اطبع هذه الصفحة


لله درك يا "حسناء"

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام


هناك تجارة أصحابها على يقين من أن الخسارة لن تصيبهم سواء أعلنوا عنها أم أبقوها في الخفاء، ولو كان الأمر متوقفا عليهم لأخفوها عن أقرب الأقربين، وهذا النشاط ينحصر في نوع واحد من التجارة، وهي التجارة مع الله سبحانه .

التجار عادة ما يحرصون على إبقاء أسرار تجارتهم طي الكتمان، خشية منافس ينزع البساط من تحت أقدامهم، أو خشية حسد حاسد لا يذكر الله، إلى غيرها من المبررات التي قد نتفق معها وقد نختلف، والتي في المجمل تؤكد على تمسكهم بحقهم في التكتم، بل إن البعض يدرك تماما أنه لا مجال للمنافسة، ومع ذلك يحرص على إبقاء سياسته التجارية طي الكتمان ويعد ذلك من حقه، وهو مصيب في هذا والله أعلم.
إلا أن هناك تجارة أخرى أصحابها على يقين من أن الخسارة لن تصيبهم سواء أعلنوا عنها أم أبقوها في الخفاء، ومع ذلك يفضلون عدم تسليط الأضواء عليها، ولو كان الأمر متوقفا عليهم لأخفوها عن أقرب الأقربين، وهذا النشاط ينحصر في نوع واحد من التجارة، وهي التجارة مع الله سبحانه، تجارة لا يستطيع أحد الدخول في معتركها أو الخوض فيها، فهي بحاجة إلى مؤهلات عالية من الإيمان وحب الله، وهذا النوع من التجار يجعل أول أولوياتهم السعي إلى كسب مرضاة الله سبحانه ويبذلون في سبيل ذلك الغالي والنفيس، فمع أن حب المال أمر مقرر، إلا أنهم يقدمون حب الله على حب الشهوات، وعندما يسخون بأموالهم يبحثون عن أرض خصبة سخية معطاءة يعم خيرها القاصي والداني، فأموالهم حلال والحاضن لها لا بد أن يكون نقيا طيبا، لذا نجدهم يبحثون عن مرافق استثمارية تضمن لهم الربح وبشكل مضاعف، مع يقينهم أن الضامن هو الله سبحانه..ومن هؤلاء التجار من سخر ماله ووقته لحفظ كتاب الله فساهم بما يملك من طاقات مادية ومعنوية في سبيل خدمة كتاب الله حفظا وتجويدا وتفسيرا، وهكذا ظهرت بيننا "حسناء بنت علي الحارثي" حافظة كتاب الله ابنة "الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم" في منطقة المدينة المنورة.
لله درك يا حسناء! فقد نافست 33 متسابقة يمثلن 30 دولة، لتعودي إلينا حاملة المركز الأول في أول مشاركة دولية للحافظات السعوديات في المسابقة الهاشمية الدولية للإناث لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره في "المملكة الأردنية الهاشمية" ولله در والديك ومدرستك ووطن أحب كتاب الله وخدمه ودعم أهله وأجلهم! ولله در والد حملك بحنو إلى المملكة الأردنية راعيا ومحفزا ومدللا ليشهد هو قبل غيره حصاد تعهدك بحفظ كتاب الله! ولله در الأمانة العامة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد التي رشحتك لهذه المشاركة تقديرا منها لحفظك كتاب الله ولفوزك بالترتيب الثاني في الفرع الثاني في مسابقة جائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، لحفظ القرآن الكريم للبنين والبنات لهذا العام 1433هـ، الذي خصص لها حفظه الله مليونا ونصف المليون ريال سنويا!
وإن كنت تمنيت على الأمانة العامة لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لو أنها أفسحت المجال لأم حسناء بمرافقتها ووالدها في هذه المناسبة السعيدة، فلا أجمل ولا أروع منها فرحة يمكن أن تقدم لأي أم، ولكني أعود وأحمد المولى سبحانه أن الدكتورة "عزيزة بنت حسين اليوسف" أستاذ مساعد في جامعة طيبة، التي شاركت كأول سعودية في عضوية لجنة تحكيم هذه المسابقة في الأردن، وهكذا وجدت "حسناء الحارثي" بجوارها من نقل لها فرحتنا بها وافتخارنا بإنجازها، وأملي أن أسمع عما قريب تكريم الوزارة لحسنائنا وعزيزتنا حفظهما الله على هذا الإنجاز.
واسمحوا لي أن أنقل إليكم تفاصيل زيارة أضافت لي الكثير، فقد غادرت الوطن مساء الأربعاء الماضي متوجهة إلى مملكة البحرين، متطلعة لمشاركة ابنة عمي فرحتها بتخرج ابنتها من "مدارس الإيمان"، المدرسة التي تولي حفظ كتاب الله جل اهتمامها، وعندما وصلت إلى الحفل جلست أترقب إقبال ابنتنا الغالية، ولكن فرحتي بهذه المدرسة وبطالباتها وسعت دائرة اهتمامي تلك الليلة، فقد وجدت على بساطة فعاليات الحفل المعد لهذه المناسبة اهتمام إدارة المدرسة بأدق التفاصيل، كان حفلهن أشبه بعرس جماعي لطالبات ملكن جمال الباطن والظاهر، عرس ارتدت فيه العروس ثوبا لا يملك أن يلبسه إلا الخاصة منا، وكانت المتخرجة تمشي على المنصة بخطوات تملؤها الثقة.
أما الموقف الذي أجزم أنه أبكى أغلب الحاضرات، فكان عندما أقبلت كل طالبة حافظة لكتاب الله حفظا كاملا إلى ساحة الحفل متخطية الحاضرات باحثة عن أمها واضعة على رأسها تاجا فواحا من زهر الياسمين، عندها شاهدن دموعا واحتضانا مؤثرا لا تفهم لغته إلا الأمهات، بارك الله بعظيم فضله لهن في بناتهن وكثر من أمثالهن، ومبارك لإدارة الإيمان بهذا الجهد الواعد ولكل من سعى وسيسعى إلى دعم "مدارس الإيمان" الوقفية بماله وجهده، فهي تسعى إلى توسعة مبانيها ومعاملها، لتتمكن من استقبال العدد المتزايد من الطلاب والطالبات الراغبين والراغبات في الدراسة فيها، علما بأني وجدت عدد المتخرجات قليلا نسبيا، إذ لم يتعد عددهن الأربعين، وعند الاستفسار علمت أن السبب يرجع إلى صغر حجم المدرسة، وفي الختام أدعو الله الكريم المنان لكل من سعى إلى رعاية كتاب الله سواء أعلن عن نشاطه هذا أو أخفاه، وأن يجزل له الجزاء في الدنيا والآخرة ويحفظه ويرفع قدره، وأدعو سبحانه أن يمكننا جميعا أن ننهج نهجه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط