صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







إلى من فارق حبيبه

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


حب الوطن لا بد أن يفعل في حياتنا اليومية، في سيرنا على الطرقات، في عملنا وفي علاقتنا مع المواطن والوافد على السواء، في تصرفاتنا العامة والشخصية داخل البلاد وخارجها، وفي حراكنا اليومي وعلى مدار الأيام والساعات .


قصاصات من وجداني، أعرضها اليوم أمامكم ولا أدري هل ستترك الفائدة المرجوة أم ستكون هباء منثورا، لكني أستسمحكم في الحديث عن خواطر أبت إلا الظهور، فقد مررت هذه الأيام بالعديد ممن فارقنا إلى الرفيق الأعلى تاركا خلفه الأثر الذي سيبقى شاهدا له أو شاهدا عليه، وقد لا يطول بي الأمر فألحق بهم -اللهم هب لنا حسن الخاتمة إنك ولي ذلك والقادر عليه- وفي خضم الأقدام التي تنقل المعزين وعلى اختلاف قلوبهم وضمائرهم، من متأثرين للفراق أو مجاملين أو حاملين قلوبا خاوية لا تجد في العزاء إلا واجبا اجتماعيا عليها القيام به مرغمه، وللأسرة المبتلاة التي قد لا تجد الراحة في هذا الجمع الغفير، بل في السكون والهدوء وأخذ العبر، وفي التفكر والتدبر، وفي قرب المحبين المخلصين الذي يبقون ما إن يغادر الناس ويقبلون ما إن يحجم القوم، أقول: لهم صبرا جميلا ألهمكم الله الصبر والسلوان وأسكن أحبتكم جنات الخلد بفضله سبحانه.
رحم الله حال من ذاق طعم فراق الأحبة، أمثال ذاك الطبيب الناجح في عمله المتميز في مجاله، الذي ما زالت عيناه تذرفان الدموع ما إن يتذكر أمه رحمها الله، وما زال يتوجه إلى غرفتها يتلمس أثرها، فلا طول الفراق سينسيه حبه لأمه، ولا تصفيق المصفقين سيلهيه عن برها، وما زلت أذكر مغادرته لأول موسم حج بعد موتها رحمها الله، حاجا عنها، وما زلت أذكر يوم عرفة ساعة وصوله إلى بوابة "مكة المكرمة" والسيول قد أحاطت بالطائفين الركع السجود، وما زلت أذكر اتصالي به في ذلك اليوم أستشيره في أمر يخص صحتي، وكيف بادر على الفور بتقبل اتصالي في وقت كانت الحافلة التي تحمله مع الحجيج تتأرجح بفعل السيول الجارفة، فهو على ثباته وقوة حضوره وعظم ثقته بنفسه وقدراته يتصاغر أمام أمه رحمها الله حية كانت أو ميتة، تقبل الله منه ومن أمثاله صالح الأعمال، وأدام عليه وعليهم نعمه، وتلك الإدارية المتميزة التي تركت بصمات واضحة في إدارة جامعة الدمام، أراها وقد انكسر قلبها بفراق والديها فعيناها دامعتان على الدوام، ومع ما تقدم من عبارات الترحيب الطيبة لمن جاءها زائرا، إلا أن انكسار قلبها تظهره ملامح وجه فقد البريق الذي كان، وذاك الأمير الذي ما إن ذكر أخاه أمامه حتى بادر بإمساك طرف غترته ليخفي أثر دمعه أبت إلا الإعلان عن مشاعر مكبوتة ولو بعد حين، رحم الله موتانا وجميع المسلمين وألهمنا الصبر والسلوان، ففراق الأحبة قد يهد الجبال ويزلزل أقوى الرجال وأصلبهم.
وأنا كغيري، أذكر دوما أحبتي الذي فارقوني داعية الله أن يجمعني بهم في فردوسه الأعلى، داعية أن يكون حالهم الآن أفضل من حالهم بيننا، وأن أجد من الكريم المتعالي ساعة موتي ما يليق بكرمه وعفوه لا ما يليق بفعلي وضعفي، وأن يتغمدني بستره ورحمته، وأن يسخر لي الأحياء بعد موتي بدعاء أو صدقة أو وقف يدوم أجره ولا ينقطع، وأن يمكن أبنائي وبناتي وصديقتي وأهلي وزميلاتي ليذكروني بخير، وأن تترحم علي طالباتي العزيزات اللاتي أعوّل عليهن في الكثير، وأن يعفو عني من أسأت له دون قصد أو بقصد، فالعفو من شيم الكرام، وأن يذكر شبابنا حبي لهذا الدين وهذه البلاد ولأهلها، ولهوائها الذي لم يلوثه غاصب أو معتد بحمد الله سبحانه، وليتذكروا أننا جميعا نظن بهم خيرا وأنهم قادرون على الإنجاز وعلى العطاء، فلا يسمحوا لأي كان أن يحجم أحلامهم أو يحد من انطلاقهم ، لأن من لا خير فيه لدينه ولأسرته ولوطنه لا خير يرجى منه، ولذا كان نبذه أجدى وأنفع، وأن الأيام القادمة قد لا تكون كما عهدنا ولكنهم قادرون بحول الله على مجاراة عصرهم متأثرين ومؤثرين، فليقبلوا بكل ثقة ودون خوف أو وجل على مجاراة عصرهم في شتى ميادين العلوم، حذرين من الانسياق وراء تغيرات اجتماعية يحاول الغرب تصديرها لتكون القانون الذي يحكم البشر على اختلاف توجهاتهم الدينية والثقافية.
عليهم التذكر دوما أن بلادهم ليست كغيرها من البلاد فهي الفريدة من نوعها حاضنة الحرمين الشريفين، وخادمة الحجاج والمعتمرين، خيرها عام للأمة الإسلامية والعربية، بل للعالم بحمد الله. عليهم أن يتذكروا دوما أن الطامعين فيها كثر، منهم من يدعي الصداقة ومنهم من يظهر العداء، ومنهم من ينتظر الفرصة السانحة ليظهر أطماعه، وأن صداقة الدول العظمى ـ مع الأسف ـ تحكمها المصالح، ولذا عليكم ربط مصالح الدول العظمى بمصالحكم الدينية والوطنية لضمان القوة بإذن الله، وأن خدمة البلاد واجب لا رفاهية.. وأن حب الوطن لا يتحقق بنظم القصائد الشعرية ولا بالخطب الرنانة، هذا الحب لا بد أن يفعل في حياتنا اليومية، في سيرنا على الطرقات، في عملنا وفي علاقتنا مع المواطن والوافد على السواء، في تصرفاتنا العامة والشخصية داخل البلاد وخارجها، وفي حراكنا اليومي وعلى مدار الأيام والساعات، فحب الله ثم حب الوطن هما أعظم حب وأصدق حب، عليكم ألا تنسوا أن هذه الأرض التي تنتمون إليها من أعظم النعم علينا، وأن هناك كثرا يتمنون حمل جوازها ويسعون لذلك، وأن الأمن والأمان اللذين ننعم بهما بشكل عام قلما وجدا هذه الأيام، سنجد من ذلك كله أننا نعيش في نعيم يستوجب شكر المنعم سبحانه، ولأحفادي الذين قد لا أراهم، ثقوا أني كنت متلهفة للقائكم ولتقبيل جباهكم فليحفظكم الله وليبارك بكم وبكن.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط