اطبع هذه الصفحة


فليدفع ذلك المصنع الثمن

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


على المسؤولين في هذا المصنع التعامل باحترام مع إنسانيتنا، والخروج والاعتذار لسكان الدمام، وإيصال ذلك عبر وسائل الإعلام كافة، فلولا لطف الله لحدث انفجار أحرق معه الأخضر واليابس، ولحدثت كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل في المملكة .

كان المخطط لصباح الأربعاء أن يتوجه سكان الدمام كما هو معتاد للعمل أو للدراسة، فلم يكن يخطر على بالنا أن تتعطل الدراسة أو يتوقف شريان الحياة في أحياء معينة في المنطقة؛ نتيجة إهمال مصنع لا أعلم إن كان وطنياً أو غير ذلك، كان يومنا مشلولاً، بل ميتاً لا حراك فيه.
كما أن الذي استهجنته من المصنع الذي تسبب في هذه الحالة؛ هو الموقف السلبي الذي انتهجه، إذ لم أسمع من القائمين عليه أي تعليق، أو محاولة تبرير، أو حتى أسف، فقد تعامل مع ما تسبب به بسلبية مطلقة، وكأن الأمر لا يعنيه، ومن هنا أستفسر عما هو المتوقع من هذا المصنع لو كان يقف على أرض أميركية أو أوروبية أو يابانية أو على أي دولة من دول العالم المتقدمة، فهل سيكون صمته مطبقاً كما هو حاله معنا؟! أم أن أرواحنا أقل قيمة وحرصنا أقل فاعلية؟! فكما علمنا من الإعلام.. لم يبلغ المصنع المعني مديرية الدفاع المدني بالمنطقة بأي تسرب، (فقد تلقت غرفة العمليات بإدارة الدفاع المدني بالشرقية أكثر من 2000 اتصال من مواطنين ومقيمين، يفيدون بانتشار غازات خانقة في ساعات متأخرة من مساء الثلاثاء، ومن ثم أصدرت تحذيراتها لبعض الأحياء بشرق الدمام وهي حي عبد الله فؤاد، حي الناصرية، مدينة العمال، حي الصفا، حي بترومين، وحي إسكان الدمام والحرس الوطني) بمعنى آخر لم يخش هذا المصنع على الأرواح، ولم يبادر بالإبلاغ عن تسرب كان من الممكن أن يؤدي إلى كارثة وطنية لولا لطف الكريم المنان.
كما لم أسمع بأي مبادرة من قبل وزارة التجارة والصناعة تجاه هذا الحادث، وأتساءل هنا هل المبادرة إلى محاسبة هذا المصنع وتحويل أمره للقضاء خارج عن صلاحياتها؟! أم أن تمتعها بإجازة نهاية الأسبوع كان عائقاً للعمل في مثل هذه الحالات الطارئة؟!
وهل من الممكن أن نسكت على تجاهلها لهذا الأمر، أم كان الواجب أن تظهر لنا لتطمئن المواطنين والمقيمين وتعلمهم أنها اتخذت بالتعاون مع الجهات الرسمية المعنية بهذا الأمر كافة الإجراءات في سبيل محاسبة المصنع والمسؤولين عن هذا التسرب، وعدم تكرر ما حدث؟
وأنا هنا أطالب ـ كما طالبنا بمحاسبة من يقبع وراء كوارث جدة ـ بمحاسبة المتسبب وراء هذا التسرب الخطير، أطالب بمحاسبة القائمين على الأمر في هذا المصنع وبدفع الثمن، فأرواحنا ليست رخيصة، لماذا لم يتخذ المصنع وسائل الأمن والسلامة الكفيلة بحفظ الأحياء المحيطة وسكانها، بل وحفظ أرواح عماله المعرضين يومياً لمثل هذا التسرب؟
كما أطالب الإعلان عن الأحكام الصادرة بحقهم، وأطالب المصنع بإنشاء أو المساهمة في مشاريع تنفع سكان الدمام، كتوفير أراض لتكون مراكز للإيواء، بل إنشاء مركز متكامل للإيواء، نظراً لما صرح به أمين المنطقة الشرقية المهندس "ضيف الله العتيبي" لـ"الوطن" من: (أن موضوع عدم توفر أراض تخصص كمواقع للإيواء ليس جديداً، وسبق أن رفعت الأمانة بعدم توفر أراض لدى الأمانة تناسب هذا المشروع، مؤكداً أن الأراضي غير المستغلة إما أنها أراض تعود لأملاك خاصة، أو أنها أراض تعود ملكيتها إلى جهات حكومية، مضيفاً أن المساحات المطلوبة لإيجاد مراكز الإيواء كبيرة جداً، ولا يوجد لدى الأمانة ما يلبي رغبة الدفاع المدني لوجود ممتلكات لوزارة الدفاع وأرامكو وجهات حكومية أخرى) ومن هنا سيكون جيداً لو بادر هذا المصنع بمفرده أو بالتعاون مع غير من المصانع الموجودة في المنطقة نفسها لتوفير هذه الأراضي، وإنشاء دور للإيواء، كما على المسؤولين في هذا المصنع التعامل باحترام مع إنسانيتنا، والخروج والاعتذار لسكان الدمام، بل للمملكة العربية السعودية حكومة وشعباً، وإيصال ذلك عبر كافة وسائل الإعلام، فلولا لطف اللطيف الخبير لحدث انفجار أحرق معه الأخضر واليابس، ولحدثت كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل في المملكة العربية السعودية، فقد صرح الناطق الرسمي باسم الدفاع المدني في الشرقية المقدم "منصور الدوسري" للإعلام معللاً عدم استخدام المياه لتبريد أو تجميد الغاز المتسرب؛ بأن استخدام المياه في هذه الحالة قد يؤدي إلى الانفجار! وهو أمر فيه نسبة كبيرة من الخطورة، مبيناً أن هذه المواد الكيميائية المتسربة تتفاعل وينتج عنها حرارة، والحرارة ينتج عنها ضغط، والضغط يولد انفجاراً هائلاً غير مسبوق يطال المدينة الصناعية كاملة.
ومما لفت نظري في تصريح "الدوسري" هو قوله "أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع هذه التسربات هي بتركها تخرج من الخزان حتى تصل نسبة التركيز بالداخل إلى مستوى منخفض فيحدث تجمد لهذه المواد وتنتهي الخطورة" أي أن الحل الوحيد ـ مع الأسف ـ يكمن في استنشاق المواطنين والمقيمين في الأحياء المحيطة بالمصنع وهي كثيرة لهذه الغازات، أو هجرتهم لبيوتهم كما هجروا أعمالهم ومصالحهم.
أما ما أثار عجبي فهو منع الطلاب وطالبات جامعة الدمام ومدارس التعليم العام المحيطة بالمنطقة الصناعية الأولى بالدمام من الدوام يوم الأربعاء، هذا المنع ظهر بالشكل الرسمي ليشمل الطلاب والطالبات، أما الموظفين فعليهم التوجه لأعمالهم، فلا بأس لو عرضوا أنفسهم لغازات أبت إلا أن تقتحم أبوابنا ونوافذنا، بل إن رجال الأمن بقوا لساعات يقفون على الطرقات ودون أي احتراز صحي! يوجهون السيارات والحافلات المحملة بالطلاب والطالبات للرجوع إلى مساكنهم التي قد لا تكون أكثر أمناً وسلامة من الشارع.

وأخيرا أوجه شكراً خاصا لوزارة الداخلية ولإمارة المنطقة الشرقية وللدفاع المدني، فقد بادروا وبتفان لإنقاذ المنطقة من كارثة محتملة، وقد ساهمت بحمد الله سياسة الدفاع المدني في تحجيم المخاطر خلال يومين.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط