اطبع هذه الصفحة


هولوكوست القرن الواحد والعشرين

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
(لا أريد أن ينام أحد في غزة أثناء الليل) هذه المقولة جاءت على لسان إيهود أولمرت في يوليو 2006، وهي تجسد المنهجية الصهيونية المنظمة لترويع الفلسطينيين، خاصة المقيمين في غزة والبالغ عددهم 1.4 مليون نسمة، هذه المنهجية غير الإنسانية من الصعب إخفاء أهدافها أو تبرير مسوغاتها، ففي ظل القصف اليومي والحظر التام الذي يفرضه هذا المحتل للتضييق على سكان القطاع، يتطلع دون شك إلى إيجاد الظروف والملابسات لخنق سكان غزة ومن ثم ترحيلهم إلى الأردن أو مصر، أو إلى أية بقعة على هذه المعمورة أو حتى خارجها، المهم إلا يكونوا من سكان فلسطين، هذه الاستراتيجية أسسها الأجداد للأحفاد، فالتطهير العرقي الذي ينتهجه هؤلاء الصهاينة له عدة أوجه، وترويع وتجويع سكان قطاع غزة أحدها، ويحضرني هنا قول إسحاق رابين، رئيس الوزراء الأسبق للكيان الصهيوني بطل السلام كما وصف!! (ستوجد إسرائيل ظروفا في السنوات العشر أو العشرين التالية من شأنها دفع اللاجئين لهجرة طبيعية وطوعية من قطاع غزة والضفة الغربية..).
فهل احتضان مصر لسكان غزة حل أم فخ مهد له الصهاينة؟! في الحقيقة لا أستطيع التنظير هنا، فلم أجرب ولله الحمد الجوع ولم يرتعد جسدي من الصقيع، وبالتالي لا أستطيع الحكم على اقتحام الآلاف من الفلسطينيين للأسواق المصرية بحثا عن الطعام والدواء، فلا أدري لو مررت بظروفهم ماذا كان ليحدث مني، وهل سأتمكن من ضبط أعصابي، وكيف سأتعامل مع احتلال يجعل من موطني سجنا يفقد السجين فيه حق الحياة بالمجمل، فحتى المقومات الأساسية للحياة معدومة، فلا طعام ولا دواء ولا كهرباء ولا نفط.. هذا هو الواقع اليومي لغزة التي أراد الصهاينة لها أن تكون إما مقبرة للفلسطينيين أو منفذا لمغادرة الأرض دون عودة.
الكيان الصهيوني لا يستطيع إخفاء خطته القديمة الحديثة، والمنحصرة في تقطيع الأطراف وإخفاء المعالم، خطة كانوا ومازالوا يحاولون تثبيتها بالقوة أو بالحيلة، فحق العودة المحرم على الإنسان الفلسطيني يقابله حق هجرة البقية الباقية من الفلسطينيين الذين يراد لهم أن يكونوا مهجرين طوعيا أو قسرياً، سواء كانوا من سكان قطاع غزة والضفة الغربية أو من عرب 48، ولا أستبعد أن يكون السيناريو الصهيوني المخطط له حاليا في هذه الفترة كالآتي: (أولا - الضغط سياسيا على مصر لقبول رعاية قطاع غزة، ثانياً - محاولة إغرائها بالمساعدات الأمريكية والأوروبية، ثالثاً - في حالة موافقة مصر لا سمح الله، سيكون من المحتمل أن تفتح الحواجز الحدودية بشكل نسبي بينها وبين غزة، أو على أقل تقدير تخفف إجراءات المرور بينهما، رابعاً - مبادرة الكيان الصهيوني بعملية استفزازية للمقاومة الفلسطينية لاستقبال ردة الفعل المتوقعة، خامساً- قصف قطاع غزة قصفا عشوائيا يراد منه إبادة سكان القطاع أو تهجيرهم إلى مصر، سادساً - اكتساح الجيش الصهيوني القطاع وإعادة إقفال الحدود، بذريعة أن مصر تساهلت مع المقاومة التي تستهدف أمن المستوطنات الصهيونية، وأخيرا وليس آخرا - يبقى الوضع كما هو عليه ببقاء الفلسطينيين الذين يتوقع خروجهم إلى سيناء هربا من القصف الصهيوني العشوائي). وبذلك يتحقق التهجير الطوعي أو القسري للفلسطينيين،الخطة التي يخطط لها هؤلاء من عام 1948، وبنجاحها تنتهي حكاية حق وكفاح شعب وأمة استمرا لعقود.
وجدير بنا أن نتذكر دوما أن هؤلاء سرعان ما يرجعون عن أي اتفاق يعقدونه مع غيرهم، هذا الرجوع يكاد يكون السمة المميزة لهذا الكيان دون غيره، بل إنهم اعتادوا الرجوع عن استراتيجيات طرحوها على أنفسهم وفي حدود أنفاسهم، ففي عام 2003 في مؤتمر"هرتزيليا الرابع" قال إيهود أولمرت، موجها كلامه للرموز الصهيونية (أود أن أتحدث حول استعمال بعض المفردات، فمن الصعب جدا تبني استخدام مفردات عاطفية، فاستعمال عبارة "دولة إسرائيل الكبرى" لم يعد مناسبا الآن.. ففي الظروف الحالية يجب الامتناع عن بعض الأمور) ويبدو أن إيهود أولمرت وجد بعد عامين من تاريخه، أي في عام 2006 أن الظروف تغيرت ومهدت لاستعمال تلك المفردات التي وصفها آنفا بالعاطفية، إذ قال بعد أن أصبح رئيس وزراء إسرائيل (آمنت وما زلت حتى هذا اليوم بحق شعبنا الأبدي والتاريخي بكامل الأرض)!!.
ولا أعرف كيف للبعض أن يصدقوا أمثال هذا وزبانيته، وهم يمارسون يوميا هولوكوست القرن الواحد والعشرين - الإبادة الجماعية - ضد الشعب الفلسطيني الأعزل حتى من رغيف خبز، حقا أن هولوكوست القرن الواحد والعشرين فاقت بوحشيتها ما رواه مؤرخو الصهاينة عن هتلر!!

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط