اطبع هذه الصفحة


الأمير سلطان لم يمت

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


ترك الأمير سلطان رحمه الله بيننا ذكراه العطرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ذكرى رجل ترك بصماته داخل المملكة وخارجها، وها هي أعماله الخيرة ستظل تصدح باسمه بإذن الله.

عندما أقارن حياتي وما أنجزت، وما أتمنى أن أنجز، أجد نفسي خاوية الوفاض مقارنة بأقل القليل من خير اعتاد السير برفقة أميرنا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فحياتي تمر وأنا لا أرى موقع قدمي، وهو ينتقل إلى رحمة الله وخيره باق بيننا، وبالتالي لا أستحق اللوم إذا ما شعرت بالغبطة من رجل لم تلهه الدنيا وعظم المسؤوليات عن مد يد العون لكل عمل يخدم الدين أو الوطن أو الأفراد أو المجتمع، بل يخدم الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها، فأياديه البيضاء ما زالت وستبقى بحول الله سبحانه تصافح البشر شرق العالم وغربه، فقد قرب الأمير سلطان رحمه الله إليه رجالا مخلصين اختارهم على علم، فمن كانوا معه كانوا يدركون أنهم مكلفون بخدمة الخير أينما حل، هم يدركون أنه اختارهم لذلك ولذلك قربهم.
لذا يحق لنا أن نبكيه، ويحق لنا أن نفتقده، وأن نشتاق إليه، ويحق لنا أن ننتظر تعزية العالم لموته رحمه الله، وكيف لا نفعل وهو الرجل الذي أمضى عمره في خدمة دينه ثم وطنه، وأخلص في ذلك، أمير كان لا يرى للخير طريقا إلا سلكه، أمير كان في شجاعته وفي حكمته وفي نخوته مضرب الأمثال رحمه الله.
إن ما أصاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بوفاة أخيه ورفيق دربه وولي عهده، وما أصاب إخوته الأمراء وأسرته الكريمة من وفاة رجل بحجمه وقيمته، ألهمم الله جميعا الصبر والسلوان، أصابنا جميعا في المملكة العربية السعودية شيوخا وشبابا، رجالا ونساء، بل حتى الأطفال الذي عرف بحبه لهم رحمه الله، ولأننا نعلم أن الموت حق، وأنه مصيرنا جميعا، وأن الله سبحانه لا يضيع عمل عامل منا، ولأننا نثق برحمته سبحانه؛ سكنت أرواحنا ما أن وصلنا خبر وفاة الأمير، وكيف لا وقد انتقل سموه رحمه الله من عالم الابتلاء إلى عالم يكرم فيه ـ بإذن الله ـ المؤمنون الخيرون أمثاله، عالم نأمل أن يجد فيه الأمير حياة خيرا من حياته بيننا، ونعيم يعلو نعيم الدنيا، فقد ترك بيننا ذكرى عطرة بكل ما تعنيه الكلمة من معان، ذكرى رجل ترك بصماته داخل المملكة وخارجها، وها هي أعماله التي ستظل بإذن الله تصدح باسمه رحمه الله، فمن "مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية" في الرياض، والمركز الطبي والتأهيلي بفروعه المتعددة، و"برنامج الاتصالات الطبية والتعليمية – مديونت" البرنامج الفريد من نوعه، والمختص بتقديم خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات للقطاعين الصحي والتعليمي داخل المملكة العربية السعودية، و"مركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية (سايتك)" الذي أهداه سموه لـ(جامعة الملك فهد للبترول والمعادن) والذي يعد أهم المعالم الثقافية المتميزة في المنطقة الشرقية، و"برنامج سلطان بن عبدالعزيز للتربية الخاصة" المخصص لتطوير منظمة التربية الخاصة في المملكة، وتوفير احتياجات أقسام التربية الخاصة في الكليات والجامعات، و"برنامج سلطان بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية والعربية" الذي يعنى بدعم الدراسات الإسلامية والعربية، سواء داخل البلاد وخارجها، وكذلك "مشروع مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية للإسكان الخيري" الذي استهدف تأمين حوالي (671) مسكناً مناسباً ومؤثثاً للمحتاجين في مناطق مختلفة من المملكة، شاملة كافة الخدمات، من بنية تحتية من الطرق وشبكات المياه والكهرباء والهاتف. ولا يمكن لسكان المنطقة الشرقية نسيان دعم سموه رحمه الله المتواصل لـ"صندوق الأمير سلطان بن عبدالعزيز" منذ أيامه الأولى، الذي تأسس برعاية أمير المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد، بهدف دعم المشاريع الصغيرة للسيدات.
أما جهوده الإنسانية خارج المملكة فكثيرة ومتشعبة المجالات، منها دعمه لمؤسسات تعنى بالمساجد، إلى دعمه لمراكز طبية متخصصة كمركز علاج الأمراض السرطانية والمتواجد في المغرب، ومراكز جراحة المناظير في كوسوفا، والمركز المتخصص لتنمية السمع والنطق في البحرين، إلى رعايته ودعمه لمراكز أكاديمية.. على سبيل المثال "مركز ابن باز للدراسات الإسلامية بجامعة ابن تيمية" في الهند، و"مركز الملك عبدالعزيز للدراسات والعلوم العربية والإسلامية" في إيطاليا، و"برنامج سلطان بن عبدالعزيز للدراسات العربية والإسلامية" بجامعة "بيركلي" في كاليفورنيا، ومدارس مخصصة للأيتام في باكستان، والمراكز الإسلامية كالمركز المتواجد في اليابان وفي ألمانيا وفي تكساس في أميركا، والمراكز الثقافية كالتي أنشئت في سويسرا.
كما أن سموه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته كان وراء إنشاء "لجنة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخاصة للإغاثة" التي خصصت لتقديم المساعدات إغاثية في شتى أنحاء العالم، أما تمويله السخي لمشروع "الموسوعة العربية العالمية" فقد غطى فراغا ثقافيا وعلميا في الساحة العربية، التي كانت تفتقد لمثل هذه الموسوعة القيمة.
إن أعماله الخيرة تذكرني بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، وصدقة جارية، وولد صالح يدعو له"، رحمه الله وأدخله فسيح جناته، وألهمنا بعظيم فضل الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط