اطبع هذه الصفحة


هؤلاء عرفوا قدرنا.. بقدر ما عرفنا قدرهم

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


أجمل ما في السياسة الخارجية للمملكة تجاه الأشقاء والأصدقاء -الأوفياء- أنها متكاملة يكمل اللاحق منها السابق، سياسة واضحة المعالم من السهل التنبؤ بها، فسياسة خادم الحرمين الشريفين تجاه الإخوة الأشقاء وخصوصا مصر هي ذاتها سياسة والده مؤسس البلاد.


ألا شك أن الكثير سمع عن الدعم الذي قدمته المملكة العربية السعودية للشقيقة مصر مؤخرا، والمثير للاهتمام -من وجهة نظري- ليس قدر هذا الدعم البالغ أربعة مليارات دولار بل كيفية تفعيل هذا الدعم ليصب في مصلحة الحكومة المصرية والمواطن المصري، فقد اقترن ببرنامج اقتصادي يشمل قروضا ميسرة وودائع ومنح تمويل، إلا أن أهمها على الإطلاق من وجهة نظري هو المنحة التي لا ترد والبالغة 200 مليون والمخصصة لتمويل المشاريع المنتجة الصغيرة منها والمتوسطة والتي تستهدف وبشكل مباشر الإنسان المصري، وفي هذا المقام أدعو المولى سبحانه أن يتعافى الاقتصاد المصري ويخرج من الأزمة الاقتصادية التي حلت به، وأن يجزي حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله خير الجزاء، فمواقف المملكة تجاه الأشقاء كانت ومازالت خيرة نقية صافية، مواقف تجسد المثل العربي الذي يقول (الصديق وقت الضيق).
والحق أن المملكة تثمن دوما المواقف المشرفة لمصر، وما موقف مصر في حرب الخليج إثر احتلال الكويت الشقيق عنا ببعيد، الحرب التي شارك فيها رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في جمهورية مصر العربية، المشير حسين طنطاوي، ومن هنا كنت كغيري أتوقع دعما سخيا من المملكة العربية السعودية بلد الوفاء وعنوانه.
قرأت للكاتب "مأمون فندي" المصري النخاع السعودي الهوى، مقالا يقطر حبا وامتنانا للمملكة العربية السعودية، مقالا بعيدا كل البعد عن المجاملة الدبلوماسية مع كونه أستاذا للعلوم السياسية في جامعة "جورج تاون" الأميركية، وهناك مقال آخر أثار إعجابي بقلم الأستاذ محمد إبراهيم السقا المصري الجنسية وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت، وهو مقال لا يقل روعة عن مقال "فندي"، ومع وجود مقالات أخرى تناولت الدعم السعودي بالإشادة تارة وبالتحليل تارة أخرى إلا أني طربت مما جاء في مقالي هذين الأستاذين، وعليه وددت الإشارة إلى بعض ما ورد فيهما، فمقال فندي المعنون بـ(شكرا للمملكة) جاء فيه: (لا يسع أي مصري سوى التقدم بالشكر للمملكة العربية السعودية وملكها وشعبها على برنامج الدعم الاقتصادي الذي تقدمت به لمصر، ومقداره أربعة مليارات من الدولارات، وهنا يتضح الفرق بين من يريدون لمصر صداقات بعيدة لا تمنحنا سوى الشعارات الأيديولوجية، والأشقاء الذين يقفون معنا لحظة الضرورة ويتوقعون منا الشيء نفسه أيضا، ليس بدافع مصلحة، وإنما بدافع العروبة وأواصر القربى، فالذي يقترب من المملكة يعرف من دون أدنى شك أن هذا البلد العربي الكبير لا يكن للعرب سوى المحبة).. جميل أن نسمع من أكاديمي وكاتب بقيمة الأستاذ "مأمون فندي" يقينه أن ما تكنه المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا لمصر خاصة، وللعرب بشكل عام هو الحب ليس إلا، وما تقدمه لمصر نابع من الحرص على مصلحتها ومصلحة أهلها، كما أضاف في مقاله: (مصر التي ترى في المملكة العربية السعودية حليفا استراتيجيا من أجل الاستقرار في المنطقة، لا تملك إلا أن تكون شاكرة ومقدرة لهذا الدعم السعودي، في وقت هي في أشد الحاجة فيه إلى الدعم حتى لا ينفلت عقال الأمور وتهتز أكبر دولة عربية وتبقى في مهب الريح. الدعم السعودي جاء بإحساس من المسؤولية تجاه الشقيقة مصر، لأن في استقرار مصر استقرار العرب، وقد لمست هذه الرؤية بنفسي في أكثر من مقابلة أجريتها مع خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- الذي لا يتحدث عن مصر من دون أن يصفها بالشقيقة).. هذا السياسي أدرك من منطلق تخصصه في مجال السياسة، قيمة المملكة العربية السعودية وأهميتها كشريك استراتيجي للشقيقة مصر، والداعم لاستقرارها، ثم وجه استفسارا إنكاريا لمن يحاول التشكيك بسياسة المملكة العربية السعودية وأهدافها الإنسانية تجاه مصر وغيرها فقال: (متى دعمت المملكة وطلبت مقابلا؟ الأشقاء في الخليج لا يطلبون مقابلا..) وهذا هو واقع المملكة العربية السعودية، فهي عندما تقدم دعما ما، تفعل ذلك من منطلق حرصها على استقرار الدول الصديقة وراحة شعوبها، المملكة لا تشترط تغيير السياسة أو تغيير القرار الوطني لأي دولة، وهو أمر تعترف به الدول المعادية قبل الصديقة.
أما الأستاذ "محمد إبراهيم السقا" فقد عالج الدعم السعودي لمصر من وجهة نظر اقتصادي وأكاديمي متمرس، وكان مقاله على بساطة أسلوبه مدعما بالأرقام والحقائق الاقتصادية، وأعتقد أن المقال مفيد حتى للقارئ السعودي، الذي سيدرك مدى خطورة الوضع الاقتصادي في مصر لو ترك على حاله.. ليس عليها فقط بل علينا جميعا، والجميل أن الكاتب أظهر في حديثه الكثير من الامتنان للمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا، فقد تحدث عن الوضع الاقتصادي لمصر عقب ثورة 25 يناير، وأورد لتدعيم أقواله أرقاما فلكية تظهر ضخامة وخطورة الأزمة الاقتصادية التي تواجها مصر خلال هذه الفترة بالذات، فقال إن: (الوضع بالنسبة لميزانية مصر يعد أكثر سوءا.. باختصار شديد مصر تواجه أزمة سيولة حادة.) ثم تطرق للدعم السعودي فبين أن الدعم السعودي لمصر قديم وليس وليد اللحظة، وقال: (نحن في مصر نكن كل الاحترام والحب لإخواننا في المملكة، ونسأل الله أن يقدرنا على رد الجميل لهذا البلد العظيم بقيادته وشعبه الكريم، فمصر لا تنسى أبدا من وقف بجانبها، وفي أيام عزها، لم تبخل مصر بمساعداتها على أي دولة شقيقة).
إن أجمل ما في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تجاه الأشقاء والأصدقاء –الأوفياء- أنها متكاملة يكمل اللاحق منها السابق، سياسة واضحة المعالم من السهل التنبؤ بها، فسياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله تجاه الإخوة الأشقاء وخصوصا مصر هي ذاتها سياسة والده مؤسس البلاد الملك عبد العزيز رحمه الله وسياسة إخوته سعود وفيصل وخالد وفهد، رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته، سياسة ننعم بها كما ينعم أشقاؤنا بها.. أشقاء أحمد المولى أن بعضهم عرفوا قدرنا بقدر ما عرفنا قدرهم .


 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط