اطبع هذه الصفحة


الجانب الإنساني من حياة المهندس محمود طيبة

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
حاولت البحث عن تفسير علمي لتوقف الذاكرة عن الدوران، أو لنسيان لأشخاص فارقونا، كانوا في يوم ما جزءاً منيراً في حياتنا، فوجدت الموسوعة العربية العالمية، تؤكد ما هو متعارف عليه، بقولها: (دوافع النسيان هي عدم التذكر أحيانا لبعض الأحداث، ويكون ذلك رغبة منك، بوعيك أو بغير وعيك، فهي حالة نفسية، ومن أمثلة ذلك ما يسمى بالكبح، وهو تعمد كبت، وعدم تذكر الأحداث المؤلمة والمحزنة وتحويلها من حالة التذكر إلى حالة عدم التذكر..) عندها تخيلت ذلك اليوم الذي أكون فيه في خندق النسيان، وتمنيت أن أذكر بالخير، كأولئك الذين قدموا الخير وللخير عاشوا، أمنية قد لا أستحق التطلع إليها، أمام رجال ونساء يخيل إلي أن الأرض تارة تبكي لفراقهم، وتارة تضحك لاحتضانهم، لكن عذري في تطلعي ذاك أن النفس الإنسانية تتوق دوما للمعالي وتسعى إليها وتعمد جاهدة للوقوف داخل أروقتها.
واليوم وإثر انتقال نائب رئيس مجلس الشورى معالي المهندس محمود طيبة للرفيق الأعلى، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، لا أملك إلا أن أعزي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وأسرته الكريمة، ومعالي الشيخ صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى، وأعضاء المجلس الكرام، وكذا أعزي أيتام مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف، الذين نالوا من رعاية الفقيد الكثير من الاهتمام، فقد كان رحمه الله أحد مؤسسي"جمعية أبنائنا "الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمكة المكرمة، كما شغل رئاسة مجلس إدارتها منذ تأسيسها 1416هـ.
وقد حققت هذه الجمعية في أيامه سبقا يتمثل في مشروع القرابة بالرضاعة، والذي يركز على توفير شبكة من الأقرباء من خلال قيام مرضعات بإرضاع أيتام تحتضنهم الجمعية، ولتحصل الجمعية في عهده رحمه الله بسبب هذا المشروع على جائزة البنك الإسلامي للتنمية.
ومن المعروف إعلاميا أن المهندس محمود طيبة رحمه الله كان ممن يهوى العمل بصمت، ويكره الأضواء، إلا أنه وبمناسبة حصول الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمكة المكرمة على جائزة البنك الإسلامي للتنمية، استبشر قائلا (إن تسلم الجائزة من يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، شرف يعتز به أعضاء ومنسوبو الجمعية.. فالفوز بالجائزة من بين 56 دولة لهو تقدير للعمل الخيري السعودي الذي يلقى كل دعم واهتمام من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين) كما بين رحمه الله (أن الجمعية بدأت غراسها الطيبة بكفالة 50 يتيماً واليوم ترعى 5000 يتيم ويتيمة في مكة والمدينة المنورة والطائف) ومن المعلوم أن الجمعية ذاتها أنشئت (قرية اليتيم) في المدينة المنورة على مساحة 35 ألف م2 وافتتحها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، كما صرح رحمه الله للإعلام بأنه يجري حاليا تصميم قرية مماثلة بمكة المكرمة، كما تحدث عن مشاريع تميزت بها الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمكة المكرمة فقال (أصبحت مؤسسة متخصصة في رعاية الأيتام من خلال تنفيذها لسيل من البرامج الخاصة مثل ترميم منازل الأيتام، ورعاية الأمهات الحوامل بالأيتام قبل ولادتهم، وتأثيث منازلهم، وتوفير الكثير من المعونات العينية والمالية التي تكفل الحياة الكريمة لهم ولأمهاتهم). وتعد تصريحاته هذه من التصريحات النادرة نسبيا، فقد كان العمل التطوعي الخيري رحمه الله من أول أولوياته، عمل يطيب له العمل به والحديث عنه.
وبفضل من الله حصل وعن جدارة على التقدير الذي يستحق، وتربع على قمة عدد من المؤسسات الوطنية في القطاع العام، وترتب على إخلاصه وتفانيه في عمله نيله عدة أوسمة أهمها وسام "الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة" كما نال وسام "فارس أعظم "من دولة باكستان، ووسام الجمهورية التونسية من الصنف الأول، ووسام "النجم الساطع" من حكومة الصين الوطنية.
والذين اقتربوا من المهندس محمود طيبة عرفوا خيره أكثر من غيرهم، وبحكم كوني مكلفة بالعمل كمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى السعودي، و بحكم ارتباطنا كمستشارات غير متفرغات إداريا وفنيا، بمكتبه رحمه الله، أستطيع أن أشيد بسعة وسماحة صدره، وعظيم خلقة وتواضعه رحمه الله، إذ لم يكن يبخل علينا بالرعاية والتقدير، وكل استفسار أو ملاحظة تصله عن عملنا بالمجلس أولاها جل اهتمامه، وقد أجريت لهاتف جواله ثلاث مكالمات نلت في كل منها التفهم والاهتمام، كما أن ابنته وزميلتنا المستشارة الدكتورة وفاء بنت محمود طيبة، منسق فريق المستشارات غير المتفرغات بالمجلس، كانت على الدوام تنقل له آراءنا وتنقل لنا قراراته وتوجيهاته، كما كانت تأتينا بالحلول لمعضلات ظننت أن حلها يتطلب الوقت الكثير، لقد استطاع رحمه الله أن يشعرني وزميلاتي بمدى أهمية دورنا المناط بنا في المجلس، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجزاه بفضله عنا خير الجزاء.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط