اطبع هذه الصفحة


بين نجاح الحج ونكبة جدة وإحباط المتسللين

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


من الصعب أن يجد المرء نفسه منشغلا بأمر ما، ولفترة محددة تعزله عما حوله، وليجد نفسه واقفا أمام مأساة لم تكن لتخطر على باله، مأساة تفرض عليه أجندتها وأبعادها، فسواء شاء أم أبى لن يتمكن من الفرار منها أو تجاهلها، فهي لا محالة منقضة عليه ملامسة لنفسه وروحه، محيطة به وبمحيطه.
لقد كان الحجاج وقت نكبة جدة منشغلين بأداء مناسكهم في أجواء إيمانية رائعة، يتحركون في انسياب عجيب لا تعارض فيه ولا تضارب، صورة لا يدركها إلا من عايشها وتعايش معها، فمكة كانت في تلك الأيام عالما خاصا في ذاته، عالماً يتغنى الحجاج به ومعه في تناغم رائع مع الإنسان المكاوي ومن عمل وتطوع لخدمتهم في كافة المجالات التنظيمية أو الأمنية أو الصحية أو حتى التوعوية.
وفي تلك اللحظات كانت المأساة أو لنقل النكبة تحدث بالقرب من مكة، ولتجرف في طريقها فرحة عيد قدر له ألا يرى النور، وليتحول عيد جدة إلى مأتم عام، شمل من شملتهم السيول ومن لم تشملهم، فجدة عروس البحر الأحمر ترملت وأعلنت الحداد، وأهلها في عيدهم تقبلوا العزاء، وهكذا استقبلت هذه المدينة المضيافة الحجاج العائدين من حجهم وهي مكفهرة الوجه هادئة على غير عادتها في مثل هذه الأيام.
فالحديث الذي يدار هذه الأيام في كافة مجالس جدة بل المملكة لا يخرج عن ثلاث، نجاح موسم الحج بامتياز ولله الحمد والمنة، نجاح فاق التصورات في ضوء التحذيرات العالمية من انتشار أنفلونزا الخنازير بين الحجاج، أما الموضوع الثاني الذي حاز على اهتمامنا كشعب سعودي فهو السيول التي اجتاحت جدة تاركة خلفها اليتم والخراب والبؤس.
أما الموضوع الأخير الذي أثار اهتمامنا قبل موسم الحج وما زال على حاله، فهو ردع المتسللين الخارجين عن الشرعية، الذين خططوا ودبروا لذلك التسلل منذ سنوات، فتحركاتهم لا تبدو لي ارتجالية، أو محض الصدفة، أو وليدة اللحظة، والتهاون بهم لا يصب في مصلحتنا الوطنية، ولا في مصلحة الشقيقة اليمن، فقد ثبت أن هذه الفئة استفادت من الطبيعة الجبلية المحيطة بهم، إذ عمدت منذ خمس سنوات إلى إنشاء المتاريس والخنادق والتحصينات والمخابئ الجبلية، ووظفت لذلك مئات الأشخاص أغلبهم من أهالي القرى الذين أجبروا على القيام بأعمال الحفر في الجبال كخيار بديل لحمل السلاح والمشاركة في الحرب ضد القوات الوطنية في اليمن.
ويؤكد (محمد صالح أحمد الحجامي) وهو ضابط يمني شارك في المواجهات المسلحة ضد هؤلاء المتمردين أن المعارك لو كانت تجري على أرض منبسطة لتم الحسم العسكري للتمرد خلال ساعات وليس أياما، فالجبال والطرق الوعرة أعاقت حركة الدبابات والمعدات الثقيلة ومنصات إطلاق الصواريخ المتحركة، كما جعلت تحركات الجنود محفوفة بالمخاطر.
بالتالي كان مفهوما بالنسبة لنا مواصلة طائرات (الأباتشي) وطائرات (أف -15) السعودية قصفها الجوي، في تصديها للمتسللين على الحدود الجنوبية للمملكة، كما نفهم استمرار القصف المدفعي لمواقع هؤلاء في تصديها لأي محاولة للتسلل خاصة في المناطق الوعرة الجبلية فالتحركات السعودية أصابت ولله الحمد والمنة أهدافها، وكان طبيعيا أن تعمد القوات البحرية المتمركزة في المياه الإقليمية السعودية إلى تدعيم قواتها بالسفينة الحربية (الرياض) المزودة بأفضل الأجهزة والمعدات الحربية المتطورة سواء أجهزة الرصد والمتابعة أو التنصت أو التسليح المكافح للطائرات والسفن والغواصات بالإضافة إلى إمكانية القيام بقصف وتدمير مواقع العدو على اليابسة بمساندة القوات البرية ومشاة البحرية والتي تتمحور مهمتها في المراقبة والبحث ومنع التسلل عن طريق البحر إلى الشواطئ الجنوبية إضافة إلى منع التهريب بمختلف أنواعه والجميل هنا أن هذه السفينة لم ترصد أي محاولة للتسلل إلى الأراضي السعودية من بداية مهمتها.
الحقيقة لا نعلم متى ستنتهي هذه الفئة من غيها، وتطاولها، ومتى ستدرك حجمها الضئيل، ومتى ستخضع للسلطة الشرعية في بلادها، إلا أننا كشعب نكرر ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله (ليعلم الجميع بأن المملكة العربية السعودية لا تقبل التجاوز على أحد، لكنها في نفس الوقت لن تسمح لكائن من كان أن يدنس شبرا من أراضيها، فلا خيارات مفتوحة للدفاع عن النفس سوى خيار واحد، النصر بعزة وكرامة أو الشهادة في سبيل الله ثم الوطن)، إننا نكرر ما قاله خادم الحرمين الشريفين لنا وللقوات المسلحة (سيعلم من يظن أن سيادة وأمن بلادكم مكان خصب لفكره المريض بأنه واهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ونقول ما قاله لهؤلاء المتسللين حفظه الله بقوله (لقد تجاوزتم في غيكم فركبتم صعبا، وإننا بعون الله، قادرون على حماية وطننا وشعبنا من كل عابث أو مفسد أو إرهابي أجير) ألا إن نصر الله لقريب بإذن الله.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط