اطبع هذه الصفحة


عيد الفطر في جنيف

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
عندما تكون عيناك أيها القارئ الفاضل على هذه السطور تكون أعناق الكثيرين متوجهة نحو غرب المملكة العربية السعودية متطلعة لوضع حجر أساس صرح أكاديمي سعودي أقرب للخيال، وبيمين مؤسسه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بارك الله بها.

هذه هي بلادي سلسلة متصلة الحلقات يكمل كل منها الآخر، فيومنا هذا يحفه خير وافر على أرض مهدت ولسنوات لتكون منجبة وحاضنة بإذن الله للخير كله، خير تجاوز حدود أرضنا ليشمل العالم، فمن خلال مشاركتي الشهر المنصرم ضمن وفد مثل إحدى المؤسسات الوطنية في جنيف، اقتربت من بعض الحقائق السعودية التي هي في واقعها تستحق الفخر، ففي مساء الخميس الموافق 29 رمضان 1428، وعندما كنت متشاغلة بإعداد حقيبتي وحقيبة ابني أسترق النظر بين الوقت والآخر إلى عقارب الساعة، إذ بعد ساعات معدودات سنكون بحول الله محلقين باتجاه الوطن نمني أنفسنا بالاحتفال معه بعيد الفطر المبارك، ونصلي العيد مع جموعه، نتقبل التهنئة، نحتضن الأحبة،نتابع ضحكات أطفالنا ومرحهم.

إلا أن أهم أحداث هذا اليوم بالنسبة لي هي صلاة العيد، فمن لا أسرة له قد يجد في جموع المصلين أسر تهنئه وتدعو له، إضافة إلى أني أعترف بتطلعي كل عام بشغف لهذه الصلاة التي تحمل الخير لأهلها، فمن جهة هي تطبيق لشعيرة إسلامية، ومن جهة أخرى أجدها جالبة لمنفعتي النفسية، ولذا كان إلحاحي أن نصلي العيد في جنيف ما دامت حكمة المولى سبحانه وتعالى قضت أن نقضي العيد فيها وهو ما كان مخططاً له مسبقاً من قبل رئيس الوفد ولله الحمد.

وهكذا توجهنا صباح يوم العيد للمؤسسة الإسلامية الثقافية الواقعة في حي( بيتي ساكوني) أحد أرقى أحياء مدينة جنيف، والمقام على أرض مساحتها 8000 متر مربع تحيط به الحدائق من جميع الجهات، لنصلي في الجامع الكبير التابع لها، والذي صمم ليتسع لأكثر من 1500 مصل، كما يوجد فيه مكان خاص للنساء لأكثر من 500 مصلية، وقد ظننت للوهلة الأولى أنه خال، فمن جانب كان صادف يوم العيد يوم الجمعة، وبالتالي لم يوافق الإجازة الأسبوعية الرسمية لسويسرا، ومن جانب آخر عدد أفراد الجاليات الإسلامية المقيمة في سويسرا التركية منها والألبانية والبوسنية والصومالية والآسيوية والعربية إضافة إلى المسلمين السويسريين قليل نسبيا مقارنة بعددهم في دول أوروبا الأخرى، إلا أني وبكل بساطة اضطررت للصلاة في ملحق تابع للمسجد، وأحمد الله أني وجدت موضع قدم فيه، فبسبب الازدحام لم يكن هناك مجال للصلاة في المكان المخصص لصلاة النساء، أما ابني ورفاقه فقد وجدوا في المسجد بضعة أشبار اقتحموها عنوة، ليجدوا أنفسهم ساجدين على أقدام المصلين. بسبب إقبال المسلمين المقيمين في جنيف على أداء هذه الشريعة الإسلامية ولله الحمد والمنة.

واللافت في هذه التجربة الأولى من نوعها بالنسبة لي، ليس العدد الغفير من المصلين بل اختلاف لغات الجاليات المسلمة، فقد كنت أسمعهم يبادرون بالسلام بقولهم (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ثم يعقبها كلام بالفرنسية والإنجليزية وغيرها من اللغات الشرقية والغربية، كان حالهم أشبه بممثلين عن العالم الإسلامي اجتمعوا ليعلنوا ولاءهم لهذا الدين العظيم، أما ابتساماتهم فكانت توزع على الحاضرين ممن عرفوا ومن لم يعرفوا، لقد أشعروني بفرح كنت أفتقده بعيدا عن وطني وأهلي.
أما الخطبة فقد كانت كخطبة الحرم المكي داعية لنشر معاني الحب والرحمة بين الأفراد والمجتمعات، حب الوالدين وحب الأزواج وحب الأبناء وحب الناس، والرحمة حتى بالحيوان، خطبة زادتني استقرارا، فقد أشعرتني بأني وإن كنت عندها بعيدة بجسدي فبروحي لم أكن.

إلا أني ألفت الأنظار إلى قضية أجدها هامة، فلغة الخطبة التي استخدمت كانت اللغة العربية وأعتقد جازمة أن المصلين والمصليات والذين ينتمون إلى جاليات متعددة لم يكونوا يجيدون اللغة العربية بشكل يكفي لتفهم المعاني السامية التي حملتها تلك الخطبة، وحبذا لو تترجم الخطبة ترجمة فورية لمعانيها باللغة القومية لكل دولة، حتى يتسنى استفادة المصلين والمصليات من مضامينها.

وأخيرا أود أن أبين أن هذه المؤسسة الإسلامية الثقافية المتواجدة على أرض جنيف حاليا، والتي تضم هذا المسجد الضخم، وجه ببنائه الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله عام 1393هـ1972م، وقد بلغت تكاليف بنائه 21 مليون فرنك سويسري تحملتها المملكة العربية السعودية وحدها بالكامل، أما افتتاحه فقد تم عام 1978 برعاية الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله، يشار هنا إلى أن هذه المؤسسة الثقافية الإسلامية تعتمد في مصروفاتها المختلفة على إيراد العقار الذي تم بناؤه على نفقة الملك خالد بن عبدالعزيز ونفقة ولي العهد آنذاك خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمهما الله،وعلى الدعم المستمر من حكومة المملكة العربية السعودية ..

والواقع أن الروعة التي لامستها لهذه المؤسسة دفعتني للبحث عن تاريخ إنشائها وعمن كان وراءها، ولكم أن تتخيلوا مدى السعادة التي ملكتني وأنا أقف عند معلومة تظهر أن أيادي بيضاء لثلاثة ملوك للمملكة العربية السعودية رحمهم الله، اتحدت في سبيل إنشاء مؤسسة تخدم الإسلام والمسلمين ..

ألم أقل لكم إن في بلادي سلسلة متصلة الحلقات يكمل كل منها الآخر...وها نحن اليوم نحتفل بوضع حجر أساس لجامعة سعودية تستقطب المبدعين وطنيا وعالميا, جامعة سيكون لها بحول الله الأثر الإيجابي في تغيير تاريخ العلوم، وفي نهضة الوطن والمواطن، والعالم الإسلامي بأسره، فلتحفك بركة الله يا مليك البلاد ياخادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز وليحقق الله بفضله حلمك حلم المواطن في نهضة الوطن.


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط