صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







غولدستون اليهودي كاره لنفسه

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


كنت على يقين أن القاضي الجنوب إفريقي "ريتشارد غولدستون" سيتهم بأنه (الكاره لذاته) وهو ما حدث بالفعل، فقد وصف بذلك بعد نشر مضامين تقريره الأخير الذي انتهى إلى إدانة الصهيونية صراحة بارتكابها "جرائم حرب وربما ضد الإنسانية" في عدوانها الأخير على غزة، ما بين السابع والعشرين من ديسمبر والثامن عشر من يناير الماضيين، في حين لم يتعد الجزء المخصص لحماس 5% من بنود هذا التقرير، إذ خلص إلى أن الصواريخ التي أطلقتها الجماعات المسلحة الفلسطينية لا يمكن توجيهها لإصابة أهداف عسكرية محددة، وأطلقت على مناطق يعيش فيها مدنيون، وأنه في الحالات التي لا يوجد فيها هدف عسكري مقصود، فإن الهجمات تشكل هجوما متعمدا على مدنيين، ويمكن أن تشكل جرائم حرب، وقد تكون بمثابة جرائم ضد الإنسانية، لاحظ أيها القارئ الفاضل هنا استخدام التقرير للفظ (يمكن أن تشكل) و(قد تكون) وكلها عبارات غير جازمة ولا قطعية، وهو ما يحمد لمعدي هذا التقرير ولله الحمد.
إلا أني هنا لست بصدد مناقشة تداعيات هذا التقرير ومضامينه، فما يهمني بالدرجة الأولى هو الإشارة إلى شخصية يهودية أخرى اتهمت بأنها كارهة لنفسها، علما بأن هذه التهمة تعد في الوسط الصهيوني واليهودي عار يلتصق بكل يهودي يتجرأ ويصرح برفضه للسياسة الصهيونية تجاه الفلسطينيين.
حديثي اليوم عن الصحفي اليهودي (ماتيو ليفين) وهو أيضا مواطن من جنوب إفريقيا، ففي عام 2000 نشر في إحدى الجرائد البريطانية مقالا تحت عنوان (لماذا أخجل من كوني صهيونياً)، ولأنه من وجهة نظري يستحق التدبر أضع أمامكم بعض ما جاء فيه، فلقد قال الكاتب( في عام 1963، كنا جماعة من أبناء جنوب إفريقيا – في نحو الثامنة عشرة - أرسلتنا (حركة الشباب الصهيوني) إلى إسرائيل لنتعلم فنون القيادة).
ولما كنت قد نشأت يهوديا مدركا في زمن التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، كان من الطبيعي أن أبحث عن هوية بديلة،عن إي شيء أكيد أؤمن به، عن مكان أستطيع أن أقول باعتزاز إنه وطن، بدا لي في بادئ الأمر على الأقل، أن إسرائيل ستحقق لي هذا الأمل، إذ كانت تزخر بالمثالية.. كانت منهمكة بنشاط اجتماعي ضخم يتناول التربية والتعليم.. والزراعة واستيعاب يهود الشتات التواقين إلى وطن مثالي.
أما اليوم فأشعر بالخجل لأني كنت صهيونيا.. وإذ أقول ذلك لا أعني إنه لا يحق لإسرائيل البقاء والعيش بسلام ضمن حدود آمنة.. كما لا أدين ملايين الإسرائيليين الذي لو توافرت لهم القدرة ونالوا تأييد رفاقهم المواطنين تصرفوا بطريقة مشرفة تجاه الفلسطينيين، وأجبروا حكوماتهم على التنازل عن أراض مما قد تؤدي في النهاية إلى السلام في الشرق الأوسط.!!
أشعر بالخجل ففي رحلتنا تلك لم يقل لنا أحد من المدربين إن عشرات القرى الفلسطينية داخل الممر المؤدي إلى القدس وحواليه محتها الجرافات – الصهيونية - وإن هناك مئات من مخيمات اللجوء حقيرة وقذرة في غزة ولبنان والأردن وأماكن أخرى!! أشعر بالخجل بسبب قوانين التمييز التي تحرم على العرب في إسرائيل المساواة الحقيقية، هذه القوانين الشبيهة بقوانين – العنصرية – السابقة في جنوب إفريقيا، والتي يقوم بتطبيقها أناس قاسوا الكثير من تمييز مماثل في زمان ما زال في الذاكرة الحية!! أشعر بالخجل لأن دولة ولدت جزئيا خلال الهولوكوست (محرقة اليهود) تستمر في قتل المدنيين الأبرياء بالقنابل والمتفجرات، وقد أدينت مرات عديدة في منظمة العفو الدولية.. !! أشعر بالخجل لأن هذه الدولة التي كنت أحبها ابتكرت عمليا فكرة الهجمات (الدفاعية) الوقائية..!!
أنا أشتاط غضبا حينما أسمع إسرائيليين يقولون: إن الشباب العرب الذين يعبرون عن غضبهم وامتعاضهم بتظاهرات في الشوارع، إنما يفعلون ذلك للانتفاع بالإعلام الغربي، وكنت أسمع بعض الناس البيض في جنوب إفريقيا يقولون الشيء ذاته في السبعينات والثمانينات، كما لو كان الهدف الحقيقي للمتظاهرين في شوارع (سويتو) أن يشاهدوا أنفسهم والنيران تطلق عليهم في نشرة أخبار الساعة التاسعة على شاشة التلفاز البريطاني، أشعر بالخجل لقيام (مستوطنين) باجتياح أراض عربية وتشريد سكانها!! أشعر بالخجل لأن الصهاينة لم يعقدوا السلام مع جيرانهم عندما سنحت الفرصة، ويبدو أنهم كادوا يفقدون أي اهتمام بأن يفعلوا ذلك!!.
ولأكثر من أي شيء آخر، أشعر بالخجل للعنصرية المكشوفة والتعصب الأعمى اللذين تبديهما فئة كبيرة من الشعب الإسرائيلي مستترة وراء معاناة سابقة، كما لو أن المحرقة منحت اليهود مناعة ضد اتهامهم بالوحشية والتعصب والأذى والظلم!!
إن العالم عندما وعى حقيقة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا امتنع الناس عن أكل البرتقال وغيره من منتجات تلك الدولة، ألم يحن الوقت لنبذ برتقال يافا وغيره من الفاكهة الإسرائيلية)؟!.
لقد أشار (ليفين) إلى ضرورة إصدار قرار بمقاطعة البضائع الصهيونية لا من قبل حكومات العالم فقط، بل من قبل الإنسان البسيط الذي يؤمن بالعدالة الإنسانية، لعل المقاطعة الاقتصادية تلجم الظلم الصهيوني خاصة أن الحكومة الحالية تسعى اليوم إلى السلام الاقتصادي!!.
وإن كان حديثه هذا يحتم علي التوقف عند ما أعلنه مؤخراً نائب فرع وزارة الزراعة بمنطقة المدينة المنورة، المهندس (إبراهيم الحجيلي) من أن مخاطبات تمت بين وزارات الزراعة والتجارة والخارجية، لمنع الكيان الصهيوني من تسجيل علاماتها التجارية على منتجات التمور السعودية، فقد علم مؤخرا أن التمور السعودية تتسرب بكميات هائلة إلى الكيان الصهيوني حيث يعاد تعبئتها وإعادة تصديرها إلى أوروبا على أنها تمور صهيونية، وكما علم أن التجار العرب الذي يساهمون في هذا التسريب يحققون مكاسب كبيرة إذ تصل أرباحهم في بعض الأحيان إلى 100%، ولا أشك أن المملكة سترفع أمر هذه السرقة وتلك الوقاحة إلى منظمة التجارة العالمية، هذه الأخيرة التي آمل أن تكون بشجاعة القاضي (غولدستون) والكاتب (ليفين) الكارهين لأنفسهما.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط