اطبع هذه الصفحة


الغاية مهما عظمت .. لا تبرر الوسيلة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
هناك أعمال لا يمكن لي الانخراط فيها لو مكنت من ذلك، فعلى سبيل المثال لا يمكن أن أقوم بتدريس طالبات المرحلة المتوسطة، والسبب تجدونه في جعبة مدرسات هذه المرحلة، حفظهن الله وبارك في جهودهن، فغني عن البيان أن ما نراه يوميا من تفاعل إيجابي لطالبات المرحلة الجامعية، هو بفضل الله نتاج طبيعي للجهد المبذول من جانب الأسر والمدرسة على السواء.
أما العمل الثاني وهو أساس مقالي اليوم، فهو العمل الذي أشفق على نفسي من الانخراط فيه، عمل آمل ألا أرى بناتنا يشاركن إخوانهن الرجال في مضماره، فكثيرا ما أتأمل شبابنا من رجال المرور، وهم يقفون لساعات متتالية على جوانب الطرقات هنا وهناك، وفي أشد فصول السنة حرارة أو أشدها برودة، حفظا لتنظيم السير أو حماية للأمن العام، بل إن الصورة التي ما زالت عالقة في ذهني تتعلق بشرطي ظل واقفا على إحدى طرقات الخبر تحت المطر الشديد، ففي حين كان هو منشغلا بتنظيم المرور، مادا يده بهذا الاتجاه تارة وبذاك الاتجاه تارة أخرى، تمنيت لو تمكن أحدهم من تقديم مشروب دافئ له ،داعية الله له ولأمثاله المخلصين بالتوفيق والسداد.
ولكني جئت اليوم حاملة لعتاب سيطال بعض رجال المرور، ففي ظل الظروف الاستثنائية التي شرفت بها المنطقة الشرقية منذ فترة، نجد أن رجال المرور التابعين لمحافظة الخبر لم يوفقوا في إدارتهم وتنظيمهم لحركة السير، إذ توقفت حركة المركبات لأكثر من ساعتين، مما أصاب عدداً من شوارع الخبر بالشلل التام، ونتج عن ذلك تذمر الكثير من سكان الخبر والعاملين بها، خاصة أولياء الأمور الذين يتوجب عليهم نقل بناتهم مع نهاية الدوام الدراسي.
ولك أيها القارئ الفاضل أن تتخيل تلك الأم، التي بالكاد حبست عبرة ظهرت في مقلتيها وهي تتحدث عن الوضع الذي عايشته ظهر ذلك اليوم، فهي لم تستطع الوصول إلى مدرسة ابنتها إلا بشق الأنفس، فسارت على أقدامها لمسافات طويلة، بشكل مخالف للأنظمة المرورية متجاوزة لعشرات السيارات، وهنا يستلزم توجيه الشكر للمدرسات الفاضلات اللائي بقين في المدارس إلى ما بعد الغروب ينتظرن وصول أولياء الأمور لاستلام بناتهم في ذلك اليوم، هذا الوضع دفع أباً عرف بعظم حلمه، إلى الصراخ تذمرا، بعد أن انتظر لساعات الإذن بالمرور.
وبدل أن يتناقل سكان الخبر والدمام الحديث عن ضيوف المنطقة الشرقية الأعزاء، كان الحديث السائد آنذاك عن فشل رجال المرور في إدارتهم للحدث في ذلك اليوم، بل وعن اللامبالاة التي شعر بها المواطن والمقيم من قبل بعض رجال المرور، وإن كنت أترفع عن ذكر التفاصيل لتلك الحالات، فلأني أعتقد أنها استثناء لا يمكن تعميمه.
إلا أنه من الواجب التنبيه على نقطة في غاية الأهمية، فحفظ أمن وراحة ضيوفنا واجب يحتمه علينا ديننا ووطننا، إلا أن الغاية مهما عظمت لا تبرر الوسيلة، فحفظ الأمن لا يبرر الفوضى المرورية التي لامسها عن قرب سكان بعض الأحياء في الخبر الثلاثاء الماضي، كما أن التدابير الأمنية ممكنة التنفيذ دون إحداث هذا الشرخ، والعتاب هنا لا ينحصر فقط على رجال المرور، فوزارة التربية والتعليم، تتحمل بعضاً منه، والتي كان يفترض أن تدرس طرح قرارات تراعي حركة السير الطارئة لبعض أحياء الخبر، ويبدو أنها أغفلت التنسيق الدقيق مع رجال المرور في هذا الشأن، كما أنهما معا أغفلا تحديد الطرقات التي سيتوقف فيها السير عند الظهيرة، الوقت المعتاد لانتهاء الدوام الرسمي للمدارس بمختلف المراحل النظامية.
ونأمل من رجال المرور في مناسبات مماثلة، الاستفادة من الخبرة المتميزة لشرطة المرور التابعين لمكة المكرمة والمدينة المنورة فكلتا المدينتين اعتادتا التعامل مع مثل هذه الظروف، بل أجزم أنهم لا يعدون ما صادفناه في المنطقة الشرقية الثلاثاء الماضي من الظروف الاستثنائية، فما يصادفونه في مواسم الحج والعمرة أكبر بكثير مما يمكن أن يصل إليه خيالي، وهم يملكون بحق خبرة من الواجب الاستفادة منها، إما بالاستعانة بخبرة المختصين من رجال المرور من كلتا المدينتين لتحديد مسار الطرقات في فترات الذروة في مثل هذه المناسبات الهامة، أو بعقد جهازي المرور في مكة المكرمة والمدينة المنورة دورات تدريبية، تحت رعاية وزارة الداخلة، على أن تعنى بتدريب رجال المرور التابعين لبقية المناطق أو للمناطق الأساسية في المملكة على أقل تقدير.


الأحد 27 جمادى الأولى 1429هـ الموافق 1 يونيو 2008م

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط