اطبع هذه الصفحة


لنقل الحقيقة: نحن لا نريد السلام

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


! عندما نستشعر صمت أهم الأقلام العربية والإسلامية عن الخطط الإجرامية لذلك الكيان الغاصب، عندما تنهزم نفوسنا فلا نعود كما كنا معنيين بشأن فلسطين المحتلة وأهلها الصامدين، عندما نسمع بالكاد نقاشا حول هذا الشأن، فهو على الأغلب لا يصدر إلا من ساستنا أو من فئة قليلة من مفكرينا الأفاضل، فحياتنا اليومية ومتطلباتنا الشخصية أصبحت هي شغلنا الشاغل، عند ذلك كله هل سنشعر بالخجل ؟! هل سنفعل ونحن نتابع أقلاماً صهيونية تعيش تحت ظل الكيان الصهيوني، ومع ذلك عاهدت نفسها على فضح سياساتها العنصرية، أقلاماً عاهدت نفسها على الثبات على هذا المنهج في كتاباتها وفي نشاطها، غير آبهة بالمضايقات المتكررة التي قد تلحق بها من جراء ذلك.
هذه المقدمة الملغمة كانت بسبب مقال نشر مؤخراً ساخر لـ(جدعون ليفي) الكاتب الصهيوني في صحيفة (هآرتس) العبرية، مقال أشعرني بالخجل، فكيف نتخلى نحن عن القضية الفلسطينية أهم قضايا أمتنا العربية والإسلامية، في حين أنه وفي المعسكر المقابل يقف كاتب صهيوني يدافع عن قضيتنا ويبذل في ذلك الغالي والنفيس.
وقبل أن أعرض لكم بعض مما جاء في مقاله، أشير إلى أنه ولد في فلسطين من أبويين يهوديين مهاجرين من ألمانيا، وهو يكتب بشكل منتظم في صحيفة هآرتس، وبسبب معاداته للصهيونية وتأييده للفلسطينيين تلقت صحيفة هآرتس موجة من الرسائل الغاضبة على مقالاته، وقد قال ليفي عن ذلك:( إنه في مكان ما في غرفة الأخبار في صحيفة هآرتس يوجد ملف سميك فيه إخطارات من قبل القراء يلغون اشتراكاتهم بعد قراءة مقالاته) هذا الكاتب وصفته صحيفة لوموند الفرنسية :(بأنه شوكة في خاصرة إسرائيل)، وفي عام 2007 أعلن ليفي أن قطاع غزة ( في محنة جعلته يخجل من أن يكون إسرائيليا)، وقد تكرر قوله إن المجتمع الصهيوني مصاب بالعمى الأخلاقي بسبب صمته وتأييده للحرب والاحتلال في غزة والضفة الغربية، وهو يطالب لاستعادة العدالة بتنازل الكيان الصهيوني من جانب واحد من الأراضي الفلسطينية المحتلة دون طلب أي تنازلات من الفلسطينيين والعرب، وفي أحد مقالاته طالب من أيّد الحرب على غزة ومن عارضها أن يتحدوا فورا، وليصرخوا بصوت عال: كفى ،كما قال عن هذه الحرب: هذا الجنون المعربد ينبغي لأحد أن يوقفه، الآن وفورا، كما قال في المقال نفسه: إسرائيل تتجاهل بوقاحة قرار مجلس الأمن لوقف النار.
أعتقد أن القارئ أدرك مصدر اندهاشي بهذا الكاتب الصهيوني الذي عرف الحق ودافع عنه، إلا أني ها هنا لا بد أن أقف عند مقاله الأخير والمعنون( الخطاب التاريخي التالي) والذي كان السبب الرئيسي لهذه السطور فقد قال فيه: (حان الوقت لخطاب تاريخي..على رئيس الوزراء..أن يقول: نحن لا نريد السلام..وهكذا سيسجل في صفحات التاريخ بأنه الزعيم الإسرائيلي الأول الذي يقول الحقيقة .. ما سنسمعه في الخطاب سيكون ..النهاية لنتنياهو المضلل ولإسرائيل المضللة.. لا حاجة بعد ذلك لتجميد البناء في المستوطنات، والإعلان فورا بعد ذلك أن بناءها ضرورة فهي مناطق أولية وطنية.. لا حاجة بعد ذلك لتمزيق الأوامر أمام عدسات الكاميرات والادعاء بأننا دولة قانون.. المستوطنون لن يحتاجوا بعد ذلك إلى مسرحياتهم الاحتجاجية السخيفة، لا حاجة للاستلقاء على الطريق وطلب النجدة .. الستار سينزل أخيرا على اللعبة، سيكون ممكنا إزالة الماكياج، إماطة اللثام، نزع الأقنعة التنكرية، والسير في الطريق المستقيم.. العالم سيفهم أن الحديث يدور عن رفض عميق للسلام، متواصل وعنيد، ولا يمكن أن يتغلب عليه أي ضغط، فيرفع يديه ويستسلم، كما أن بعض العرب سيتصرفون على هذا النحو، وسيعرف الجميع أن في القدس يجلس زعيم كوري شمالي عنيد كالبغل، معظم رعاياه الإسرائيليين لا يريدون مثله أي تغيير..إن هذه هي الحقيقة نحن لا نريد السلام، هكذا ببساطة، فالحياة جيدة في الوضع القائم، لا توجد عمليات ولا يوجد عرب يعيشون برغد. إذن لماذا نحتاج التغيير؟ مجتمع في غفوة لا يحتج، بل ولا يسأل) هكذا ينصح الكاتب الصهيوني نتنياهو بقول الحقيقة التي يدركها معظم الصهاينة فهم لا يريدون سلام فهم لا يرون للسلام مبرراً، بل يؤكد الكاتب أنهم بهذا الخطاب سيتحررون من هذا الخداع وبالتالي سيتمكنون من ممارسة خططهم الإجرامية إذ يقول ( بعد أن نتحرر من عبء الخداع سيكون بوسعنا أن نتوجه بدون عراقيل نحو ما نريد عمله حقاً، سنبني المزيد والمزيد من المناطق وأن نبقى إلى الأبد على ظهر الجبل وفي الغور وعلى كل تل وسهل وعلى الهضبة بالطبع وفي الأماكن المقدسة كل الأماكن المقدسة لنعمق الاحتلال، ونمارس الوحشية أكثر فأكثر نحو الفلسطينيين فلعلهم يحققون أخيرا حلمنا في أن يختفوا، ونسن المزيد فالمزيد من القوانين العنصرية.. يا نتنياهو ،قل الحقيقة وعندها سترى ماذا يمكن لخطاب جيد واحد أن يفعله) وهكذا شهد شاهد من أهلها، وها هي الصهيونية تتعرى أمام أعين العالم وبيد ابن لها.. طالبها بقول الحقيقة.. والتوقف عن الخداع، طالبها بالإعلان عن نواياها الشيطانية من إبادة الفلسطينيين، واحتلال الأرض والمقدسات إلى الأبد، طالبها بالإعلان عن رفضها السلام جملة وتفصيلا.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط