اطبع هذه الصفحة


التطوير مطالبة غربية أم حاجة اجتماعية...؟

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
(1)


أمام هذا النفي الجازم، سنجد أنفسنا في مواجهة استفسار يتعلق بماهية التطوير الذي تشهده المملكة حالياً في مناهجها، وهل هو وليد اللحظة؟ أم إنه ردة فعل لأحداث 11سبتمبر، أم استجابة لاحتياجات اجتماعية داخلية...؟

منذ فترة ليست ببعيدة .. وعندما وصلتني دعوة إدارة تعليم البنات بالمنطقة الشرقية ، للمشاركة في الندوة ( شركاء في التربية ) بتقديم ورقة عمل تحت مسمى (التطوير مطالبة غربية أم حاجة اجتماعية...؟) اعترتني مشاعر متضاربة... ليس لأهمية الموضوع وحساسيته فحسب، بل لأن قضية تطوير المناهج في المملكة العربية السعودية أصبحت اليوم حديث الساعة، فالكل أخذ يدلي بدلوه في ما يدور داخل أروقة إدارات التربية و التعليم في المملكة، سواء أكان رأيه مبنياً على أسس علمية واقعية، أم ظنية... و الظن كما نؤمن جميعاً لا يغني من الحق شيئا...
وابتداءً وقبل الشروع في إعداد الدراسة المعنية، كان لا بد أن أهجر أفكاراً انتهيت إليها في هذا الشأن، من خلال متابعتي العادية لمعطيات الإعلام الداخلي والخارجي، باعتباري مواطنة، وأماً يهمها ما يقدم لأبنائها وبناتها على مدار العام في مؤسساتنا التعليمية...
وهنا توجهت لبعض ساسة التعليم في المملكة العربية السعودية، لعلهم يستجيبون فيقدموا ما أستطيع من خلاله تبيان الواقع من عدمه، لعلهم يضعون ما يمكنني من إظهار الحق في موضوع أثار كثيرا من الجدل داخل الوطن... و خارجه...
و يطيب لي هنا... أن أوجه شكري وامتناني لسعادة الدكتور (عبد العزيز بن سالم الحارثي) مدير عام تعليم البنات في المنطقة الشرقية، وهو الشكر الذي أوجهه لسعادة الدكتور (عبد الإله بن عبد الله المشرف) المدير العام للمناهج، والمدير التنفيذي للمشروع... في وزارة التربية والتعليم.
فقد بادرا مشكورين بإمدادي بمعلومات كان من شأنها تسهيل البحث في القضية المطروحة أمامكم، قضية قد تبدو للرأي العام سهلة، لكن صعوبتها تكمن في تراكم الأفكار الوافدة، وكثرة الحديث عن حيثيات التدخل الغربي في عملية تطوير مقرراتنا التعليمية...
أما الأسئلة التي يجدر بنا التوقف عندها باعتبارنا مهتمين بالعملية التعليمية، مواطنين ومواطنات ونعد جزءا من جسد قوامه الدين ثم الوطن...فهي:
ـ هل ما تشهده الساحة الداخلية من تطوير المناهج السعودية، وليد اللحظة... وردة فعل لأحداث 11 سبتمبر ؟ أم هو عملية تراكمية...؟
ـ ثم هل للمطالب الغربية دور فيما تشهده المناهج التعليمية في المملكة في هذا الشأن..؟
- ومنذ متى كانت المراجعة وتطوير المناهج السياسة المعتمدة في بلادنا ..؟
- وما الأهداف التي سعت وتسعى إليها مصانع الفكر في وطننا ؟
- ثم على أي أسس اعتمدت في توجهها لتطوير المناهج..؟

هذه الأسئلة تعد نماذج مما طرحه الإعلام على أكثر من مسؤول في المملكة العربية السعودية، و إليكم بعض ما نقلته وسائل الإعلام بهذا الخصوص... لعلنا بذلك نستشف بعض الحقائق التي أراد بعضهم أن تبقى مغيبة...
* صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وزير الدفاع ، نفى تلقي المملكة أي مطالبة بهذا الشأن، وأكد ذلك بقوله : (نحن لن نغير سياستنا التعليمية أبدا، ولم يطلب منا التغيير، فللبلد سياسة وبرامج علمية وثقافية، وفوق ذلك كله له علوم دينية لا ينبغي المساس بها أبدا... ولم تطلب منا دولة في العالم أن نغير مناهجنا... وكل ما يقال عن طلبات تلقتها المملكة لتغيير مناهجها غير صحيح، كما أن هذا الأمر غير مقبول، وفيه تدخل في السيادة)
* صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، وزير الداخلية، أجاب على السؤال المطروح فقال:(لم نسمع بهذا الطلب من مسؤولين أمريكيين، وكل ما سمعناه بهذا الخصوص كان من طرح وسائل الإعلام)
* وزير التربية والتعليم السعودي معالي الدكتور محمد بن أحمد الرشيد ، قال في هذا الشأن:( إن مناهجنا التعليمية بنيت على ثوابت وأسس محدده لحاجتنا، وحاجة مجتمعنا، وثوابت سياستنا التعليمية ،و ليس لأحد الحق في التدخل في شؤوننا الداخلية، أو أن يملي علينا ما يريد...).
* الدكتور عبد الإله بن عبد الله المشرف ، وهو من له دور بارز وهاما في مجال تغيير المناهج، إذ إنه كما ذكرت آنفا المدير العام للمناهج، وبالتالي هو المسؤول المباشر عن عملية إعدادها وتطويرها في الوزارة... قال مؤكداً هذا النفي بقوله: ( هذه الدعاوى باطلة وعارية عن الصحة، فالمملكة العربية السعودية لها سيادة، ومبادئ وثوابت لا تتبدل ولا تتغير).
إذاً هناك نفي رسمي قاطع من قبل المملكة للاستجابة لأي طلب رسمي من هذا النوع ، أو حتى تلقيها طلباً من هذا النوع... وكل ما وصل إلينا بهذا الخصوص كان من طرح وسائل الإعلام ليس أكثر...
وهكذا وأمام هذا النفي الجازم، سنجد أنفسنا في مواجهة استفسار يتعلق بماهية التطوير الذي تشهده المملكة حالياً في مناهجها، وهل هو وليد اللحظة؟ أم إنه ردة فعل لأحداث 11سبتمبر، أم استجابة لاحتياجات اجتماعية داخلية...؟
سأترككم مع الدكتور محمد الرشيد وزير التربية والتعليم يجيب على هذه الأسئلة، فقد قال: (إن في وزارة التربية والتعليم وكالة للتطوير التربوي قائمة بذاتها، والتطوير عملية دائمة مستمرة، بدأت قبل المرحلة الحالية وستستمر بعدها إن شاء الله... إن البرامج التطويرية في المملكة تستند إلى منهج علمي لا يعرف الانفعالات الوقتية، أو إملاء من أحد، فالتعليم وشؤونه من أمور السيادة الوطنية... فمراجعة المناهج الدراسية ومنها الدينية لا تخضع لردود فعل، بل لمعايير وأسس، وتقوم عليها فرق علمية من الكفاءات المتخصصة، ولأننا لا نعيش في عزلة عن العالم فالتطورات العالمية هي موضع اعتبار، نريد أن يكون أبناؤنا على بينه مما يحدث حولهم)
ولأقطع الشك باليقين فيما يتعلق بمضامين تصريح الدكتور محمد الرشيد،كان لا بد من تتبع عملية تدوين وتطوير المناهج في المملكة منذ بدايتها، وهو ما سأحاول إلقاء بعض الضوء عليه الأسبوع المقبل بعون الله...
 


 (2)


إن تطوير المناهج في بلادنا ولله الحمد... كان وما زال نتيجة واستجابة لحاجة داخلية أساسية، حاجة تطمح لتوفير الأفضل لأبنائنا وبناتنا، أبناء وبنات حلم الأمس وأمل المستقبل، شبيبة من واجبنا إمدادها بأبجديات العصر.

في السبت الماضي لم نستكمل الحديث، عن ماهية تطوير المناهج... وهل كانت نتيجة لمطالبة غربية أم نتيجة لحاجة اجتماعية؟ القضية التي أثارت كثيرا من الجدل داخل الوطن... و خارجه، وانتهينا من خلاله لنفي رسمي في السعودية، للاستجابة لأي طلب رسمي من هذا النوع، أو حتى لتلقي طلب من هذا النوع... نفي أكد أن كل ما وصل إلينا بهذا الخصوص كان من طرح وسائل الإعلام ليس أكثر...
وختمنا حديثنا ذاك بالإشارة إلى حديث معالي الوزير الدكتور محمد الرشيد وزير التربية والتعليم، بين من خلاله أن عملية التطوير التي تشهدها البلاد لم تكن نتيجة للانفعالات الوقتية أو إملاء من أحد، فالتعليم وشؤونه من أمور السيادة الوطنية... تخضع لمعايير وأسس، وتقوم عليها فرق علمية من الكفاءات المتخصصة، كما وضح أن في وزارة التربية والتعليم وكالة للتطوير التربوي قائمة بذاتها، والتطوير عملية دائمة مستمرة، بدأت قبل المرحلة الحالية وستستمر بعدها إن شاء الله.
ولأقطع الشك باليقين سأتتبع اليوم عملية تدوين وتطوير المناهج في السعودية منذ بدايتها، لعلي أتوصل لحقائق تؤكد - أو تنفي- ما ذهب إليه الدكتور محمد وزير التربية و التعليم، من أن مراجعة وتطوير المناهج في وطننا، عملية مستمرة بدأت منذ عقود...
ولأن الطرح الموثق تاريخيا، يعد بحد ذاته أقوى من أي شيء لإثبات أو نفي أي تدخل غربي في ميدان تطوير مناهجنا التعليمية، ارتأيت الإشارة هنا لأهم ما وصلت إليه.

* عام 1344هـ، كانت البداية الأولى للتعليم النظامي في السعودية، حيث أنشئت مديرية التعليم ، وكان دور المناط بها يقتصر على تنظيم الخطط الدراسية دون إشراف مباشر على محتويات المادة العلمية.
* عام 1372هـ، أي في العام نفسه أنشئت وزارة المعارف، وكان من مهامها الأساسية الاهتمام بالمناهج وتطويرها...
* عام 1378هـ، أنشئت ( إدارة المناهج والخطط )لأول مرة.
* عام 1394هـ، أنشئت إدارة باسم ( إدارة الأبحاث والمناهج والمواد التعليمية ) خصصت فيها شعبة للمناهج...
عام 1403هـ، تم تحويل شعبة المناهج إلى وحدات للمناهج حسب التخصصات العلمية.
أما آخر سياسة انتهجتها وزارة المعارف في مجال مراجعة المناهج وتطويرها فقد كانت كما يلي:
* عام 1419هـ، انتهت المرحلة الإعدادية لدراسة واقع المناهج في السعودية، وخلصت هذه الدراسة إلى وضع أسس ومعايير تطوير مناهج التعليم...
* عام 1421هـ، تم اعتماد وزير المعارف، لتحكيم فريق من المعلمين و المشرفين الأكاديميين، للنتائج التي انتهت إليها المرحلة الإعدادية لدراسة واقع المناهج، ومن ثم كانت بداية انطلاق مرحلة إعداد المواد التعليمية وصياغتها

أما آخر سياسة انتهجتها الرئاسة العامة لتعليم البنات، في مجال مراجعة المناهج وتطويرها، قبل قرار الدمج... فهي كما يلي:
* عام 1418هـ، حمل آخر قرارات الرئاسة العامة لتعليم البنات، لتقويم المناهج الدراسية، كان الهدف من ذلك القرار تقويم المقررات الدراسية من قبل جميع إدارات تعليم البنات.
* عام1420هـ ، أي بعد عامين من عمل إدارات تعليم البنات كافة في السعودية صدر قرار آخر، وجه فيه الرئيس العام لتعليم البنات آنذاك معالي الدكتور (علي بن مرشد المرشد ) إلى الإدارات الرئيسة لتعليم البنات كافة بالبدء الفعلي في إعادة صياغة المقررات، وفق التقارير التي انتهت إليها اللجان السابقة.
وهكذا انتهيت، وبهذه الحقائق الموثقة إلى أن المراجعة الأخيرة لمناهج الطلبة والطالبات بدأت قبل سنوات من أحداث (11/ سبتمبر) ومن سماعنا لتلك الأصوات الآتية من الإعلام الغربي، التي طالبت حكوماتها بالتدخل السافر في مناهجنا الوطنية.
وعليه فلا صحة لقول القائل في أن عملية تطوير ودراسة المناهج في السعودية وليدة اللحظة، أو أنها مرتبطة بأحداث عالمية، فمن المؤكد أن عملية تطوير المناهج التعليمية في السعودية ولدت منذ عقود لتستمر.
وهنا قد يتساءل بعضهم عن موقف رجال التعليم في السعودية، من المطالبات الإعلامية التي انصبت... وألحت... وما زالت على منوالها تطالب بتغيير فلسفة التعليم في السعودية، وذلك بالتركيز بشكل أوسع على العلوم التطبيقية، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق - بزعمهم - إلا على حساب تقليص علومنا الإنسانية بشكل عام، والدينية منها بشكل خاص.
هذه المطالب المشكوك في نيتها تكفَّل معالي الدكتور محمد وزير التربية والتعليم بالرد عليها، من خلال حديثه عن سياسة السعودية وموقف الوزارة من فحواها، إذ قال: ( إن التغيير لن يمس الثوابت الإسلامية، في أية حال، فأركان الإيمان والإسلام والأخلاق الإسلامية، وما انعقد عليه إجماع العلماء في الأمة، من الثوابت التي لا يمكن أن تنالها يد التغيير... نريد أن نقدم الدين بأفضل الطرق، ليصل نوره إلى غير المسلمين، وليفهموه في شكله الصحيح، وليتعمق الإيمان في نفوس الأبناء، فيصمدوا بقوة أمام الهجمات الشرسة التي يتعرضون لها.)
هذه الثوابت والأهداف أعلن تمسكنا بها في مقام ِآخر، الدكتور (عبد الإله بن عبد الله المشرف)، مدير العام للمناهج، المدير التنفيذي للمشروع في وزارة التربية والتعليم، إذ تحدث لوسائل الإعلام مؤكداً، أن معتقداتنا، ومقرراتنا الدراسية الإسلامية من الثوابت التي لا تقبل التغير... وأما التطوير في مجال الدراسات الإسلامية ينصب على اختيار الشروح المناسبة دون المضمون... أما تطوير المناهج بشكل عام فيتطرق بنسب متفاوتة في جميع المدخلات التربوية، وليس مقتصراً على المناهج الدينية... دون غيرها.

وأخيراً يحق لي أن أقول...
* نعم هناك تغيير للمناهج التعليمية في بلادنا...
* نعم هناك تطوير لمفرداتها ومضامينها...
* نعم هذه العملية بدأت منذ عقود لتستمر...
* نعم هي ليست وليدة اللحظة...
* نعم هناك دراسات قائمة لمناهج غربية وشرقية، بعضها انتهى وأخرى ما زال قائماً...
* نعم قد نستمد من هذه... وقد نهمل تلك...
* نعم قد يقع منا الخطأ، كما يقع الصواب في اختيارنا هذا أو تركنا ذاك.
* ولكن لا... وألف لا... لن نمس ثوابتنا... ولا مناهجنا الدينية، إلا بشروح تثريها لا تفنيها، شروح تنمي أثرها في نفوس أبنائنا وبناتنا.
* لا لمن قال إنها وليدة اللحظة.
* لا... لمن قال إنها استجابة لمطالب غربية... فعملية تطوير مناهجنا التعليمية كانت وستبقى بحفظ المولى...

إن تطوير المناهج في بلادنا ولله الحمد... كان وما زال نتيجة واستجابة لحاجة داخلية أساسية، حاجة تطمح لتوفير الأفضل لأبنائنا وبناتنا، أبناء وبنات حلم الأمس وأمل المستقبل، شبيبة من واجبنا إمدادها بأبجديات العصر... (فأبناؤنا خلقوا لزمان غير زماننا )... لعلنا نمكنهم أن يكونوا بعون المولى سبحانه مع الركب لا خلفه... لعلنا نتمكن من تحصينهم بالدين ثم الدنيا... وهو ليس على الله ببعيد... والله المستعان على سواء السبيل.


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط