اطبع هذه الصفحة


جولد شتاين النموذج الأصولي للكيان الصهيوني..

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
(1)


لا بد من توضيح العلاقة الحميمة المغيبة نوعاً ما عن العالم والمتعلقة بالتحام السلطة الدينية والسياسية العلمانية للكيان الصهيوني، من ناحية الكره المتمكن من العرب، وإلا كيف نفسر هذا الموقف المتهاون للسلطة السياسية والعسكرية من الأحزاب الدينية، ومن تمرد وتطاول جولدشتاين على تنفيذ الأوامر العسكرية

لا شك أن الغالبية تعرف من هو (باروخ جولدشتاين) الطبيب اليهودي الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى قديس، لذا سيكون حديثي إليكم عن أسباب هذا التحول المفاجئ، والمخالف لمعطيات الأحداث التي جرت على كل أرض وقف عليها هذا الرجل الغريب... لكن يجدر بي قبلها أن أشير إشارة سريعة إلى بعض فصول حياته، لعلي أحظى بقارئ لم يسمع بجولدشتاين، فيجد فيما سأطرحه بعض الفائدة...
باروخ جولدشتاين طبيب أمريكي المولد والجنسية، يهودي الديانة، انتقل إلى الكيان الصهيوني مهاجراً، عام 1991م...
وهناك عمل طبيباً في جيش الكيان الإسرائيلي، وسرعان ما عرف عنه تمرده وتكرار رفضه لأوامر قادته المتعلقة بوجه خاص بمعالجة العرب حتى من يشاركونه منهم في الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وطوال خدمته العسكرية الفعلية أو في صفوف الاحتياط لم يحدث أن تلقى أية جزاءات بسبب عدم طاعته لأوامر قادته الملزمة لأي منتسب للسلك العسكري...
ذكر البروفيسور اليهودي ( إسرائيل شاحاك ) أن صحيفة (يديعوت أحرونوت )الصهيونية نشرت مقالاً للكاتب الصحفي الصهيوني أريش كتسل، في 1/ مارس /1994م ، أكد خلاله أن جولدشتاين بعد هجرته إلى إسرائيل بوقت قليل، وبعد تكليفه بالعمل في إحدى كتائب المدفعية العاملة في لبنان صرح قائلاً: ( إنني لا أرغب بعلاج أي شخص غير يهودي... فأنا لا أعترف إلا بسلطتين دينيتين ميمونيدس، وكاهانا )...
و( ميمونيدس ) جماعة متطرفة تتنسب للطبيب العربي اليهودي الديانة موسى بن ميمون... وهو الذي يعد من أهم رجال الدين اليهودي عمل طبيبا لأسرة القائد المسلم الفذ صلاح الدين الأيوبي... ولهذا الطبيب آراء غريبة تتعلق بمعالجة الأغيار... وسأحاول إلقاء الضوء عليها يوماً ما ...أما ( مائير كاهانا )، فقد أسس جماعة متطرفة إرهابية.

بل إن( آريش كتسل) أشار في المقال نفسه إلى أن ثلاثة من عرب الدروز ممن كانوا يخدمون في الكتيبة العسكرية الصهيونية نفسها، توجهوا للقائد بطلب نقل جولدشتاين خشية أن يصابوا بمرض فيرفض علاجهم...
ويلاحظ أن الجيش الصهيوني نقل جولدشتاين كطبيب عسكري في الجيش وفي الاحتياط خلال سنواته الثلاث التي قضاها في إسرائيل بعد هجرته... وحدث أنه عند تكليفه بالعمل كطبيب احتياط، في لواء الخليل بالقيادة المركزية، بادر على الفور بِإبلاغ قادته إن عقيدته الدينية تمنعه من علاج العرب الجرحى أو المرضى، وطلب نقله إلى مكان آخر...

وفي صحيفة( دافار )الصهيونية كتب الصحفي (عامير أورين )عن موقف السلطة العسكرية الصهيونية المتهاون من جولدشتاين فقال: (إنه عندما أصبح واضحاً لرؤساء جولدشتاين رفضه - للأوامر - أراد قادته في سلاح المدفعية وفي الخدمات الطبية تقديمه لمحاكمة عسكرية وطرده من الخدمة، واعتقدوا أن ذلك أمراً سهلاً )...لكن جولدشتاين كما يؤكد الكاتب أورين: ( كان يتمتع بحماية أشخاص في مناصب عليا في الوزارات المهمة، وطلب هؤلاء أن يسمح لجولدشتاين بالخدمة في مستوطنة (كريات أربع) بدلاً من الخدمة في كتيبة قتال)... وقد استمر على رفضه الانصياع لأوامر قادته في هذا الشأن حتى بعد نقله إلى هذه المستوطنة...
ولا بد من توضيح العلاقة الحميمة المغيبة نوعاً ما عن العالم والمتعلقة بالتحام السلطة الدينية والسياسية العلمانية للكيان الصهيوني، من ناحية الكره المتمكن من العرب عموماً، سواء من كان في خدمة المحتل، أو من كان من المقاومة، وإلا كيف نفسرهذا الموقف المتهاون للسلطة السياسية والعسكرية من الأحزاب الدينية، ومن تمرد وتطاول جولدشتاين على تنفيذ الأوامر العسكرية، هذا الاستفسار وهذه النتيجة ليست من بنات أفكاري بل استنبطتها من الأحداث للمفكر اليهودي إسرائيل شاحاك...
وهناك على أرض مستوطنة ( كريات الأربع ) كان مربط الفرس، فقرب من هذه المستوطنة الملغومة بأبجدية الكره اليهودي المتطرف، حدثت المجزرة الإبراهيمية، ومع آذان صلاة فجر يوم 25/ فبراير من عام 1994م ، الموافق آنذاك 15/ رمضان /1414هـ ، غادر (باروخ جولدشتاين) الطبيب الذي أقسم مثل غيره ساعة تخرجه على إنقاذ الحياة البشرية، مستوطنة ( كريات أربع ) برفقة أعوانه متوجهاً للمسجد الإبراهيمي، محملاً ببندقيته العسكرية الرشاشة، وقنابل يدوية، وكميات هائلة من الذخيرة، ليختبئ كاللص الغادر خلف أحد أعمدة المسجد الإبراهيمي يترقب سجود المصلين، ثم ليبادر فور سجودهم برميهم بوابل من الرصاص، أصابت رؤوس ورقاب وظهور المصليين الآمنين، انتهت هذه المجزرة بقتل 29 مسلماً مصلياً من أطفال ورجال، و إصابة 300 آخرين... وقد تمكن فلسطيني من قتله بعد ذلك...

وبلادي ولله الحمد والمنة ساندت أهالي الشهداء ماديا ومعنوياً، مساندة أعدها واجباً لا تفضلاً، وما ذكرتها الآن إلا من باب حمد المولى وطلب الثبات منه سبحانه... أعاننا وحكومتنا على ما يحبه ويرضى، فقد بادرت الحكومة السعودية بتقديم معونة مالية مقدارها 200 ألف ريال لذوي كل شهيد، ونقلت بعض الحالات المستعصية على عجل، بواسطة طائرات طبية إلى المستشفيات في السعودية للعلاج، وذلك بالتنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية...
السؤال المطروح أمامنا الآن يتعلق بموقف السياسة العلمانية والدينية للكيان الصهيوني من هذه المجزرة، سؤال كنت أفضل عدم طرحه عليكم رفقاً بكم... لكن ما باليد حيلة، وللحديث صلة
 



(2)


لقد اختار جولدشتاين يوماً ذا مغزى في تاريخ أمته، يرمز إلى انتقام اليهود من أعدائهم شر انتقام، وهذا ما دفع البروفيسور الصهيوني ( إسرائيل شاحاك ) إلى التساؤل بإنكار، إذ جاء على لسانه: ( هل من قبيل الصدفة فقط أن قام باروخ جولدشتاين بقتل ضحاياه في عيد البوريم).

إن كنت لا ادري من أين سأبدأ حديثي هذا... ولا إلى أين سأنتهي به، إلا أنني أدرك تماماً أن لدي كثيراً لأقوله لكم... ولأن المجال على سعته يضيق، كان علي أن أختار الأكثر أهمية... لا شك أن ( مهمة ـ مثل هذه ـ قد تكون صعبة ولكنها بعون الله ليست مستحيلة) هذه العبارة التي تحمل في طياتها كثيراً من الحكمة، سمعتها في محاضرة للأستاذ صالح بن علي الحميدان، منذ زمن ليس ببعيد، وها أنذا أتشبث بضفائرها اليوم...
وتذكيراً بما سبق نشره هنا الأسبوع الماضي من حديث لم يكتمل بعد ، وآمل أن أكمله اليوم، أشير إلى أنه كان موضوعه عن ( باروخ جولدشتاين ) منفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي عام 1994م ، ونتائجها الدموية المروعة...
وتنفيذاً لالتزامي سأذكر باختصار غير مخل بعون الله، موقف سلطة الكيان المحتل السياسي، من هذه المجزرة ومن منفذها، معتمدة في إظهار ذلك على أقوال وأفعال اليهود، موقف يتضح من خلاله التحام سلطة الكيان الصهيوني والأصوليين من ناحية محددة تكاد لا تخرج لغيرها، بإمكاننا حصرها في كراهيتهم للعرب بشكل عام... وللفلسطينيين بشكل خاص...
لقد أشرفت السلطة السياسية إشرافا مباشراً على تنفيذ وتنظيم جنازة ذلك الإرهابي تمجيداً لفعتله وتبجيلاً لجريمته، الإشراف لم يقم به رجال بسطاء في الكيان الصهيوني بل تم بإدارة مباشرة من الرئيس( عزرا وايزمن ) وكبار معاونيه، فقد ذكر الصحفي عوزى بنزمان الصهيوني، في صحيفة هآرتس في 4 مارس عام 1994م، أن مناقشات حادة تمت بين حكومة الكيان الصهيوني، وبين عائلة الإرهابي باروخ، ورفاقه في كاخ، ومستوطنو كريات أربع حول مسيرة جنازته، وذلك لإصرارهم على مرورها عبر مدينة الخليل لكي يراه العرب وهو الطلب الذي رفضه جيش ذلك الكيان، معللا رفضه بخوفه من أن يقدم العرب على نبش قبره...
وانتهوا في النهاية إلى قيام الجيش بحراسة جنازة جماهيرية في القدس على أن تغلق الشرطة الشوارع الأكثر ازدحاماً أمام المرور إكراما للشهيد بزعمهم، على أن يدفن في كريات أربع... وهو ما تم بشكل أكثر إجلالا.

سار خلف الجنازة ألف شخص من المشيعين الصهاينة المعجبين المتحمسين لما فعله، جنازة سمع خلالها أصوات تردد: ( يا له من بطل ! يا له من رجل صالح ! لقد فعل ذلك نيابة عنا جميعاً ): كما قال آخر:
( إن الشهيد باروخ جولدشتاين هو منذ الآن شفيعنا في الفردوس...)!
( سوف يرث اليهود الأرض ليس من خلال معاهدة سلام ولكن فقط من خلال إراقة الدماء )! كل هذا وحرس الحدود والشرطة، والشرطة السرية سائرين معهم حامين خطاهم... ليقوم الجيش بعدها بتوفير حرس شرف لمقبرة جولدشتاين الذي أصبح مكانا يحج إليه...!
وهذا التأييد وذاك الإعجاب بالقاتل جولدشتاين، لم يتوقف كما أوضح المفكر اليهودي( إسرائيل شاحاك) على الأصوليين اليهود فقط بل تعداهم ليصل إلى الإسرائيليين العلمانيين وإلى يهود أمريكا أيضا...!
وأود أن أذكر هنا بعض ما قاله الكاتب (أوفال كاتس ) في مقال نشر في 4 مارس عام 1994م، في صحيفة جيروزاليم بوست: كان التعليق الشعبي السائد هو: ( بالطبع، يجب لوم جولدشتاين، فقد كان يمكنه الهرب بسهوله وفعل الشيء نفسه في أربعة مساجد أخرى... ولكنه لم يفعل)
هذه المجزرة ارتبطت بمناسبة وطنية دينية لدولة الكيان الصهيوني بجانبيها الأصولي والعلماني، ارتباطاً أظهر مزيداً من ابتهاج كثير من الصهاينة، كما أظهر في جانب آخر قلق بعضهم، وسأعمل هنا ـ بعون الله ـ على توضيح الوجهتين التماساً للموضوعية، موضوعية يحاول قلمي وبإلحاح التمرد عليها.
لقد سطرت الكاتبة الصهيونية (أفيراما جولان ) مقالاً بالغ الأهمية نشر في جريدة هآرتس يوم 28 فبراير عام 1994م تحدثت عن كيفية انتشار أخبار هذه المذبحة ومنفذها، ومن ذلك حديثها عما حدث في اليوم التالي للمذبحة، وذلك على أرض ستاد( ياد إلياهو ) أكبر استاد رياضي في الكيان الصهيوني، أثناء إحيائهم لحفل غناء فقد حدث أن قام أحد مواطني كريات أربع بإلقاء خطاب أشاد فيه بالقاتل فكان مما قال: ( ذلك الرجل الصالح والطبيب المقدس، د. جولدشتاين الذي أدى لنا خدمة جليلة واستشهد في العملية )...

وتؤكد الكاتبة أن رجلاً واحداً صرخ قائلاً: ( أنا لا أوافق على ذلك، فهذه جريمة قتل نكراء)... وهنا قام الجمهور بالاعتداء عليه ويصرخ بعضهم: ( اطردوا هذا الكافر من القاعة).
مقال الكاتبة الصهيونية لم ينته بعد، فقد ذكرت أنه ما إن انتهى الحفل، حتى تجمع الناس وتذكروا أن هناك عدداً كبيراً من الأغيار قتلوا على يد اليهود أثناء البوريم الأصلي 75000شخص، وزعموا أن هذا الوقت المناسب لقتل عدد مقابل من الأغيار في الأرض المقدسة...) أما آخر فقد اعترض وأنكر هذا الابتهاج ، بقوله: ( هذا الابتهاج في عيد البوريم يعبر عن الانهيار الأخلاقي للصهيونية الدينية، فإذا لم تقم الصهيونية الدينية الآن بعملية بحث عن الروح فأنا أشك في توافر فرصة أخرى لها للقيام بذلك).
أما مقال (رامي روزين) الذي نشر في هآرتس 15 نوفمبر عام 1996م، بعنوان( تاريخ الإنكار) فقد كان من الأهمية بمكان الذي لا أتمكن معه من إنكاره أو تجاهل مضمونه، فقد جاء فيه:( تبين من مراجعة الحقائق الأساسية للتاريخ اليهودي للألف والخمسمئة عام الأخيرة أن الصورة مختلفة عما كنا نعرفه في السابق، فهي تحتوى على مذابح للمسيحيين
( بواسطة اليهود ) وأحداث مشابهة للصلب حدثت عادة في عيد البوريم)!
لقد اختار جولدشتاين يوماً ذا مغزى في تاريخ أمته، يرمز إلى انتقام اليهود من أعدائهم شر انتقام، وهذا ما دفع البروفيسور الصهيوني
( إسرائيل شاحاك ) إلى التساؤل بإنكار، إذ جاء على لسانه: ( هل من قبيل الصدفة فقط أن قام باروخ جولدشتاين بقتل ضحاياه في عيد البوريم).

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط