اطبع هذه الصفحة


من يقف وراء الأزمة الأمريكية؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
أتابع كغيري الأزمة المالية الطاحنة في الولايات المتحدة الأمريكية، أتابع امتدادها المحتمل شرق العالم وغربه، فلا أراها إلا تكرارا لأزمات مالية عالمية سابقة، أبطالها امتهنوا دوما الوقوف خلف الستار.
ولأني أعتقد أن القيمة الحقيقية المستخلصة من دراسة التاريخ لا تكمن فقط في معرفة المعلومة بل في استيعابها وأخذ العبر منها، وإلا فما الفائدة من دراسة أمجادها أو أزماتها، دون تدبر أو تحليل.
اليوم سأعمل على طرح حوادث ذكرها التاريخ لأسر مالية ما زالت بيننا تمتهن التعامل بالمال الذي أصبح مصدر نفوذها وهيمنتها العالمية، قد يقال إن أبجديات الأزمة الأمريكية الحالية واضحة الأطراف لا يوجد فيها ما يمكن أن يكون قابعاً خلف الستار، إلا أنني أخالف هذا الرأي فالقابعون خلف الستار كثر، وهؤلاء اعتادوا التواري خلف الأنظار والعمل في الظلام، خاصة في أوقات الذروة أو عندما يحين الوقت لإسقاط الرؤوس.
ومن هذه الأسر عائلة "روتشيلد" وهي أسرة تمتلك إمبراطورية مالية عالمية سبق أن كتبت عنها مقالاً عنونته" إمبراطورية مالية أباحت كل محظور" ولمن أراد معرفة المزيد من خصائص وسياسات هذه الأسرة يمكنه الرجوع إليه أو إلى غيره من الأطروحات التي وجهت اهتمامها لدراسة هذه الأسرة وسياساتها.
أما هنا فسأعمل على ذكر خطط مالية وضعها هذا الأخطبوط المالي واستثمر نتائجها، التي قامت على دمار دول وشعوب،ففي عام 1815 حدثت معركة "ووترلو" بين فرنسا وبريطانيا انهزم جراءها نابليون أمام القائد البريطاني "ويلينجتون"، ويشار هنا إلى أن عائلة روتشيلد كانت ممولة لكلا الطرفين، فقد وصل منها لنابليون خمسة ملايين جنيه، كما عمد أعضاء آخرين من نفس العائلة لتهريب كمية هائلة من الذهب عبر فرنسا لـ"ويلينجتون" قائد الجيش البريطاني، ولم لا " فالغاية تبرر الوسيلة" وغايتهم تنحصر في امتلاك المال وما يجره هذا المال من امتلاك النفوذ العالمي.
ويذكر الكثير من المؤرخين أنه فور انتصار الجيش البريطاني هرّب أحد العملاء أخبار النصر لعائلة روتشيلد في بريطانيا، فعمد عميد الأسرة "ناتان روتشيلد" لإخفاء الخبر مروجا في الوقت نفسه انتصار فرنسا، كما قام ببيع كل ما يملك من أسهم في بورصة لندن فاندفع المساهمون من ورائه لبيع أسهمهم، وفي غضون بضع ساعات انخفضت قيمة الأسهم، ليصل سعر السهم خمس سنتات، عندها بادر "ناتان" لشراء كافة الأسهم المطروحة في السوق وبسعرها المتدني، وفي اليوم التالي استفاقت لندن على خبر انتصارها في الحرب،وخبر الأزمة المالية التي أطاحت بالمساهمين، كما تضاعف سعر الأسهم التي تحولت منذ ساعات لحساب روتشيلد وأعوانه لأكثر من عشرين ضعفا، وعن هذه الصفقة علق ناتان بعد سنوات بقوله:( لقد كانت أفضل عملية قمت بها في حياتي).
ولم تتوقف هذه الأسرة عند هذا الحد فقد كانت تتطلع للسيطرة على الأسواق المالية الفرنسية ، والتي بدورها عمدت للاستدانة من بنوك فرنسية لتغطية الآثار المالية الهائلة المترتبة على هزيمتها أمام بريطانيا، فاستعانت جراء ذلك ببنوك فرنسية، إلا أن عائلة روتشيلد قامت عام 1818 بالتلاعب في سعر سندات الحكومة الفرنسية التي كانت مرتفعة طوال عام مضى، ثم بدأت بالانخفاض فجأة دون أسباب ظاهرة، عندها تقدمت عائلة روتشيلد واشترت هذه السندات عن طريق عملاء لها في فرنسا.
هذه العائلة ما زالت حية ترزق وما زال نفوذها في ازدياد، فقد عبر نفوذها العالم ووصل لليابان وأمريكا وأوروبا وغيرها، سواء كانت جالسة على طاولة المفاوضات أم قابعة خلف الستار فنفوذها متحقق، كما أن دورها الفاعل في تأسيس الصهيونية واحتلال فلسطين العربية لا يخفى على أحد.
وهناك من يعتقد بوجود اتحاد مالي ضخم انضم لإمبراطورية روتشيلد، اتحاد يضم كبريات الأسر المصرفية، وهو ما حذر منه عضو الكونجرس ليندنبرج عام 1913 بقوله:)إن نظام الاحتياط الفيدرالي سوف يؤسس أضخم اتحاد مالي في الأرض..عندما يوقع الرئيس هذا القانون،فإن الحكومة الخفية بقوة المال..سوف تصبح شرعية، كلما ازدادت الاتحادات تضخما فإن القانون الجديد سيخلق تضخما، ومن الآن فصاعدا سيتم خلق الكساد والفتور الاقتصادي المقترن بالبطالة بشكل علمي).
هناك من يعتقد أن نظام الاحتياط الفيدرالي الأمريكي ليس جزءاً من الحكومة الأمريكية، إنما هو منظمة خاصة مملوكة من قبل البنوك الأعضاء الذين عمدوا لشراء سنداتها المالية، هذا ما أشار إليه في كتاب "أسرار الاحتياط الفيدرالي" عام 1983، فقد جاء فيه:( إن فحص المساهمين الرئيسيين لـ"نيويورك سيتي بنك" يري بوضوح أن قليلا من العائلات ذات النسب بالدم بالزواج أو بمصالح العمل ما تزال تسيطر على مصارف مدينة نيويورك التي بدورها تمتلك السندات المسيطرة لبنك الاحتياط الفيدرالي لمدينة نيويورك،.. ومن أبرز هؤلاء الأعضاء عائلة روتشيلد مورجان روكفلر واربربرج وآخرون.. وهذا البنك يسيطر بشكل كامل على الفروع الـ 11 الأخرى من خلال ملكية الأسهم ، تلك السيطرة أهلته للحصول على مقعد التصويت الدائم الوحيد على لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية .)
كما كتب "فيليب جيه لانجمان" و"جاك إيجان" عام 1999 في صحيفة أخبار الولايات المتحدة الخبيرة بشؤون الأعمال:(أن الأمريكيين سوف يقعون تحت الدين أسرع مما تزداد به دخولهم) والأخبار العالمية اليوم ما تفتأ تتحدث عن الأزمة المالية الأمريكية التي قد تطال بلهيبها الكثير من الدول .
ومن الملاحظ هنا ما حذر منه الأستاذ "مطشر المطشر" منذ قرابة العام وفي أكثر من مقال نشر في صحيفة الاقتصادية، فقد حذر من احتمال تفاقم الأزمة الأمريكية الحالية، ومن انجراف المال الخليجي خلف نصائح خبراء المصارف المتجولين، وشراء السندات الأمريكية، بل وجه إلى ضرورة الحذر بشكل عام عند التوجه للاستثمار العالمي، فقال:( إن التوقيت مهم جدا ويجب على المستثمر الخليجي توخي الحذر واتباع استراتيجية التدرج في بناء المراكز لمحفظته الاستثمارية، فما هو رخيص الآن قد يصبح بلا ثمن وغير مجد. من خلال تفاقم الأوضاع وصيرورة الأزمة عالميا).
على أية حال هناك احتمال كما ذكر الأستاذ" مطشر" من توجه السيولة الأمريكية والعالمية للاستثمار في أسواقنا الخليجية الأكثر أمنا، بعد انهيار مؤسسات نافذة في القطاع المالي العالمي، والآن ألا تعتقدون أن الرهن العقاري لا يقف بمفرده وراء الأزمة الأمريكية الحالية.. الله يستر.

الأحد 6 شوال 1429هـ الموافق 5 أكتوبر 2008م العدد (2928) السنة التاسعة
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط