اطبع هذه الصفحة


هذه القضية خاسرة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
في صباح أحد الأيام دخلت إلى مكتبي إحدى الزميلات العزيزات شاحبة الوجه متورمة العينين، كان لا بد أن أتوقف للاستفسار عن أسباب ضيقها، فلم نعتد رؤيتها على هذه الحالة، (لا تخشي شيئا) قالت لي (إنه الضنى، سافر للخارج منذ أيام للدراسة، بعد أن حصل ولله الحمد على منحة للابتعاث من برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، الله يحفظه، لا أستوعب أن ابني البار الحبيب انقطعت أخباره إلا من رسائل جوال، نحن نجد صعوبة في إجراء مكالمة هاتفية نسمع من خلالها صوته ونسمع أخباره، كل هذا سببه فارق التوقيت تصوري!!

ثم أخذت تسرد معاناتها وأسرتها مع فارق التوقيت المتحقق بين الوطن وبين البلاد التي توجه إليها ابنها لتلقي العلم، فقالت (عندما نستيقظ يكون ابني في نهاية يومه الدراسي، وبالتالي ليس من الممكن أن نتحدث معه، إذ لا يمكن له أن يغادر قاعات المحاضرات، وعندما نعود جميعاً إلى المنزل مع نهاية الدوام الرسمي يكون ليل ابننا قد بدأ، وكثيرا ما نوقظه من نومه للحديث معه، وعندما حاولنا تنظيم وقتنا مع صباحه تطلب منا السهر إلى ساعات متأخرة من الليل، فنهاره ليلنا، ونهارنا ليله.
كان يجدر بي أن أهدئ من سرها وأبارك حصول ابنها على منحة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله، منحة ستضعه إن شاء الله على المسار اللائق به، فهو الابن المعروف ببره وجده واجتهاده منذ نعومة أظافره.

إلا أني لم أفعل ما كان يجب أن أفعل، فقد نقلني كلامها لساحل آخر، بعيد كل البعد عن تلك الملامح الحزينة الصامدة أمامي صمود جبال عسير.. لقد نقلتني مشكلتها إلى ما هو دائر هذه الأيام بين بعض الأوساط الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، والتي ما فتئت في الفترة الأخيرة تلح بشكل أو بآخر على ضرورة تغيير إجازتنا الأسبوعية لتواكب إجازات العالم القابع في أقصى الغرب وأقصى الشرق.

وهنا كان لا بد أن أذكر هؤلاء والمؤيدين بحقائق فلكية معتبرة في الأوساط العلمية، حقائق تتعلق بفارق التوقيت بين شرق الأرض وغربها، فالأرض تدور حول نفسها، وينتج عن دورانها حول نفسها كما هو ثابت عدة ظواهر فلكية منها اختلاف التوقيت على سطح الأرض حسب شروق الشمس وغروبها ولذلك نجد أن شروق الشمس يتأخر كلما اتجهنا إلى الغرب، ويتقدم إذا ما اتجهنا إلى الشرق، وبالتالي اختلف توقيت الدول بعضها عن بعض، بل مدن عن أخرى، فعلى سبيل المثال:
* إذا كانت الساعة في المملكة العربية السعودية 8 صباحاً، كانت في نيويورك 12 منتصف الليل.
* إذا كانت الساعة في المملكة العربية السعودية 8 صباحاً، كانت في أستراليا 3 عصراً.
* إذا كانت الساعة في طوكيو 9 مساءً، كانت في نيويورك 7 صباحاً، وكانت في سان فرانسيسكو تشير إلى 4 صباحا في اليوم والوقت نفسه.
كما أننا لو حاولنا رصد التوقيت بين شرق العالم وغربه لوجدنا أن الفرق بين الزمنين قد يصل إلى يوم كامل. فعلى سبيل المثال:
* تشير الساعة في شرق جزر أوكلاند إلى الثانية عشرة ليلاً، وفي اللحظة نفسها تشير الساعة في جزر هاواي إلى الغرب إلى الثانية عشرة ليلاً... ولكن في اليوم السابق.

وهكذا قد يتعين على المرء أن يقدم ساعته يوماً كاملاً إذا توجه غرباً، وأن يؤخرها يوماً كاملاً إذا توجه شرقاً، ولذا فالاختلاف في التوقيت متحقق من دولة لأخرى بل من مدينة إلى أخرى...هذه المعلومات الفلكية ستجدها في دراسة أعدها (علي حسن سالم) تحت عنوان (التوقيت والتقويم).
وهنا أتساءل عن الجدوى الاقتصادية العظيمة التي تستلزم تغيير الإجازة الرسمية في بلادنا المملكة العربية السعودية، ليكون السبت ضمن أيامها، إذا كان نهار غرب العالم وشرقه يعني ليلنا، ونهارنا يعني ليلهم، وإذا كانت بداية دوامنا صباحا تعني نهاية دوامهم مساء!
إن تغيير الإجازة لن يحل معضلة رجال الأعمال المطالبين بهذا التغيير، ولن يلغي صرف بدل الإضافي لموظفيهم، فالدوام الليلي للقلة القليلة من موظفيهم سيبقى، وكل ما هنالك أن بدل الدوام الليلي المدفوع سيكون عن ليلة السبت بدل ليلة الخميس!
إن من اعتمد السبت والأحد إجازة له قد تكون له مبرراته الخاصة، مبرراتهم لا تنطبق علينا، أما ما هو مطروح من مبررات رجال الأعمال لتغيير أيام الإجازة الرسمية في المملكة فهو في محتواه حجة عليهم لا لهم، فهذا التغيير لن يجعل دوامهم كدوام مركز التجارة العالمية بأية حال إلا إذا استطاعوا أن يوقفوا دوران الأرض حول نفسها، ولن يحقق لهم أرباحاً أكثر مما بين أيديهم بفضل الله، أما الاتفاقيات التجارية العالمية، فقد تمت بيننا وبين الأطراف المعنية على احترام خصوصياتنا، وعلى ألا يحدث أي تدخل في نظام حياة كل منا، وإلا جاز لنا أن نطالبهم بتغيير إجازاتهم لتوافق إجازاتنا.
بلادنا كانت وما زالت عزيزة شامخة، آمل ألا يأتي من بيننا من يحاول تغيير ما ألفناه من شموخ وعزة، فلم نكن يوما تحت سلطة محتل عسكري، ولا نقبل أن نكون تحت سلطة محتل اقتصادي، فقد أغنانا الله بواسع فضله، وجعل أيدينا تمتد بالخير شرقا وغربا، ومن هنا لا أجد أي مبرر اقتصادي أو غير اقتصادي لهذا الخذلان، وبالتالي هذه القضية خاسرة.
وقبل أن أنهي حديثي اليوم أضع أمام القارئ الفاضل قولا كريماً لرسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، والذي جاء فيه (لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال فمن.؟!) أخرجه البخاري.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط