اطبع هذه الصفحة


جلوس المملكة العربية السعودية على مائدة أنابوليس

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
لا يخفى على أي متابع للسياستين الأمريكية والصهيونية عظم لهفتهما لجلوس المملكة العربية السعودية على مائدة أنابوليس، فلو لم ينته المؤتمر إلا بهذا الجلوس لعد انتصارا لهما، والغريب أنهما إلى الآن لم يدركا أن المملكة العربية السعودية لم تعتد بيع قيمها ومبادئها وأن حلمها لا يعني ضعفا، وأننا كوطن كنا وما زلنا نتطلع لسلام عادل يكون أساسه الأرض مقابل السلام، لا لاتفاق عقيم لا يرى إلا بعين واحدة ..عين أصابها عمى الألوان، عين يستلزم حالها إجراء عملية تصحيح نظر، وعلى يد جراح سعودي.

أما ما يسعى الصهاينة إلى تحقيقه من خلال هذا المؤتمر الأمريكي فهو نزع اعتراف عربي بدولة إسرائيل على أنها دولة خاصة بالشعب اليهودي دون غيره، وهو ما يحمل في طياته مآسي من نوع آخر، فاعتراف كهذا سيؤدي دون أدنى شك إلى تهجير جديد للفلسطينيين وبمساندة عربية، وسيؤدي إلى طرد السكان العرب ممن صبروا على ظلم المحتل الصهيوني ولأفظع صوره ولأكثر من نصف قرن، وأنا إن كنت على يقين أن بلادي سترفض مثل هذا الإجراء إلا أني أخشى أن نسمع أصواتاً عربية تؤيده، فلنقل نعم للأرض مقابل السلام لا للاستسلام مقابل السلام، فما معنى سلام نورثه لأولادنا، سلام لا يحمل إلا الاستسلام، نعم تعبنا من عراك استمر عقوداً من الزمان، نعم اشتقنا للأمن والأمان، نعم مللنا الحروب، نعم تاقت نفوسنا للصلح حتى مع الأعداء، لكننا مهما كان حالنا فهو أفضل من حال خصمنا الذي لم يعرف لذة النوم ولا هدوء النفس منذ ما يزيد عن نصف قرن، عدو يدرك أنه محاط بشعوب تدرك أنه غاصب لحقها،قاتل لأبنائها طامع في خيراتها، متطلع لفنائها،وبالتالي فلن يكون بقاؤه متحققا ما دام مستمرا في سياسة عفا عليها الزمان، فقد أصبحت لعبتهم معروفة، وخنادقهم مكشوفة، وحيلهم مفضوحة.

ولا أعلم، لم أجد أن الواجب تذكير بوش رأس السياسة الأمريكية وممثلها بما قاله لأولمرت في شأن المبادرة السعودية التي تبنتها الجامعة العربية، فقد نقلت صحيفة معاريف الصهيونية:(أنه طلب من حليفه أولمرت تلطيف تصريحاته بالنسبة للمبادرة العربية، وترك مجال لقبولها، من أجل إعداد الرأي العام وإعطاء فرصة للأمريكيين لتكييف المبادرة على قياس إسرائيل ،موضحا أن أحد الخيارات التي تدرس هو قبول إسرائيل بالمبادرة مع تحفظات..) ما زلت لا أفهم كيف يتأتى لهم الظن أننا سنقبل بتحفظ يعمل على تغيير ملامح مبادرة نالت إجماعا عربيا، فضلا عن موافقة دول عدة غير عربية، لتكون مناسبة لقياس الكيان الصهيوني، وكيف سنقبل بالبقايا التي تقذف لنا من موائد اللئام، وكيف ستنحني رؤوس لم يسبق لها الانحناء إلا لخالقها، وكيف ستنطلي عليها هذه المهاترات.

الغريب في ذلك كله أنهم لم يقفوا إلا على أطلال بنوها في مخيلتهم، وصورتها عقولهم، وهم نائمون، الغريب أنهم لم يدركوا أن الفلسطينيين مع تطلعهم إلى سلام دائم عادل، إلا أن استمرار الوضع غير الآمن لن يشكل فرقا بالنسبة لهم ولنا، فالعالم يشاهد ومنذ عقود ظلما اعتاد الفلسطينيون التعايش معه كما اعتادوا رفضه ومقاومته، مقاومة أخشى أن تتحول إلى لهو لنفوس لا ترى أمامها إلا ضياع حقوقها .

وأكرر هنا تساؤلات أطلقتها منذ أشهر:(هل هناك أمل في أن نزور فلسطين ونصلي في الأقصى الشريف..؟ وإن كان ذلك ممكنا، فهل في القريب العاجل؟ ثم هل سيعم السلام على الورق أم على الأرض وحول الحدود؟ وهل ستعود الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى حدود 4 يونيو 1967؟ وهل سيعود اللاجئون وأولادهم مكرمين معززين لديارهم وأملاكهم؟ وهل سيدرس العالم أبناءه تضاريس وحدود دولة فلسطين؟ وهل سنقوم بفتح سفارة المملكة العربية السعودية في القدس الشريف؟ وهل ستنتعش غزة اقتصاديا بسبب انفتاح حدودها مع جيرانها؟ وهل ستقفل المفاعلات النووية التي ضاقت بها أرض فلسطين المحتلة بسبب صهيون .. وأخيرا هل ستطبق مبادرة المملكة العربية السعودية للسلام عام 2002 كاملة؟)

أسئلة يفترض ألا أجيب عليها، فما زلنا نبحث عن مرفأ للتعايش مع هؤلاء، مرفأ مبني على رجوع الحق لأصحابه..لا على تصالح أساسه استسلام وضياع المزيد من الحقوق، أو تصالح يفرض علينا يأخذ ولا يقدم، خال من مضامين الحق والعدالة والإنصاف.


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط