صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الا بذكر الله تطمئن القلوب

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


عندما جاءتني الدعوة من مستشفى الصحة النفسية في الطائف للمشاركة في مؤتمر " صحة المرأة النفسية بين العلم والوهم" للحديث عن (علاقة المرض النفسي بالمس والعين) راقتني الفكرة واستحوذت على اهتمامي، إذ إني أدرك أن هناك من يعتقد أن كل الأمراض التي قد يصاب بها والفشل الذي قد ينتهي إليه، يرجع في المقام الأول لا إلى إهماله ولا إلى ابتلاء من الرحمن الرحيم، بل إن هناك من يضمر له الشر وهو من أصابه بالمس والعين، بل إن بعضهم لا يلتزم بتحصين نفسه بالآيات القرآنية والأدعية المأثورة، ولو فعل فستكون مفتقدة لليقين والإيمان المطلوبين شرعاً، وبالتالي نجده يدور في حلقة مفرغة تزداد ضيقا يوما بعد يوم، وليجد نفسه في نهاية المطاف محبطا مكتئبا متشائما متوجسا وخائفا من مجهول يترقب قدومه بين الفينة والأخرى.
كان لا بد أن أقول للجمع الكريم الذي حضر المؤتمر إن الإنسان أيا كان وضعه ومستواه العقلي والثقافي، وأيا كان مركزه الاجتماعي والمادي، قد تعتريه الأمراض البدنية والنفسية، فالعصمة من هذه الأمراض ليست مكفولة لأحد على الإطلاق،إلا أننا كبشر نختلف في التعامل مع كل منها، فقد نجد منا من لا يثق بالطب البشري ويرفض الاعتراف بالطب النفسي، مكتفيا بالتعامل والرقية الشرعية، وهناك من يقدر الطب البشري إلا أنه يرفض التعامل مع الطب النفسي، فهو يعتقد أن التعامل مع المتخصصين في هذا المجال يلحق به وصمة عار تصل لأبنائه وأحفاده من بعده، والغريب أن الإحصائيات العالمية تؤكد أن عدد المصابين بأمراض نفسية على مستوى العالم نحو 450 مليون شخص، و120 مليونا منهم يعانون الاكتئاب النفسي، هذه الإحصائيات مروعة تستوجب منا كمجتمع الدراسة والبحث.
ومن جانب آخر كان لا بد لي من التذكير أن الاستشفاء بالقرآن الكريم والأدعية المأثورة أمرٌ مقرر شرعًا، ثابت بالكتاب والسنة، وبالتالي لسنا في صدد البحث في تأصيلهما، إلا أن المبالغة في الاعتقاد بتأثير المس والعين على حياتنا بحيث نحيل إليهما كل ما نتعرض له من بلاء، أمر يتناقض مع المنهج النبوي الشريف، وهنا علينا مراجعة مفاهيم وثقافة المجتمع إذ إن من الضروري استيعاب دور الطب النفسي وعلاقته المباشرة بالرقية الشرعية، فهي علاقة ترابط وتكامل لا تصارع وتنافر.
إننا كمسلمين مطالبين شرعا عند الإصابة بالأمراض البدنية والنفسية الرجوع للأطباء المتخصصين كل في مجاله، وهذا الرجوع لا يتناقض والتوكل على الله الشافي، فقد سأل بعض الأعراب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: نعم يا عباد الله، تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد، قالوا وما هو ؟ قال الهرم.) كما قال عليه الصلاة والسلام : ( ما أنزل الله من داء ،إلا أنزل له شفاء) هذه الأحاديث وغيرها دلت دلالة واضحة على الحث على التداوي، مع التسليم بطبيعة الحال أن الشفاء من الله سبحانه وتعالى، وليس ذلك فقط بل إن المتخصصين منا مطالبون بالدراسة والبحث للتوصل للدواء وتوفيره للبشرية كافة.
وغني عن البيان أن الإسلام عندما أمر بالتداوي بالأدوية المادية، رغب كذلك في الرقية الشرعية والأدعية المأثورة، فبهما تصبح نفس المريض هادئة متفائلة، وبهما ترتفع معنوياته ويزداد أمله في الشفاء بإذن الله، مما يؤدي إلى زيادة مقاومة جسمه للمرض، ويصبح مهيأ لتقبل الدواء بإذن الله تعالى، وجدير بالملاحظة أن الرقية الشرعية الصحيحة لا تتسبب مطلقاً بأي مضاعفات، هذا ما أكده الفقهاء والأطباء، وبالتالي فالعلاج بالرقية وبالطب البشري والنفسي يكمل بعضهما بعضا، ومن الضرورة الجمع بينهما بشكل لا يستتبع الإخلال بأي منهما، وجدير الإشارة إلى أن الرقية الشرعية مفيدة ليس للمرضى فحسب بل تحقق الحماية للأصحاء أيضا.، قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) وقوله: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء).
ولقد تكلم علماء المسلمين منذ القديم عن أهمية الأدوية الروحية الداعمة للأدوية المادية فقال ابن القيم: نبه الإسلام المريض على أدوية روحانية يضمها إلى الأدوية المادية المتوفرة، وتشمل اعتماد القلب على الله والتوكل عليه والالتجاء إليه بالتذلل والصدقة والدعاء والاستغفار والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف. . فقد علم أن الروح متى قويت، قويت النفس.. وتعاونا على دفع الداء وقهره.
ومن المهم هنا بيان أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أهمية الاسترخاء والتركيز لعلاج كثير من الحالات المرضية وهو ما يحقق الاستشفاء بالقرآن الكريم والأدعية المأثورة، قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وبما أن عددا كبيراً من الأطباء المتخصصين انتهوا إلى أهمية دور الرقية الشرعية في علاج الأمراض العضوية والبشرية، حبذا لو تخصص غرفة في جميع المستشفيات للعلاج بالرقية الشرعية، وأن تذلل كافة المعوقات التي يواجهها الرقاة في المملكة، علماً أن المستشفيات الحكومية في المملكة العربية السعودية لا تمنع دخول أي من الرقاة الشرعيين الموثوق.
كما أن إنشاء عيادات حكومية للعلاج بالقرآن والأدعية المأثورة فكرة قد تكون جيدة، على أن تكون تحت إشراف لجنة من العلماء والأطباء تعمد لإعطاء تراخيص معتمدة للرقاة و متابعتهم و توجيههم، فمن الخطورة بمكان إبقاء الرقية الشرعية دون تنظيم ودون رقابة حكومية.
ومن ناحية أخرى من الواجب تعاون الإعلام والمؤسسات الثقافية لتكثيف توعية المواطنين بخطورة الدجالين والمشعوذين، والتحذير من القنوات الفضائية المشبوهة التي تمارس ذلك دون رادع، وهذه النقطة استحوذت على اهتمام راعية المؤتمر صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله حفظها الله، فقد أشارت في كلمتها إلى ضرورة التخلص من التشكيك بالعلاج النفسي أو التحفظ في استشارة الأخصائيين، وإلى السعي إلى تشخيص الأمراض والاضطرابات النفسية على أساس علمي والذي من شأنه الحد من الوقوع فريسة للدجل والخرافات.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط