صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تجاوزات.. رمضانية!

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


قد أكون أصبت في اختيار العنوان ها هنا، وقد أكون أخطأت إلا أن عدداً لا يستهان به من القنوات الفضائية تجاوزت المحظور، وفي شهر فيه ليلة هي في المفهوم الإسلامي خير من ألف شهر، وها هو الشهر الفضيل قد أصبح خيراً من ألف شهر في المفهوم التجاري للإعلام العربي الذي جند معظم القائمين على برامج رمضان من منتجين ومعدين وممثلين، وحثهم للتنافس وبشكل مقزز للظهور في هذا الشهر المبارك، ودون الأخذ بعين الاعتبار لتعاليم دين أكثر من مليار مسلم، ومع أن هذه البرامج والمسلسلات من السهل تجنبها، إلا أن عرضها يؤذي مشاعر المسلمين الذين يجدون في عرضها وبهذا الشكل تطاولا مستفزا على الدين الإسلامي واستخفافا بمشاعر أهله.
ولو كان الأمر متوقفاً على البرامج والمسلسلات لقلنا الأمر مقدور عليه، إذ بالإمكان تغيير القناة لغيرها وفقا لمواعيد البرامج المعلنة مسبقا، إلا أن الغريب حقا ما يحدث أثناء بث البرامج الثقافية والسياسية التي لم تسلم هي الأخرى من هذا الإسفاف، فعبارة (فاصل ونعود) تهدد على الأغلب الذوق العام، سواء كان هذا متحققا في هذا الشهر المبارك أو في غيره من الأشهر، إذ عادة ما تقتحم على هذه البرامج الجادة دعايات أقل ما يمكن وصفها بأنها غير لائقة، والخطر يكمن في كونها تبث دون سابق إنذار، إذ يفاجأ المتابع لتلك البرامج بظهور دعايات تحمل في طياتها كل محظور، ودون مراعاة لمشاعر المشاهد الذي سعى لمتابعة البرامج الجادة دون غيرها، معلنا بتصرفه هذا رفضه لغيرها من البرامج والمسلسلات.
والغريب أن القائمين على هذه القنوات يصرون على إزعاج المشاهد فخلال بثهم للبرامج الجادة يعرضون لقطات غير أخلاقية لمسلسلات تعرض خلال هذا الشهر، وحديثي هنا لا يوجه فقط للجهاز الإداري لهذه القنوات، بل إلى المعلن الذي لا يراعي هو نفسه -وعلى الأغلب- حرمة هذا الشهر ، فالدعايات التي يدفع المبالغ الطائلة لعرضها تحمل على الأغلب كل إسفاف، بل إنها وفي هذا الشهر تعتمد التنافس كخيار استراتيجي في إظهارها كل المحظور، ولا أفهم كيف للمعلن أن يطمع بارتفاع سقف أرباحه وهو يستخف بالمشاهد الذي يدرك يقينا عظم تطاول المادة المعلنة على شعائره الدينية، على أية حال نحمد الله أن عدداً لا يستهان به من القنوات الجادة قد بدأت نشاطها الإعلامي بمهنية عالية، وهي بإذن الله ستغني المشاهدين عن تلك القنوات الملغمة بكل محظور.
ومن جانب آخر علينا أن نتوقف عند نقطة في غاية الأهمية وهي وإن كنا لا نستطيع أن نصفها بالتجاوزات، إلا أنها متعلقة ببعض التصرفات الدخيلة على مجتمعاتنا، فمؤخرا وفي هذا الشهر المبارك ظهرت في مجتمعاتنا – الخليجية- تجمعات نسائية تشترط على زائراتها ارتداء ما يطلق عليه "جلابية رمضان" وكأن صيام نهار رمضان وقيام ليله مرتبطان باللباس، والأمر إلى هنا لا بأس فيه ما دام في حدود الرغبات المعقولة للسيدة المعنية، إلا أن الذي يدعو للتدبر أن هذه الجلابيات التي عادة لا تستخدم سوى مرة واحد في العام الكامل ، قد يصل أسعار بعضها إلى ما يزيد عن عشرة آلاف ريال، بل إن هذا المبلغ متواضع للغاية لما قد تبذله بعضهن، ويلاحظ أن بعضهن تعمد وقبل هذا الشهر الكريم بشراء عدد من الجلابيات معتبرة ذلك من الأولويات في هذا الشهر المبارك، وهي في ذلك لن تبحث عن جلابية يفترض أن تذكرنا بتراثنا العربي ، جلابية تنتمي لمجتمعها أو لأحد مجتمعاتنا العربية ، المهم بالنسبة لها أن تكون جلابية مميزة ولو كان ذلك التميز لا طعم له ولا لون.
يلاحظ هنا موقف حدث معي في إحدى المناسبات الثقافية في "أبها" بمنطقة عسير، إذ شاهدت سيدة ارتدت جلابية صنعت بإتقان مدهش، إلى حد وجدت نفسي أقف أمامها معلنة إعجابي بما اعتبرته لوحة وطنية رائعة، لمصممة رائعة، ولأني محظوظة وجدت تلك السيدة على درجة عالية من الثقافة، فقد استجابت لفضولي الذي سير أمري ساعتها، فبينت لي مشكورة إلى أي منطقة ينتمي هذا الزي الشعبي، وكم من الزمن استغرق إعداده، ونوعية خيوطه والتطريز اليدوي المستخدم فيه، كما بينت مشكورة أن نساء "أبها" ما زلن على ولائهن للأزياء الشعبية، فهن يحرصن على ارتدائه والتباهي به في مناسبات عدة.. أما ارتفاع أسعارها فيرجع لكون النساء البارعات في تصميمها أصبحن قلة -مع الأسف- كما أن إعداد هذا النوع من الأزياء قد يستغرق عدة أشهر بسبب التطريز اليدوي الذي يظهر على سطحها الرائع.. ولأني كنت مقتنعة أن هذا الزي لن يكون بهذا الجمال إلا على أهله، اعتذرت عن قبول عرضها السخي، مؤكدة لها أن ثوب كهذا لن يكون بهذا الجمال إلا عليها وعلى نساء أبها البهيات.
وأعود لأقول إن الجلابيات التي عنيت في مقدمة هذه السطور كانت موجهة لجلابيات مطعمة بتصاميم غريبة أخرجتها عن أصلها تماماً فلم تعد صالحة لتسميتها تلك، فهي مسخة من فساتين أوروبية أو آسيوية، وكم كان سيكون جميلاً لو كانت الإضافات التي أضيفت على ما يسمى اليوم بجلابيات عربية إضافات لا تخرجها عن أصلها عربي، إضافـات لا تخـفي معالمهـا الوطنـية ، وكـم سيكون جميلا لو عرفنا على الفور انتماء هذه الأزياء الوطنية وهل هي نجدية أو حجازية أو خليجية أو فلسطينية أو مغربية.. وكم سيكون جميلاً لو تزينت نساؤنا بهذه الجلابيات في مناسبات عدة.. فهي وكما نراها في بعض المناطق لا تظهر إلا مع ظهور هلال شهر رمضان المبارك.. وسامحونا.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط