اطبع هذه الصفحة


جازان... لا تحزني..

د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أ
كاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام

 
إن الوضع الحالي لجازان، ينبئ عن مخاطر جمة قد تحملها لنا الأيام والسنون المقبلة، الكوارث الطبيعية لا شك ستكتسح هناك الأخضر واليابس، وتزهق أرواح المئات، إن لم نتحرك وبجد إن لم يكن في سبيل إيقافها، فعلى الأقل في سبيل التقليل من مخاطرها

ألا تعتقدون أننا كمواطنين مقصرون؟ ألا تشعرون بقشعريرة وأنتم تتابعون الأوضاع المأساوية في جازان الغالية؟. فجزء من وطننا يغرق وعلى مدار الساعة بأهله ... جازان الحزينة، جازان الحبيبة ابتليت ولا من مجيب، فها هي تئن تحت وطأة سيول كاسحة مروعة اقتحمت علينا حياتنا، لتأخذ معها أرواح أبنائنا وبناتنا، ورجالنا ونسائنا، وأطفالنا الأبرياء، سيول أبت إلا أن تدمر البيوت بأهلها، تتلف الطرقات، تعزل القرى، تجرف المزارع بما حملت، وأخيرًا تعطل نشاط المستشفيات، وتقطع الكهرباء ... وما خفي أعظم وأجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
ابتلينا كشعب سعودي ..فكيف قابلنا هذا الابتلاء؟ أبالصبر والدعاء، أم بالمساندة ،أم بكليهما؟, مع الأسف للحظة كتابة هذه السطور لم أسمع عن تنظيم شعبي لمساعدة منكوبي هذه السيول، لم أسمع من أئمتنا الأفاضل- إلا القلة منهم - الدعاء لأهل جازان بالصبر والثبات، لم أسمع منهم توجيه نداءات بتكوين لجان شعبية تسعى لمساندة أهالي جازان بالمال والعتاد والرجال، لجان تنضم تحت لواء الدفاع المدني في سعيها الحثيث لإنقاذ أناس هم منا ونحن منهم، كالجسد من الروح، ما أصابهم أصابنا في مقتل .

نعم لم أسمع إلى لحظة كتابة هذه السطور عن لجان طبية تتطوع لتقديم خدماتها لأهالي جازان، لم أسمع من رجال المال تبرعات تكفل وصول الطعام والكساء والدواء لقرى عزلت تماماً عما حولها، ملكها الخوف من مجهول، وكأن ما حدث هناك لا يعنينا، ولا يخص أخوة لنا.
فضلاً ... لا تحولوا أنظاركم عن هذه السطور، فأجهزة الدولة ليست المعنية الأولى والأخيرة في هذا الشأن، فمع تشكيل لجان عاجلة من منسوبي الدفاع المدني،لإغاثة أهالي جازان، لجان عملت بجد على فتح الطرق المسدودة، عملت على إيصال المياه و المواد الغذائية لمستحقيها من متضرري تلك السيول الجارفة، ومع رفع حالة الطوارئ للدرجة القصوى في مستشفيات جازان، مع ذلك كله بدا لنا أن الدوائر الحكومية المعنية بإغاثة هؤلاء عاجزة بمفردها عن إنقاذ ما يمكن إنقاذه، نعم, هي بحاجة ليد طبيب من بلادي، وعلبة مطهر، ولحاف لو أمكن، هي بحاجة لشباب لديهم القدرة البدنية لإنقاذ وإسعاف طفل أو امرأة أو رجل مسن، وعلى فرض أن الدفاع المدني والأجهزة الحكومية الداعمة له في غنى عن مساعدتنا.. وهو محال، وعلى فرض أننا عاجزون عن تقديم العون... وهو محال أيضا، ألا نخصص لهم ولو جزءا من دعائنا وتوسلاتنا لله الكريم، لعله بفضله يرفع الغمة عنهم، ويزيل البلاء عن وطننا..

بل وعلى فرض وجود شباب وأطباء ورجال أعمال وجهوا أنظارهم وقلوبهم وأبدانهم وكل قدراتهم للعمل التطوعي، لإسعاف ومساندة جازان في محنتها، فأين وسائل الإعلام من متابعة هذا الدور الإسلامي والإنساني في ظاهره وباطنه؟. دور لا شك سيكون له أثر إيجابي لا يستهان به على صعيد تدعيم التلاحم الوطني ..
أعتقد أن لي الحق كمواطنة بمطالبة الدفاع المدني الإعلان عن حاجته للمتطوعين...ليس في ذلك تقصير بل التقصير يكمن في ادعائكم أنكم قادرون بمفردكم على القيام بمهام بدت لي نتائجها مروعة ومحزنة .. بل إننا كمواطنين لسنا بحاجة لدعوة كريمة من القائمين على الدفاع المدني لنبادر بتقديم العون، ولنا الحق كل الحق في الوقوف على وضع إخواننا هناك, على وضع أطفالنا، نسائنا مرضانا،ثم أين لجان كشافة السعودية المدربة، أم إن عملها لا يتعدى التنظيمات الصورية الشكل ‍! ؟، وأين هيئات الإغاثة الإسلامية مما حدث على أرض جازان ! ؟، أم إن أهل جازان خارج نطاق اهتماماتها! .
إن الوضع الحالي لجازان، ينبئ عن مخاطر جمة قد تحملها لنا الأيام والسنون المقبلة، الكوارث الطبيعية لا شك ستكتسح هناك الأخضر واليابس، وتزهق أرواح المئات، إن لم نتحرك وبجد, إن لم يكن في سبيل إيقافها، فعلى الأقل في سبيل التقليل من مخاطرها..

الإهمال مرفوض في هذه الحالة والقائمون على الأمر يجب أن يتدخلوا كما أكد المهندس الزراعي (علي الرافعي) مدير فرع الزراعة في أبو عريش، من أن أهم الأسباب التي تجعل سيول جازان أكثر خطراً التوسع العمراني الهائل وغير المخطط لأبعاده، فقد أعلن أن مجاري الأودية في جازان لم تكن داخل دائرة هذا التخطيط العشوائي، موضحا بدوره أن إنشاء عشرات الحواجز الترابية الحديثة بشكل غير مدروس أدى إلى تغيير مجاري الأودية، التي خلفت وراءها مجاري طبيعية انطمست معالمها، كما أن استنزال أهالي جازان الهائل لرمال تلك الأودية لاستخدامها في أغراض البناء أحدث حفريات تصل مساحاتها لعدد من الكيلومترات، حفريات كونت بدورها بحيرات كانت وما زالت بمثابة قبور جماعية للمارين عليها، ومصدر للأوبئة، حفريات غيرت المعالم الطبيعية لجازان..
ألا تعتقدون أن الحل الأمثل يتطلب تخطيطا وتنفيذا لمشروعات إنشائية وقائية لأكثر من وزارة ابتداء من وزارة المالية، ووزارة الصحة، والزراعة، والتخطيط وانتهاء بوزارة المياه؟. تخطيط يسعى - بعد الله - من بدايته لنهايته لضمان حياة آمنة في جازان هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تخطيط لعقوبات تطبق بحزم على المخالفين للتوجيهات العليا الرامية لإيقاف هذه الفوضى المميتة من قبل بعض السكان، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية دعم حملات توجيهية وبشكل مستمر، تهدف لتوعية المواطنين بخطورة قيامهم بتجاوزات، قد لا تصل للمساس بممتلكاتهم فقط، بل بحياتهم وحياة أسرهم وأطفالهم. إن البتر مع إيلامه قد يكون العلاج الأوحد أمام الطبيب، افرضوا غرامات على المخالفين لقوانين ونظم البناء والتزموا بتنفيذها ..، اعملوا على تطبيق سريع لدراسات سعودية وغربية تتعلق بهذا الشأن، دراسات لا شك أنها ساكنة على الأرفف منذ زمن تشتكي هجرنا وصدنا، أفسحوا المجال بذلك لعلاج المرض قبل استفحاله ..
 
وفي الختام آمل من المعنيين بالأمر متابعة الأفكار الواردة في سلسلة مقالات متتابعة كتبها الأستاذ قينان بن عبدالله الغامدي في زاويته صباح الوطن خلال الأيام الماضية تتعلق بأزمة جازان لا شك أنهم سيجدون في فحواها الفائدة المرجوة وعلى الله الاتكال.

 

أميمةالجلاهمة
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط