اطبع هذه الصفحة


هوس أوبامي لا أفهمه!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
من منا لم يتابع أو حتى يشارك في هذا الهوس العالمي الجاري وراء ظل الرئيس المنتخب للولايات المتحدة (باراك أوباما)؟! ولا أعرف كيف للعالم التصفيق بهذه الحرارة، فما نعرفه عنه لا يتعدى، إلا أنه المفوه،أو لنقل متحدث من الدرجة الأولى، هادئ الطبع إلى حد كبير، وبرنامجه الانتخابي يشير إلى أنه عازم على نفض الأتربة الذي عمت أرجاء الولايات المتحدة والعالم لسنوات، وكل ذلك مع روعته غير كاف لهذا الاندفاع العاطفي الذي تشهده الأوساط الإعلامية عالميا على مدار الساعة، ولا هذا الاندفاع الشعبي الدافع للتهليل والتمجيد بالتجربة الأمريكية.
فالذي أفهمه من خلال مراجعتي لخلفيات ومواقف الشخصيات السياسية الفاعلة المحيطة بالرئيس الأمريكي المقبل، أنها تشير في مجملها إلى احتمال عدم حياديتها في السياسة الخارجية ، على الأقل بالنسبة لموقفها من القضية الفلسطينية، فقد أعلن نائب (أوباما) الكاثوليكي أنه صهيوني متعصب، أما رئيس طاقم البيت الأبيض فمزدوج الجنسية إذ يحمل الجنسية الصهيونية والأمريكية في الوقت نفسه، وخلفيته المعروفة عنه تؤكد انتماءه وتعصبه المطلق للكيان الصهيوني.
هذا كله يجعلني أتروى كثيرا في تسطير ديباجة غزل لهذه الحكومة القادمة، خاصة أن الميراث الذي يتوجب على الحكومة الجديدة التعامل معه محملاً بالمآسي الداخلية والخارجية على حد سواء، مآسي تركت في نفوس البشر شرق العالم وغربه، كرها دفينا للحكومة التي تربعت على العرش الأمريكي لثماني سنوات، وعاثت في الأرض فسادا، مشعلة الحروب ، وممارسة الظلم بأبشع صوره، وهي تعتقد أنها في ذلك كله خيرة معطاءة.
من المؤكد أني لست متشائمة ولست متفائلة بالضرورة، إلا أني أطالب الإعلاميين العرب بعدم السير على منوال الإعلام الغربي المنبهر بوصول رجل ذي جذور أفريقية للمقعد الرئاسي ولأول مرة خارج الحدود الأفريقية، فانبهار هذا الإعلام والعالم بـ(باراك أوباما) على الأغلب يعود للون بشرته لا لبرنامجه السياسي، ولا لكفاءته العقلية والعلمية التي لا أشك فيهما ، والذي أتمنى أن يسخرها للعمل على تدعيم مصالح بلاده الداخلية والخارجية، وأن يكون قادرا على تنفيذ ولو جزءاً من وعوده لناخبيه ،فقد أشار صراحة في خطبته الأولى بعد فوزه بالتصويت، أن تحقيق المأمول منه في دورة واحدة غير ممكن.
ومن المؤكد أن مع (أوباما) الحق في ذلك التصريح الذي أعتقد أنه جاء متأخرا ، فأمريكا اليوم أشبه بالراقد على فراش الإنعاش، مترنحا بين كفتي الموت والحياة ،و على افتراض أن هناك احتمالاً لحياتها بنفس العنفوان من جديد، فسيستغرق إعادة تأهيلها دون أدنى شك سنوات من الجهد المتواصل.
قد نستطيع التنبؤ بسياسة (باراك أوباما) من خلال لقاء ربما يحدث بينه وبين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال فترة الاجتماع الثالث لحوار الأديان المزمع عقده تحت مظلة الأمم المتحدة في أمريكا، والمتمحور حول المشترك الإنساني والبعد الأخلاقي، فخادم الحرمين الشريفين لا يمثل بلاده فقط، بل أعتقد هو مؤهل للحديث عن قضايا الشرق الأوسط، بحكم مكانة المملكة العربية السعودية الإقليمية والعربية والإسلامية، بل العالمية أيضا.
ومع هذا أتمنى من الإعلام العربي تأجيل التهليل والتصفيق لحين تنكشف الغمة، حتى نتمكن كشعوب متضررة من رؤية أبعاد السياسة الأمريكية الجديدة على أرض الواقع، متمنية لباراك أوباما، التوفيق في تحقيق المأمول منه داخليا وعالميا ، ومتمنية إدراكه أن العالم تغير وأن زمن استعباد العالم ولى وانتهى دون رجعة ، وأن الأمم العربية والإسلامية ليست فاقدة للأهلية، وأنها لا تقبل الوصايا عليها، وأن الواجب يحتم التعامل معها باحترام يليق بها وبتاريخها وبأهميتها، والواجب يحتم التعامل معها دون فوقيه مقيتة، أوعجرفة مضحكة.
وليت (باراك أوباما) يتأكد أن العالم العربي وبكل أسف يكره أمريكا لا بسبب ديمقراطيتها كما يروج البعض، ولا بسبب مزاعمها الموجهة لمحاربة الإرهاب، فنحن في العالم العربي معنيون أكثر من غيرنا بمحاربة الفكر الإرهابي ، ليته يدرك أن موقف العالم العربي السلبي من أمريكا ليس بسبب الشعب الأمريكي، بل بسبب السياسة الأمريكية المتعجرفة، التي استهانت بمقدرات الأمم وشعوبها، ليته يدرك أن الاختلاف سنة كونية، فمن الطبيعي أن نختلف في الفكر ووجهات النظر، إلا أن ما يجمعنا هو البعد الإنساني الذي علينا أن نستثمره جيدا، ، كما آمل أن يدرك أن تعميم الفكر الأوحد محال ، خاصة إذ كان هذا الفكر الذي يراد تعميمه على العالم أثبتت التجارب فشله على أرضه بامتياز.


الأحد 11 ذو القعدة 1429هـ الموافق 9 نوفمبر 2008م العدد (2963) السنة التاسعة

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط