبع هذه الصفحة


تطبيقات خاطئة للطلاق الإسلامي

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
بالتأكيد لن يكون الطلاق بالمطلق نعمة، إلا انه قد يكون نعمة لو تعاملنا معه من منطلق إسلامي، لو تربينا كمجتمع على مراعاة جميع أطرافه، لو احترمنا حياتهما قبل الطلاق وبعده، لكن المشاهد مع الأسف أننا كبشر أهدرنا كرامة الأطراف المعنية، ووقفنا منهما مواقف سلبية، نظرنا إليهما بازدراء، وأدخلناهما في دائرة الشبهات، وحاولنا التطفل على حياتهما سعيا للوقوف على أسباب ومسببات ذاك الخيار، بل لم يرتدع بعض ضعاف النفوس من إضافة مواقف لا تمت للواقع بأية صلة، جاعلين من طلاق فلان وفلانة حديث المجالس، في حين الويل كل الويل لمن يحاول مجرد الاقتراب من بيوتهم التي قد تحوي في داخلها نفوسا حزينة وجدرانا مهدمة!.

أنا هنا لا أدافع عن الطلاق ولا أقبله إلا كقول القائل: (آخر العلاج الكي) فللزواج في الإسلام مكانة رفيعة، فهو بشهادة المولى سبحانه ميثاق غليظ، ولكني أتحدث هنا عن مفاهيم خاطئة عن الطلاق في مجتمعاتنا، وأتساءل لم اندفع الناس تلهفا لسماع ما يجرح الآخرين، وأين المنفعة من سماع كلام يراد به التقليل من قدر أبنائنا وبناتنا، أتساءل عن أسباب تطبيقنا الخاطئ لطلاق إسلامي رائع .

ومن ناحية أخرى لا أفهم كيف للرجل السعي بحديثه لإذلال من كانت يوما زوجته وأم عياله، أو من كان يفترض أن تكون أم عياله، وهل فعل ذلك لأنه يخشى توجيه التهم إليه، ألا يكفيها ألماً أن حلمها الذي لازمها لسنوات في أن تكون زوجة وأماً قد انتهى، ثم كيف له أن يأتى بسيرتها بعد أن أصبحت في حكم الغريبة عنه، ثم لم اندفعت هي بدورها تسابقه في هذا المضمار، ثم لم تحولت علاقة كان يراد لها أن تدوم بالود والرحمة إلى بغض وعداء..

وهنا يتوجب تذكير الإخوة والأخوات بأن التشريع الإسلامي وجه الزوج قبل أن يوقع الطلاق إلى إجراءات يمكن لنا أن نسميها إجراءات وقائية، فبين أنه عند وقوع الخلاف بين الأزواج، يتوجب عليهما اللجوء للتحكيم فيختاران حكما من أهلها وحكما من أهله، يعرضان عليهما بسرية تامة موضوع الخلاف، لعل الله يهدي السرائر فتنصلح النفوس، قال تعالى : (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) المطلوب في هذه الحالة حكم واحد من كلا الأسرتين لا الاحتكام كما هو معتاد عند البعض للأسرة بأكملها، ولكل الأقارب وجميع المعارف والجيران.

كما أعجب كيف للزوجة أن تخرج من دارها وتفارق بيت زوجها، في فترة عدتها عند طلاقها الأول أو الثاني!! فالواجب عليها أن تبقى في منزلهما تمارس حياتها كما اعتادت، بل عليها ألا تحجب زينتها عن زوجها.

ثم أين هي الصورة الطيبة للطلاق البائن التي شرعت لنا في الإسلام، صورة تكاد تكون مغيبة عن واقعنا مع الأسف، فأبنتنا لا تعود في حالة طلاقها إلى بيت والدها مكرمة معززة كما أمر الله سبحانه، وزوجها لا يغلف طلاقه بإحسان ولا يكسوه كساء جميلاً، وقد أمره الله سبحانه بذلك، ثم كيف يتأتى ليخرجها من داره بعد أن خدش كرامتها وأنتقم منها، وكيف لم يتوقف عند قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، وعند قوله سبحانه: (فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلا) ،ثم كيف لبعضهم أن يعذب زوجته متطلعاً للخلع، بعد أن عاشت في بيته زوجة ورفيقة، بعد أن سلمت له نفسها آمنة مطمئنة، قال تعالى: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا).

نحن جميعا نعلم أن بيننا فتيات هن مثالاً للفتاة المسلمة صاحبات خلق رفيع، حسنات المنظر، متعلمات صبورات، يملكن كل مقومات الزوجة الصالحة، ومع هذا وقع عليهن الطلاق، فهل هذا يعيبهن؟! أو يقلل من قدرهن؟! كما صادفنا رجالاً صالحين انفصلوا عن زوجاتهم لسبب أو لآخر، فهل هذا يعيبهم، أو يصمهم بالعار؟!
الطلاق الذي نراه اليوم لا يمت للطلاق الإسلامي بصلة، ونحن نحتاج لتجديد ثقافة الطلاق بيننا، علينا أن نتعلم كيف نحترم أنفسنا في حال الاجتماع وفي حال الفراق، علينا أن نعلم أبناءنا وبناتنا، الحقوق الإسلامية التي كفلها الله للزوجة والزوج، في حالة الزواج وحتى في حالات الطلاق، علينا أن نعلمهم كيفية تطبيقها على الأرض، وألا نكتفي بالتنظير.

وأود هنا قبل أن أنهي هذه السطور أن أقول للمطلقات والمطلقين الذي راعوا الله في طلاقهم هنيئاً لكم فقد تكفل الله بتطييب خواطركم، فقال تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته، وكان الله واسعا حكيما).

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط