اطبع هذه الصفحة


فيهما فجاهد

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
تابعت كغيري القائمة الأخيرة للمطلوبين من قبل وزارة الداخلية، وهالني أن تضم أبناء لنا كانوا ضمن سجناء (جوانتانامو) ممن أعادت الداخلية تأهيلهم، ومن ثم رعايتهم من النواحي المعنوية والمادية، فلقد وفرت للراغبين منهم -على حد علمي- الأعمال المناسبة، كما قامت بتحمل كافة تكاليف زواج من رغب بذلك.. من مهر و تأثيث منزل الزوجية.
كما تأملت على صفحات هذه الجريدة معاناة بعض الآباء والأمهات ممن عانوا الأمرين جراء مواقف أبنائهم المطلوبين، فوجدت أن الواجب يحتم علي الإشارة إلى ما قاله الإمام القرطبي رحمه الله، الذي ذكر جانبا هاما من جوانب بر الآباء والأمهات، بقوله: (إنه من الإحسان إليهما – أي الوالدين - والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد، ألا يجاهد إلا بإذنهما )، ولقد استدل القرطبي على قوله بعدة أحاديث منها: (عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلا من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال أبواي .قال : أذنا لك؟ قال :لا، قال فارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما) إن هذا الحديث وأمثاله تدل دلالة واضحة على أنه يتوجب على من لم يتعين عليه الجهاد ورغب فيه، أمرين:
* أولهما : وجوب استئذانه لولي الأمر.
* ثانيهما: وجوب استئذانه لأبويه.

إذ يلاحظ على الرجل اليمني أنه كان على علم بوجوب استئذانه لولي الأمر، بدليل أنه سافر مسافة قد تصل لشهور من اليمن إلى المدينة المنورة، قطع خلالها الجبال والوديان ودون أن يشهر سيفه ولو مرة واحدة، مع الأخذ بالاعتبار أنه ومن غير المستبعد مصادفته خلال سفره هذا للعديد من القبائل المعادية للإسلام، إلا أنه لم يحل دماءهم، ولم يرفع سيفه في وجوههم ، لقد أبقى سيفه طوال رحلته في غمده، منتظرا أمر النبي عليه الصلاة والسلام،مدركا أنه بذلك يطيع الله سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
ومن ناحية أخرى نجد أن نبي الله المبعوث رحمه للعالمين عليه الصلاة والسلام، أمر الرجل بالرجوع إلى اليمن وتحمل مشاق السفر مجدداً ، فمن ناحية الجهاد لم يتعين عليه، ومن ناحية أخرى لم يستأذن والديه، لذا أمره عليه الصلاة والسلام بالرجوع إلى والديه والتماس الإذن منهما بالجهاد ، مبينا له أنهما إن لم يأذنا له فعليه الالتزام ببرهما ورعايتهما.
وفي حديث آخر تأتي الإشارة أوضح إلى عظم أجر المسلم الملتزم برعاية أبويه وبرهما، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأستأذنه في الجهاد فقال:أحي والداك، قال نعم، قال ففيهما فجاهد) لا شك أن نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام عندما عمد لتشبيه بر الوالدين بالجهاد، كان لبيان أن برهما قد يصل إلى أجر الجهاد في سبيل الله، بل إن حديثاً آخر دل على أن بر الوالدين أحب إلى الله من الجهاد في سبيله سبحانه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين: قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله).
الحقيقة أنا لا أفهم كيف لم يع المواطن والابن (عبدالإله مصطفى الجبيري) حاجة أمه له؟! وكيف تخلى عن رعايتها وهي وحيدة في ظل غياب والده؟! وكيف عصى ولي الأمر وخرج عن الطاعة، وكيف وحطم قلب والدته وهي في أمس الحاجة لرعايته وبره، ثم كيف خيل إليه أنه بذلك يطيع الله، وأن ما يقوم به جهاد وليس إرهاباً؟!.
كما لا أفهم كيف استطاع الابن الذي يشهد له والده بالبر (تركي مشعوي عسيري) أن يخيب آمال المخلصين له الفرحين بعودته سواء من القائمين على الأمر في هذا الوطن أو من أقاربه؟! وكيف خلط بين النور والظلام والجهاد والإرهاب؟! ووالده يقول عنه:(لو طلبت منه أن يبقى واقفا إلى الصباح لن يقول سوى حاضر يا والدي)! ثم أتساءل هل وصلته رسالة والده المعبرة عن معاناته وأمه، والتي قال فيها: (اتق الله في نفسك وارحم والديك اللذين هما الآن في حالة نفسية يرثى لها، وارحم البلد الذي عشت في ظله واحتضنك بكل صدر رحب بعد أن عدت من جوانتانامو، حيث وقف الأمير محمد بن نايف ساهرا بالمطار إلى أن بشرنا بعودتك، وأدعوك إلى أن تستجيب للنداء الذي وجهته وزارة الداخلية ،بأن تسلم نفسك وسوف تلقى كل عناية وتكريم، وأسال الله أن يهديك، وأن يردك إلى رشدك، وأسأل الله أن يحفظ بلدنا) .
أعتقد أن كلام هذا الأب المفجوع بابنه كافٍ ليكون خاتمة لهذه السطور!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط