اطبع هذه الصفحة


خطة وطنية تليق بالحسبة وإنجازاتها

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


بسبب ارتباطي بالامتحانات النهائية لطالباتي، لم أتمكن مع الأسف من المشاركة في الندوة الأولى للخطة الاستراتيجية للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والهادفة لوضع خطة طويلة المدى، وأخرى تنفيذية لتطوير الحسبة وأجهزتها في الجوانب الإدارية والفنية والموارد البشرية، إلا أنني كنت من ضمن من حالفهم الحظ فاطلعوا على مضامين آخر التقارير السنوية (لإنجازات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال العام المالي 1427/ 1428) والذي صدر في عام 1429، وهذا التقرير يستحق الإشادة فهو يعد بحق من أكثر التقارير التي نظرت في مضامينها مهنية، فمن السهولة بمكان الوقوف على الجهد العظيم الذي بذل في إعداده، وهذه الهيئة الموقرة تستحق أيضاً الشكر على الجهد المتواصل الذي تبذله للحفاظ على الأمن العقدي والفكري والأخلاقي ، سواء في جانب الأمر بالمعروف، أو في جانب النهي عن المنكر، وفق الله القائمين على هذه الهيئة الموقرة، وأعانهم على خدمة دينهم ووطنهم.
وجدير بالملاحظة هنا أن الإحصائيات المتعلقة بالحالات التي عالجتها هذه الهيئة خلال العام المالي للتقرير نقصت بنسبة 28% عن العام السابق، ولله الحمد والمنة، ومن جانب آخر يظهر التقرير أن الهيئة تعاملت مع معظم هذه الحالات بسرية تامة، فنسبة 8% منها استلزمت إحالتها لجهات الاختصاص، في حين أن 92% منها أنهيت بتعهد المضبوطين، ولا شك أن من أعظم الايجابيات التي تحسب لهذه الهيئة الموقرة هو توجهها للستر في معالجة معظم الحالات التي تتعامل معها، فالستر خيارها الأول لو أتاح النظام الأمني الأخذ به، وهذا ما يبرر ارتفاع نسبة القضايا المنتهية بالتعهد.
ومن خلال هذا التقرير أيضاً يتضح التنسيق العالي الجودة الذي يتم بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأجهزة الأمنية، والذي أطمع أن تزداد روافده لتشمل وزارة الخارجية،ومكتب العمل، والغرف التجارية، وغيرها من الجهات المعنية، فمن ناحية نجد أن بعض المخالفات كما بين التقرير تظهر على الأغلب من جنسيات معينة دون غيرها، وبالتالي علينا كمجتمع الأخذ بعين الاعتبار هذه الإحصائيات عند استصدار تراخيص العمل للعمالة الوافدة.
كما يظهر التقرير من جانب آخر مخالفات أخرى لا تقل عن سابقتها خطورة تصدر على الأغلب من المواطنين ، وهذه المخالفات تتطلب إعداد دراسات وأبحاث شرعية واجتماعية يشرف عليها جهاز الحسبة، وتنتهي بتوصيات تقدم لوزارة التربية والتعليم، ووزارة الإعلام، والهيئة العامة للسياحة والآثار، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، وغيرها من المؤسسات العامة المعنية، فمن شأن هذه القطاعات الرسمية تحديد خطط استراتيجية لتفعيل واستثمار الشباب بما هو مفيد ،وتوعية المجتمع بضرورة المشاركة في مكافحة هذه الخروقات للحد من آثارها السلبية.
إلا أن الذي لفت نظري في هذا التقرير هو أن المسكرات( أم الخبائث) تعد من المخالفات التي تتقارب فيها نسبة المضبوطين من مواطنين ووافدين، وهو ما أثار استغرابي فأنا كغيري أتابع الجهود المميزة لرجال الحسبة، ورجال الأمن في القبض على مروجي هذه الآفة، إلا أن الأمر كما ظهر يحتاج لدراسات أمنية، حبذا لو وجهت كلية الأمير نايف الأمنية مجموعة من منسوبيها لإعدادها.
ومن المفيد توجيه (الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لعدد من المحتسبين للانضمام إلى بعثات خارجية لدراسة اللغات، سواء كانت لغات أوروبية أو آسيوية، مع الأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بلغات الجاليات الأكثر تواجدا في المملكة، فمن شأن ذلك تسهيل التواصل بينها وبين المقيمين الأجانب.
كما أطمع في إنشاء أقسام نسائية مؤهلة تأهيلا شرعيا ونفسيا، مدعمة بأجهزة أمنية نسائية على أن تتبع هذه الهيئة الموقرة، وتوجه نشاطها لاستقبال وتوجيه المضبوطات من العنصر النسائي، وهن كما بين التقرير النسبة النادرة من المضبوطين، ولله الحمد.
وحبذا لو فتح المجال للمواطن والمقيم لحضور بعض الدورات التوجيهية التي تعقدها الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خاصة أن الكثير منها مفيد للعامة والخاصة معا ، فعلى سبيل المثال عقدت هذه الهيئة محاضرات ودورات تحمل العناوين التالية:(التفكير الاستراتيجي) (فن الذكاء العاطفي) (مهارات التعامل مع المرأة) (فقه التعامل مع غير المسلمين) (المراقبة الذاتية) (الصلاة وأثرها في المسلم) (حقوق المتهمين) (فن التعامل مع الناس)، فقد تترك هذه السياسة تلاحما إيجابيا بين المواطن ورجل الحسبة.
كما أتمنى إحالة بعض المضبوطين- بدل السجن- لقضاء فترة محددة في برامج (خدمة المجتمع)، وهذا التوجه لا شك سيترك أثرا إيجابيا في نفوسهم، علما بأن هذا التوجه نستمده من هدي ديننا الإسلامي الحنيف، الذي نص على أن تكفير بعض الذنوب يتطلب خدمة المجتمع، كتحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.
كما أتطلع إلى عقد التعاون بين هذه الهيئة الوطنية والإعلام المرئي والمسموع والمقروء من خلال العمل على بث حملات توجيهية عبر كافة القنوات الإعلامية الوطنية، وبشكل يماثل الدعايات التجارية الهادفة, فغني عن البيان ما للإعلام من دور فاعل في التأثير على المجتمعات، كما أنه من المفيد الاهتمام بنشر الصور الحقيقية المضيئة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقائمين عليها، من خلال إعلانات تعد بعناية فائقة تحمل كلمات قليلة وهادفة، باللغتين العربية والإنجليزية، مع الاهتمام بتعليقها على جوانب الشوارع الرئيسة، أو عن طريق بثها عبر القنوات المرئية، أو نشرها عبر الصحف الورقية أو الإلكترونية.
وأخيرا من الواجب تهنئة الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكل مواطن ومقيم على تدشين هذه الخطة الوطنية التي تليق بالحسبة وبإنجازاتها.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط