اطبع هذه الصفحة


آراؤهم محبوسة.. فمتى نسمعها؟!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
توقفت متأملة في أحد الكتب الصادرة من مركز الترجمة والتأليف والنشر، والتابع لجامعة الملك فيصل، والمعنون بـ( إعداد خطط بحث فعالة) تأليف "كيث ف. بنتش" ترجمة الدكتور "عبد الله بن عبد العزيز السهلاوي" والدكتور "عبد الله بن أحمد الدوغان" وهما يستحقان عليه الشكر والتقدير، فالكتاب متميز في مجاله، والكاتب كما عرفه المترجمان : (أستاذ في جامعة غرب أستراليا درس وأشرف على بحوث ورسائل ماجستير ودكتوراه مدة تزيد عن عشرين سنة) وهما يتوقعان : ( أن يكون هذا الكتاب مرجعا مفيدا لا غنى عنه للباحثين، فهو يأخذ بيد الباحث من ساعة تفكيره في القيام بالبحث خطوة خطوة إلى أن ينتهي من كتابة الخطة علاوة على هذا، فإنه يقدم له نموذجين جيدين لخطتي بحث كمية وكيفية)، وإلى هنا قد يجد الباحث فيما ذكرت تحفيزا للاطلاع على محتويات هذه الترجمة، خاصة إذا كان حديث العهد في المجال البحث العلمي.
إلا أن ما لفت نظري في هذا الأستاذ الأسترالي هو تواضعه الجم، وإليكم ما جاء في المقدمة التي رافقت كتابه، فقد جاء فيها: (وأود مرة أخرى أن أشكر الطلبة والباحثين الذين عملت معهم عبر السنين، وأقول بصدق إن هذا الكتاب هو خلاصة لما تعلمته من العمل معهم.. كما أود أن أعبر عن امتناني لكل من "نولا بوردي" و"رون كالمرز" لموافقتهما على استخدام خطتي بحثهما لدرجة الدكتوراه كأمثلة في هذا الكتاب)، ثم قال (أرحب بالآراء والمقترحات والملحوظات حول هذا الكتاب)، ثم ذيل كلامه هذا ببريده الإلكتروني!
أما ما دعاني لنقل كلامه نصاً، فلإنه ومن خلال خبرتي الطويلة نسبيا مع البحوث، أعلم أن العرف يقتضي إظهار الباحث لشكره وامتنانه لأستاذه المشرف على رسالته، تقديره منه لما بذله من جهد وتفاني في سبيل خروج بحثه للنور، أما أن يسطر الأستاذ وبهذه القيمة العلمية شكره وتقديره لطلابه الباحثين ويقول إن كتابه ما هو إلا خلاصة لما تعلمه هو منهم، فأمر لم أعهده من قبل!
كما لم أعهد بمؤلف بهذا الحجم كتابة بريده الإلكتروني طالبا من القراء إرسال آرائهم ومقترحاتهم حول مضامين كتابه، وأخيرا أعجبت بشكره لطالبين من طلابه وافقا على استخدامه لخطتي بحثهما كنموذج، خطتين كان هو طرفا في إعدادهما واعتمادهما!.
وعند هذا الحد لاحت أمامي صور لأساتذة جامعيين يمتهنون الإذلال، وكأن الغاية من عملهم تسفيه الطلاب وتهديدهم بمستقبلهم، والنتيجة تخريج طلاب لا يحترمون الجامعة التي عاشوا في كنفها زهرة حياتهم، ولا يشعرون تجاهها بأي امتنان أو انتماء، إلا أني أحمد المولى سبحانه أننا وفي المقابل لدينا أساتذة أفاضل، يدركون عظم مهامهم، يدركون أن الطلاب على هم حلم الأمس وأمل المستقبل، ويتعاملون معهم من هذا المنطلق، أساتذة هم حديث المجالس لطيب تعاملهم وغزارة علمهم، وقربهم من طلابهم، وأمثال هؤلاء سيتركون- بإذن الله - الأثر الطيب في نفوس طلابهم على المستوى العلمي والعملي.
وإن كنت معجبة بطريقة تعامل الأستاذ الدكتور "بنتش" وأمثاله مع طلابه الباحثين، أعلم أنه من غير المعقول طلب انتهاج أسلوبه في التعليم العالي في جامعاتنا العربية، فهذه المهنية تحتاج تغيير الوجه العام لطبيعة تعليمنا الجامعي، وإن كنت أتطلع لنصف ما هو عليه من تواضع، ولا أعني بالتواضع رفع كافة الحدود المتواجدة بين المعلم والطالب، بل محاولة تقريب وجهات النظر وإفساح المجال للطلاب للاقتراب، ومن ثم الإعلان عن آراء محبوسة آن الأوان أن نسمعها ونعيها، كما أن الواجب يحتم على الأساتذة تقديم الدعم والتقدير الذي يستحقون، وتشجيعهم على التفكير النقدي البناء، لعلهم يحققون لهم الأمن النفسي والفكري، كما يمهدون لهم طريق لمستقبل واعد بحول الله سبحانه.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط