اطبع هذه الصفحة


لا عزاء للرجال..!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


كنت قد عزمت الكتابة عن موضوع آخر، وهذا التغيير المفاجئ في تخطيطي كان بسبب خبر اطلعت عليه صباح يوم الجمعة الماضي عبر صفحات هذه الجريدة، ومفاده أن علماء أمريكيي الجنسية اكتشفوا قرية نمل متواجدة في أمريكا الوسطى والجنوبية، أطلقوا على أفرادها اسم (سيبوروس سميثي) تتألف من الإناث فقط! وانتهى هؤلاء العلماء إلى نتيجة مقننة، إذ قالوا: (إن الرجل قد يكون مآله الانقراض في المستقبل لانتفاء الحاجة إليه)!! ولم يكتفوا بذلك بل قالوا: (إن الطبيعة الحية قدمت مفاجأة جديدة تنفي عمليا الحقيقة المسلمة بها حول وجوب توفير عنصر الرجل من أجل استمرار الحياة البشرية على الأرض)!! والحديث هنا ليس عن صحة هذا الاكتشاف من عدمها، فلا أعتقد أن هذه هي القضية التي يجب طرحها أمامكم، فالمتدبر في مضامين هذا الزعم يصل إلى رغبتهم في تغيير الطبيعة البشرية، وحاجة الإنسانية لوجود الذكر والأنثى جنبا إلى جنب كزوجين، في كيان أسري حميم..
والواقع لم يكن الأمر بالنسبة لي غريبا أن يكون المشرف على هذه الدراسة أنثى، وهي (آن هيملي) ولم يكن غريبا أن تحرص كل الحرص على القول: (إن غياب الذكور لم يؤثر البتة تأثيراً سلبياً على أداء قرية النمل لوظائفها، زد على ذلك أن النملة الأنثى أقل عدوانية وأكثر انسجاما مع الأخريات) ولم يكن غريبا أن يضيف زملاؤها المؤيدون لها: (أن النمل مضى أبعد من المخلوقات الحية الأخرى في تكوين مجتمعات فعالة، وأنهم لا يستثنون بهذا الخصوص احتمال أن تبلغ الحضارة البشرية في المستقبل مثل مستوى هذا التطور، حيث تنتفي الحاجة إلى وجود الرجل في تواصل الأجيال) – أي التكاثر – بل أضافوا أنه (ربما سينقرض وجوده عموما).!!
إلى هنا علي أن أتوقف مع القارئ قليلا لأنبهه إلى خطورة ما أشار إليه هؤلاء الذين يدعون أنهم علماء متخصصون في مجال الأحياء في حين أنهم يتحدثون عن تنبؤات لم ينزل الله بها من سلطان، فقد ادعوا أنهم اكتشفوا أن توفر الرجال ليس شرطاً لاستمرار الحياة الإنسانية!! كما قالوا (إن الرجل قد يكون مآله الانقراض في المستقبل لانتفاء الحاجة إليه)! مؤكدين إمكانية استمرار الحياة بوجود العنصر الأنثوي فقط!.
إن هذه الاستنتاجات تخدم توجهات شاذة لحركة نسائية تطلق على نفسها( الِفِمنزم) تدعو للتمركز حول المرأة، وتعلن تفوق المرأة على الرجل كما دعت أتباعها للتخلي عنه، وهي في حالة صراع كوني أزلي مع الرجل المتمركز بحسب قولها حول ذاته، وهي تنادي بتفكيك الأسرة باعتبارها مؤسسة مصطنعة وليست طبيعية، كما تعتبر أن قيم العفة والأمومة وضعت لتزييف وعي المرأة..
كما نادت باعتماد المرأة على نفسها اقتصاديا وطرحت الشذوذ والتلقيح الصناعي كأحد البدائل)!! هلا لاحظتم التلقيح الصناعي للشاذات هو أحد البدائل المطروحة لاستمرار الحياة!! ولعلهم يوجدون مزارع خاصة للرجال بمواصفات صحية عالية، لضمان حصولهن على أفضل تلقيح!!.
والغريب أن اتفاقية (سيداو) في مادتها الرابعة طالبت الحكومات باتخاذ إجراءات (إيجابية ) خاصة تعجل المساواة بين الرجل والمرأة و( هذه الإجراءات قد تتضمن أفضلية للمرأة في المشاركة في الأحزاب السياسية والالتحاق بالمدارس والجامعات والحصول على مراكز قيادية في البلد) كما تحاول (سيداو) إيجاد تبرير لإيجاد بعض القوانين الخاصة بالمرأة دون الرجل، في محاولة كما يبدو لاسترضاء حركة (الِفِمنزم)!! علما أن هذه الإجراءات التي أطلقوا عليها إيجابية لا تتوقف عند المؤهلات العلمية أو الإمكانيات البدنية، وهي إجراءات غير مؤقتة بدليل رفضهم تحديد فترة زمنية لتطبيقها، فهي إجراءات إيجابية تهدف لعزل الرجال الأسوياء وغير الأسوياء.. أو تقليص دورهم في المجتمع على أقل تقدير، وحركة (الِفِمنزم) وأعوانها نافذون للغاية!! فالمنظمات الحقوقية العالمية لا تألو جهدا عن أصحاب هذه الحركة للدفاع عنهن وعن مطالبهن.. وهي في أغلبها تعتقد: (أن الفقر الذي يعاني منه العالم مرجعه إلى أمية المرأة وجهلها اللذين يصرفانها عن العمل ويشغلانها بالإنجاب، أما الظلم الاجتماعي فبسبب عدم مساواة المرأة والرجل في الحقوق، وإلى التمييز بينها وبين الرجل في الأعراف والتقاليد والتشريعات الدينية، وأما كثرة الحروب والظلم السياسي فتعود بالنسبة لها إلى بعد المرأة عن مراكز القرار الذي يستأثر به الرجل) هذا كله يلزمني بالإشارة مجددا إلى ما قالته (آن هيملي) من: (أن النملة الأنثى أقل عدوانية وأكثر انسجاما مع الأخريات )!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبسبب ما اعتراني من فضول توجهت قبل كتابة هذه السطور إلى الموسوعة العربية العالمية، لأبحث في خصائص النمل وتكاثرها، إذ لا بد أن هناك سبباً مباشراً في اختيارهم هذا المخلوق دون غيره ليثبتوا شذوذ أفكارهم، وتبين من الموسوعة السبب وراء زحفهم إلى مستعمرات النمل لإثبات أفكارهم غريبة الأطوار، فقد أشارت إلى أن أنثى النمل هي حاكمة لمستعمرات النمل، فهي وزيرة الاقتصاد والداخلية والحربية بل تتعدى ذلك كله لغيره من المهام الأساسية لتنظيم مجتمعها، أما الذكر الذي سرعان ما يفارق الحياة غير مأسوف عليه، فله وظيفة واحدة لا يتعداها لغيرها..ألا وهي تلقيح الملكات!.
ومن باب الرأفة بالحيوان أدعو جمعيات حقوق الحيوان العالمية إلى المطالبة القانونية بحقوق ذكور النمل، المضطهدين سياسيا واجتماعيا، وبتكثيف برامج توعوية موجهة لتوعيتهم بحقوقهم الضائعة في ظل تحكم الإناث بهم وبنظام حياتهم، وبتطبيق إجراءات خاصة تعجل المساواة بينهم وبين نساء قريتهم، لضمان أفضلية مشاركة ذكور هذه القرية في كافة نواحي الحياة السياسية والاجتماعية وللوصول بهم لمراكز القيادة، ولإنقاذهم في النهاية من تسلط وتحكم نسائهم!! إلا أن هؤلاء الأفاضل يؤكدون أن ملكات النمل في هذه القرية المتحضرة،ومجلس وزرائها الموقر قمن بإصدار قرار استباقي لأي تحرك حقوقي، إذ أصدرن فرمانا ملكياً بعدم حاجتهن للذكور،حتى في مهمة التلقيح!! وهنا أودعكم قائلة: (لا عزاء للرجال).

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط