اطبع هذه الصفحة


لنخاطب الآخر بما يفهم ...

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
إن الوقت لا يسمح بانتهاج سياسة الانتظار.. ذلك لأن الأفكار المنمطة تولد عن الإسلام صورا مؤذية سريعة التفشي، إلى حد يستدعي انضمام المسلمين إلى غير المسلمين لاتخاذ خطوات علنية حازمة وفعالة وتصحيحية، إن أسوأ رد فعل ممكن تجاه نشر تلك الأفكار المنمطة عن الإسلام هو أن يلتزم المسلمون الصمت

أكد (بول فندلي) عضو الكونجرس الأمريكي الأسبق، في كتابه (لا سكوت بعد اليوم) والمتعلق بكيفية معالجة الصور المزيفة عن الإسلام في أمريكا، صحة المشروع الذي تقدم به الوفد الإعلامي السعودي، ففي أولى جلسات اللجنة المشتركة لخبراء السياحة والإعلام العرب، التي انعقدت الأسبوع المنصرم أشار: (رئيس الوفد السعودي للجنة، إن الخطاب للغرب لا بد أن يكون بلغته، كما تجب معرفة الجمهور المستهدف، وأين يوجد، وتوجهاته وأفكاره واهتماماته، والأسلوب وطريقة إعداد وتقديم البرامج التي تتواءم مع تفكيره .. مع الأخذ بعين الاعتبار البعد عن الإنشائية، والعنف في مخاطبة الآخر..).
وأضاف رئيس الوفد السعودي للجنة المعنية، الدكتور عبد المحسن بن داود الخلف: (إن القنوات العربية لا تصلح لمخاطبة الآخر، وعليه فلا بد من التعاون مع شركات أجنبية بهدف التعاقد مع قنوات فضائية لها جمهور واسع، وهو الأمر الذي يمكن أن تشرف على تنفيذه وتنظيمه جامعة الدول العربية ..) انتهى الخبر..
إن الذي ذهب إليه الوفد السعودي في هذا الشأن يتشابه في عدة جوانب مع ما ذهب إليه (بول فندلي) ، وإن كان الآخر وضع نصب أعيننا جوانب أخرى لمخاطبة الآخر، خاصة الأمريكي منه..

إذ أكد أن الصور النمطية للمسلمين، وإلى حد مثير للخجل، إنما تصنع في أمريكا بالذات .. وللدلالة على ذلك أورد في كتابه مواقف كثيرة لشخصيات إسلامية، عربية وأمريكية، مواقف تتعلق من قريب أو بعيد بتقبل أو رفض الآخر لنا كمسلمين .. أذكر هنا موقفا كان الكاتب أحد أطرافه، فقد قدم مسودة كتابه (لا سكوت بعد اليوم) لأم زوجته الكاثوليكية المذهب، التي امتازت بمتابعتها الدقيقة للأخبار المحلية والعالمية..
التي بادرته كما أخبرنا بعد سؤاله لها عن رأيها في ما كتب: (إني على الأرجح كالملايين من الأمريكيين فطالما اعتقدت بأن المسلمين أناس غريبو الأطوار، لا ينتمون إلينا بصلة، لقد تكون هذا الانطباع من الأخبار التلفزيونية ، وعناوين الصحف) ثم تابعت حديثها فقالت: (لقد أصبحت الآن على معرفة أفضل بهم، ولكني أخشى من أن غالبية الشعب الأمريكي ليسوا كذلك..).
لقد أعلن( بول فندلي) في كتابه هذا ، أنهم في أمريكا وحدها وفي أذهان عامة الناس ، يوجد هذا الربط الوثيق والمغلوط بين الإسلام والإرهاب، ورغم أن هذه الأفكار المنمطة تخطت عمليا حدود أمريكا في السنوات الأخيرة، فإنها لم تزدهر في أي مكان آخر بمثل هذه الكثافة وهذا الإصرار..
ثم بين أن هذه التصورات الأمريكية الخاطئة عن الإسلام -على حسب تعبيره - هي ناحية من النواحي، نتاج الصراع العربي الإسرائيلي ..فاليهود الأمريكيين القلقين على مستقبلهم، يشعرون بأن عليهم أن يقاتلوا ويستمروا في القتال، ضد أعداء إسرائيل ما دامت إسرائيل نفسها في حالة حرب ..وهذه المشاعر تماثل مشاعر المسيحيين الأصوليين في أمريكا البالغ عددهم خمسين مليون نسمة، فهم يعتقدون أن بقاء إسرائيل قوية جزء أساسي من مخطط إلهي ويعتبرون المسلمين تهديداً لهذا المخطط ..
ولكن الكاتب أكد وبوضوح أن السبب الرئيسي وراء بقاء تلك الأنماط المعادية للإسلام بهذه القوة، هو واقع المسلمين الأمريكيين، فهم ما زالوا غير منظمين إلى حد بعيد، على الرغم من تعاظم عددهم، فإن قيادتهم الوطنية لم تتبلور إلا أخيرا..

ثم بين أهمية دور الإعلام في تصحيح مسار هذه الصور النمطية الخاطئة، فأشار إلى حاجة المسلمين لتأثير إسلامي متواصل، يظهر بصورة خاصة في عمل أجهزة جمع الأخبار في أمريكا ونشرها .. فالمسلمون الأمريكيون على حسب زعمه ليس لهم تأثير يذكر في قرارات تغطية الأخبار بأي وسيلة من وسائل الإعلام، ومرد ذلك- كما قال- إلى انخراط عدد قليل منهم في ميدان الصحافة وامتهانها، فمعظم الأخبار، التي تنشر وتبث في أمريكا يكتبها صحافيون لا يملكون معلومات وافية عن الإسلام، أو أنهم يملكون معلومات مضللة، كما أكد أنه في غياب الاعتراضات، لا يرى المحررون سبباً يدعوهم إلى التيقظ أمام ما يصدرون في غرف الأخبار التي تكتب فيها التقارير.

ثم بين أن حاجة المسلمين إلى أصحاب الاختصاص من المسلمين لا تنحصر في توظيفهم المباشر في غرف الأخبار واستديوهات التلفزيون، بل تشمل تزويدهم لوسائل الإعلام بوجهات نظر إسلامية مميزة ومعارف تتيح فهم الإسلام على حقيقته، وإن كان هؤلاء لا يشغلون أي وظيفة في وسائل الإعلام، كما أن من المنطق أن يكونوا جزءا من الوجود التنظيمي الإسلامي القائم في المدن الأمريكية الرئيسية كواشنطن ونيويورك على سبيل المثال..

كما رأى أن على المسلمين الإعلان والجهر عن هويتهم الإسلامية، فمع سلوكهم الحسن، وإنجازاتهم المجدية سيكون ذلك الإعلان بلا شك مثمرا، وسبيلاً متميزاً للتعرف إلى الإسلام ..فعامة الناس لا تتعرف إلى السلوك المثالي على أنه سلوك إسلامي، إلا إذا أعلن صاحب السلوك إسلامه..
كما نصح المسلمين الأمريكيين بالبحث عن المواقف التي تمكنهم من عرض حقيقة دينهم على غير المسلمين وفتح باب النقاش معهم، وقد أشار (بول فندلي) إلى أنه لا يجدر بالمسلمين انتظار حصول أزمة كي يوضحوا حقيقة دينهم للآخرين ..
كما استنكر امتناع المسلمين عن استغلال كل فرصة متاحة للكلام علناً عن الإسلام، وفي كل مقابلة إعلامية تتيح لهم الفرصة وضع ديانتهم في المرأى الصحيح الإيجابي، إذ إنهم بذلك يخلون الساحة للمراسلين الذين يملكون معلومات خاطئة، و أولئك المصممين على وصف المسلمين بـ(المرضى)..
وقد حذر(بول فندلي) المسلمين قائلاً: إن الوقت لا يسمح بانتهاج سياسة الانتظار.. ذلك لأن الأفكار المنمطة تولد عن الإسلام صورا مؤذية سريعة التفشي، إلى حد يستدعي انضمام المسلمين إلى غير المسلمين لاتخاذ خطوات علنية حازمة وفعالة وتصحيحية، إن أسوأ رد فعل ممكن تجاه نشر تلك الأفكار المنمطة عن الإسلام هو أن يلتزم المسلمون الصمت، فإذا لم تواجه تلك الأكاذيب ما يعترضها، فإن من المحتم أنها ستواصل مسارها المدمر ..
آمل أن تتمكن جامعة الدول العربية من تبني فكرة المملكة العربية السعودية، وتجند طاقاتها الإعلامية وخبراتها الدبلوماسية في مخاطبة الآخر، بما يفهم ذلك الآخر.
آمل أن تمد يديها وتستعين بالمخلصين أمثال( بول فندلي) عضو الكونجرس الأمريكي الأسبق ..الذي دافع عن الدين الإسلامي وأهله .. بحكمة وشجاعة....
 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط