اطبع هذه الصفحة


لجان أصابها عمى الألوان

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
للجان حقوق الإنسان التي ترفع شعار دفاعها عن حقوق البشر ومقدساتهم أوجه استفسار أمة مسلمة قتلها إحجام العالم بما فيه هذه اللجان وغيرها من اللجان الدولية عن الدفاع عن مقدساتنا ماذا سيكون حال المقدسات المسيحية على أرض فلسطين المحتلة، بعد هذا التطاول الشنيع على مقدساتنا الإسلامية...

كثيراً ما أفكر... ما الذي سيسطره التاريخ لجيل متهالك نحن فيه ومنه...؟، وما المبررات التي سنقدمها لأحفادنا...؟ بل كيف نتمكن من إلغاء هذه السنوات العجاف من تاريخ أمة خيل إليها أنها مقعدة...؟ وكيف وصلنا إلى مرحلة من الخذلان لنرى فيها بعضنا قد تهالك وراء القوم... ومن الضعف بحيث نعجز عن الدفاع حتى عن أخص خصائصنا الدينية والوطنية...؟ كيف وصلنا إلى هذا الضعف... ونحن أمة محمد...- عليه الصلاة والسلام، أحفاد أبي بكر... وعمر... وعثمان... وعلي وخالد بن الوليد...؟ كيف ضيعت أمتي هيبتها ونخوتها واعتزازها بنفسها...؟
لا لن نحيا غداً إذا كان الموت رفيق دربنا اليوم، ولن نفارق العالم ما دام الوقت لم يحن بعد، ولن يمنع عنا الرزق مادام قد كتب لنا، ولن يصلنا وهو لغيرنا، فإذا كان هذا حال دنيانا على هذه الأرض، وما دمنا عاقدين آمالاً عظاماً على نعيم الآخرة، فلم الخوف من ظالم مستفز، ادعى الإنصاف وهو عنه بعيد بعد المشرقين...
يقاد أبناء الأمة الخيرون للأسر بالسلاسل والأغلال - جرم ولا أعظم - فقد كانوا يقدمون الإغاثة والعون لشعب لا يملك الزاد! فبشبهة أهينوا، وبمظنة عذبوا، كل ذلك بلا ادعاء ولا محاكمة... فصبرنا وما صبرنا إلا بالله العلي العظيم...
مات طفلنا محمد الدرة... وماتت الرضيعة إيمان، هدمت بيوت على رؤوس أهلها الآمنين، أصبح العراء مأوى أطفال وشيوخ ونساء، فصبرنا وما صبرنا إلا بالله...
صرخت جنين، واستغاثت بالأموات الأحياء... بصم وبكم بالذين هم لا يفقهون... فصبرنا وما صبرنا إلا بالله، واتهمت أمتي بالإرهاب... فمسح دموع اليتامى، ورحمة الأرامل والشيوخ، إمدادهم بالطعام والكساء والدواء جريمة دولية، لقانون أعور لا يرى في جرائم رجال العصابات بأساً، يغض الطرف عنهم... بل يمدهم بالعتاد لتزداد نارهم اشتعالاً ولهيباً...

قد يجد التاريخ لتلك المآسي مبررات يصيغها مؤرخ فهيم بليغ، ولكن ما الذي يمكن أن يجده أمام صمتنا تجاه تدنيس مقدساتنا، فالمسجد الإبراهيمي تحكم أقفاله أمام وجوه الملبين المؤمنين المصلين، لتفتح في وجه العتاة المتطرفين اليهود، الذين يعملون على تغيير معالمه الإسلامية، تمهيداً لتهويده وانتهاء بالسيطرة عليه... والأقصى الشريف أصبح شعاراً لأم الكبائر... على أرض احتلها ساسة الكبائر... فها هي صورته قد ألصقت على قوارير المنكر لتتداولها أيدي السكارى...
أما الطامة الكبرى فكانت بتطاولهم على كتاب الله سبحانه، القرآن الكريم كتابنا المقدس... كتابنا المبجل... فقد انتهكت حرمته ومزقت صفحاته على يد سلطات الاحتلال في قسم (شارون) لأشبال داخل معتقل (تلموند).... حدث ذلك كله ونحن ما زلنا نياماً... بل في سبات عميق، أم هكذا ظن المجرمون...
وللجان حقوق الإنسان التي ترفع شعار دفاعها عن حقوق البشر ومقدساتهم، فيبدو أن عمى الألوان قد أصابها فلم تعد تفرق بين سواد الليل ولا نور الصباح... لهؤلاء الذين أفترض أن منهم من هو معني بالمسيحية بحكم الانتماء، أو بحكم اهتمامه بالأديان بشكل عام، أوجه استفسار أمة مسلمة قتلها إحجام العالم بما فيه هذه اللجان وغيرها من اللجان الدولية عن الدفاع عن مقدساتنا ماذا سيكون حال المقدسات المسيحية على أرض فلسطين المحتلة، بعد هذا التطاول الشنيع على مقدساتنا الإسلامية...!؟ فهل سيتوقف نهم المتطرفين اليهود تجاه هذا النوع من الجرائم...!؟ إليكم جزء من مقال للحاخام (عوفيديا يوسف) الأب الروحي لحزب (شاس) عام 1989م، في مقال نشر في جريدة (باتيد هانعمان) ففيه الجواب الشافي فقد قال: (بما أن إسرائيل ضعيفة جداً لدرجة أنها لا تستطيع تدمير كل الكنائس المسيحية في الأرض المقدسة فإنها أيضاً أضعف من أن تحتفظ بكل الأراضي التي قامت بفتحها)... هذه كلمات سطرتها يد رجل ما زال إلى اليوم رئيساً لحزب سياسي صهيوني متطرف، حاخام مقبول على الساحة السياسية داخل الكيان الصهيوني، أعلن وعلى الصحف اعتقاده أن أول نتيجة لقوة إسرائيل المحتلة ستكون تدمير كنائسكم!.

قال أحدهم في أدب جم: ليتك تهتمين بالأوضاع الداخلية، لنترك هذا وذاك... ولنركز معا على نقد الذات... فلدينا من العيوب والخدوش ما أسكننا غرف الإنعاش، ألا تتفقين معي أن الشجاعة لا تكمن دوماً في فضح عيوب الآخر، بل تتحقق أيضا في فضح الذات...

في حين قال آخر معاتباً: ما لك وللمواضيع الداخلية، ليتك تركزين على تخصصك وما يدور حوله، فللشأن الداخلي أقلام كحد السيف في بسالتها وعنفوانها... كما أنه من الجبن أن نسكت على هجوم ظالم... لمجتمعات ظالمة تريد النيل منا، ومن خصائصنا الذاتية الدينية والوطنية...

أما الرأي الذي كان وسطاً بين هذا وذاك فقد جاء في قول أحدهم، ومفاده: اكتبي ما يمليه عليك واجبك تجاه دينك ووطنك... اكتبي ما شئت ما دمت تملكين الدليل...
ولهؤلاء... وهؤلاء أقول: ما كتبت إلا لله سبحانه، ثم لكم، ما كتبت إلا لأضع لبنة طيبة في بناء طيب أنتم رجاله ونساؤه... وما فعلت هذا أو ذاك إلا حباً بكم وثقة بكم بعده سبحانه...
ولكني مع الأسف لا أملك قلمي، فقد أجلس وفي نيتي أن أكتب عن الشمال، فأجده قد عرَّج للجنوب، هكذا هي أحواله معي صفاء وتمرداً، ارتخاء وتشدداً، وكلتا الحالتين محببة لي، أشتاق إليهما، وأحزن لهجرهما... فالمعذرة إن لم أحقق على الدوام المراد، إلا أني سأحاول، وعلى الله الاتكال...
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط