اطبع هذه الصفحة


المرأة بين الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية والشريعة الإسلامية

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام


سررت بالمشاركة في مؤتمر (اتفاقيات ومؤتمرات المرأة الدولية وأثرها على العالم الإسلامي) والذي انعقد في مملكة البحرين، تحت مظلة (جمعية مودة) البحرينية و(مركز باحثات لدراسات المرأة) السعودي، وبرعاية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ما بين (28 ربيع الآخر إلى 1 جمادى الأولى الحالي)، فهو الأول من نوعه وفريد في أهدافه ومعطياته، فمن الجميل أن يدلي المجتمع المدني العربي والإسلامي برأيه في ما يدور حوله عالميا، وبما يخطط لحياته بشكل عام بل وحياته الخاصة وعلاقاته بأفراد أسرته.

ومن جانب آخر لا يمكننا رفض كل ما تقدمه الحضارة الغربية من إيجابيات، فما يتفق منها مع معطياتنا الدينية والوطنية فأهلا به، أما ما يتعارض معها فلا يمكن فرضه علينا بشكل من الأشكال، كما لا يمكن لنا فرض رؤيتنا الخاصة على غيرنا، فكما يحتفظ الآخر بحقه ويتمسك برؤيته الخاصة لكافة القضايا التي تمس حياته، نحتفظ نحن برؤيتنا الإسلامية والوطنية الخاصة والمتعلقة بحياتنا والتي هي بطبيعة الحال من شأننا الخاص.

والمؤتمر المعني هنا اهتم بالمؤتمرات والاتفاقيات الدولية التي جعلت المرأة شغلها الشاغل، ونحن عندما نتدارس هذه الاتفاقيات وتلك المؤتمرات لا نغفل العديد من القضايا المتفق عليها بين الكثير من الأمم بحكم الأصل الإنساني المشترك، ومن هنا صادقت الدول الإسلامية على هذه الاتفاقيات مع تحفظ معظم هذه الدول على كل ما يتعارض من بنود هذه الاتفاقيات وتعاليم الشريعة الإسلامية.

تحفظ كهذا أدرك إدراكا تاما وقائما على التجربة الشخصية محاولات القائمين على هذه الاتفاقيات رفعه والإيحاء أنه تحفظ غير قانوني، بل وتحريض بعض العاملات في الشأن العام في بلادنا العربية والإسلامية على التحرك في هذا المنوال، وإغراؤهن بتسخير كافة الخبرات الإدارية التنظيمية والدعم المالي لتسهيل هذا التوجه، ومن هنا لزم المشاركة في هذا المؤتمر لعلي أبرئ ذمتي أمام ربي ووطني. ولزم المساهمة في بيان إيجابيات وسلبيات هذه الاتفاقيات وقوة موقفنا الإسلامي، فنحن كمسلمين نستطيع أن نقدم أنموذجا إنسانيا محفزا للمرأة العالمية المناضلة لدراسة وتأمل معطيات الشريعة الإسلامية بحيادية مطلقة، فالتعاليم الإسلامية يمكن أن تكون إرثا عالميا يخدم الإنسانية على اختلافها.

وأود هنا الإشارة إلى بعض التوصيات التي انتهى إليها المؤتمر والتي كان منها: التأكيد على الالتزام بالمرجعية الإسلامية في التعامل مع قضايا المرأة ومطالبها ومشكلاتها، رفض كافة الاتفاقيات التي تخالف الشريعة الإسلامية، ويطالب المؤتمر الحكومات الإسلامية، ومؤسسات المجتمع المدني، تفعيل المادة 26 من اتفاقية (سيداو) والتي تمنح الأطراف الموقعة عليها حق إعادة النظر في الاتفاقية، الإسهام الفاعل والايجابي في تبني قضايا المرأة المسلمة وحقوقها الشرعية، ورفع الظلم عنها وتصحيح المفاهيم المغلوطة في العادات والتقاليد الاجتماعية، دعوة المؤسسات المتخصصة في العالم الإسلامي إلى إبراز قيم الإسلام الاجتماعية وتقديمها إلى العالم، التأكيد على دور المؤسسات الشرعية كمؤسسات الفتوى والمجامع الفقهية في العالم الإسلامي، في بيان حكم الشرع في مضامين الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وإنشاء مؤسسات أهلية للحفاظ على هوية الأمة وتعزيزها ورفع مستوى الوعي لدى فئات المجتمع، وإنشاء المراكز البحثية التي تعنى بدراسة واقع المرأة والمؤتمرات التي تعنى بها، التأكيد على دور الإعلام في ترسيخ هوية المرأة المسلمة والدفاع عن قيمها، ضرورة إصدار وثيقة إسلامية لحقوق المرأة وواجباتها في الإسلام، تشكيل تجمع للمنظمات الأهلية والجمعيات بهدف توحيد الرؤى وتنسيق جهود المتخصصين في قضايا الأسرة والمرأة، التواصل مع المؤسسات والمنظمات المناهضة لمؤتمرات واتفاقيات المرأة الدولية على الصعيدين المحلي والعالمي، توجيه ببيان إلى هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لاحترام خصوصية الشعوب، والتحذير من خطورة إكراه الشعوب على تطبيق ما يخال معتقداتها وهويتها، عقد المؤتمر وما ينبثق عنه من ندوات بشكل دوري في عدد من دول العالم الإسلامي.
ويجدر بي بيان أننا نفهم أبعاد هذا التحرك العالمي الداعي لرفع الظلم الواقع على المرأة في المجتمعات الغربية والشرقية، مجتمعات انتهكت حقوق النساء الطبيعية والإنسانية، ولقرون متتالية، حيث قررت أنظمتها وقوانينها أنها فاقدة الأهلية، تحتل منزلة أدنى وبمراحل من منزلة الرجل هذا الواقع المأساوي للمرأة يفترض أن يكون خارج نطاق المجتمعات الإسلامية جملة وتفصيلا، فمضامين الشريعة الإسلامية كفلت تحديد وحماية الحقوق الإنسانية، ليس للمرأة فقط بل لكافة أفراد المجتمعات الإنسانية، بل ولبقية الكائنات الحية.

ومع ذلك نحن لا ننكر وقوع الظلم على بعض النساء في المجتمعات الإسلامية إلا أن هذا الظلم يرجع في المقام الأول إما لوجود حالات شاذة تمارس التمييز ضدها، وهي حالات فردية، أو بسبب تبني ثقافات غريبة عن تراثنا الإسلامي بعضها أصبح له من القوة ما يمكن أن يصنف على أنه من التقاليد المحلية.

ونحن كمسلمين نتمسك بمعارضتنا الكاملة كدول وشعوب لما يتعارض من بنود هذه الاتفاقيات وأحكام الشريعة الإسلامية، إذ نعتقد أن الإسلام عندما أقر التمايز الإيجابي بين المرأة والرجل، أقر باختلاف القدرات بينهما، لكنه لم يجعل ذلك الاختلاف سببا في التمييز ضدها، بل جعلها ميزة وشرفاً لها، فالاختلاف بين الرجل والمرأة اختلاف تكامل لا اختلاف تعارض فهو كالسالب الموجب، اختلاف يتحقق من خلاله التزاوج بين الرجل والمرأة، وينتج عنه مجتمع سوي متكامل، كما أن الاستفادة من أي منجز حضاري يجب أن يكون عن وعي ويجسد إرادة الشعوب، ذلك أن أي مبادرات خارجية، أو ضغوط أجنبية للتغيير يخلق مناخا من عدم الاستقرار، وعادة ما يكون مصيره الفشل بسبب عدم توافقه مع المعتقدات والموروثات الثقافية الخاصة.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط